Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 43-46)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد تقدم الكلام في تفسير إقامة الصلاة ، واشتقاقها ، والمراد هنا الصلاة المعهودة ، وهي صلاة المسلمين ، على أن التعريف للعهد ، ويجوز أن تكون للجنس ، ومثلها الزكاة . والإيتاء الإعطاء ، يقال آتيته . أي أعطيته . والزكاة مأخوذة من الزكاء ، وهو النماء ، زكا الشيء إذا نما ، وزاد ، ورجل زكي ، أي زائد الخير ، وسمي إخراج جزء من المال زكاة ، أي زيادة مع أنه نقص منه لأنها تكثر بركته بذلك ، أو تكثر أجر صاحبه . وقيل الزكاة مأخوذة من التطهير ، كما يقال زكا فلان أي طهر . والظاهر أن الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، ونحوها قد نقلها الشرع إلى معان شرعية هي المرادة بما هو مذكور في الكتاب والسنة منها . وقد تكلم أهل العلم على ذلك بما لا يتسع المقام لبسطه . وقد اختلف أهل العلم في المراد بالزكاة هنا ، فقيل المراد المفروضة ، لاقترانها بالصلاة . وقيل صدقة الفطر ، والظاهر أن المراد ما هو أعم من ذلك . والركوع في اللغة الانحناء ، وكل منحن راكع ، قال لبيد @ أخَبِّرُ أخبارَ القرون التي مضت أدِبُّ كأني كلما قمت راكعُ @@ وقيل الانحناء يعم الركوع والسجود ، ويستعار الركوع أيضاً للانحطاط في المنزلة ، قال الشاعر @ لا تهين الفقير علك أن تركع يوماً والدهر قد رفعه @@ وإنما خص الركوع بالذكر هنا لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم . وقيل لكونه كان ثقيلاً على أهل الجاهلية . وقيل إنه أراد بالركوع جميع أركان الصلاة . والركوع الشرعي هو أن ينحني الرجل ، ويمد ظهره وعنقه ، ويفتح أصابع يديه ، ويقبض على ركبتيه ، ثم يطمئن راكعاً ، ذاكراً بالذكر المشروع . وقوله { مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } فيه الإرشاد إلى شهود الجماعة ، والخروج إلى المساجد ، وقد ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما ما هو معروف . وقد أوجب حضور الجماعة بعض أهل العلم ، على خلاف بينهم في كون ذلك عيناً أو كفاية ، وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة مرغب فيها ، وليس بواجب . وهو الحق للأحاديث الثابتة الصحيحة عن جماعة من الصحابة ، من أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة ، أو بسبع وعشرين درجة . وثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم " الذي يصلي مع الإمام أفضل من الذي يصلي وحده ، ثم ينام " والبحث طويل الذيول كثير النقول . والهمزة في قوله { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرّ } للاستفهام مع التوبيخ للمخاطبين ، وليس المراد توبيخهم على نفس الأمر بالبر ، فإنه فعل حسن مندوب إليه ، بل بسبب ترك فعل البر المستفاد من قوله { وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ } مع التطهر بتزكية النفس ، والقيام في مقام دعاة الخلق إلى الحق إيهاماً للناس ، وتلبيساً عليهم ، كما قال أبو العتاهية @ وصفت التُّقي حتى كأنك ذو تُقىً وريحُ الخطايا من ثِيابك تسطع @@ والبرّ الطاعة ، والعمل الصالح . والبر سعة الخير والمعروف . والبر الصدق . والبر ولد الثعلب . والبر سوق الغنم . ومن إطلاقه على الطاعة قول الشاعر @ لا هُمُ ربّ أن بكراً دونكا يَبَرُّك الناسُ ويفجرونكا @@ أي يطيعونك ، ويعصونك . والنسيان بكسر النون هو هنا بمعنى الترك ، أي وتتركون أنفسكم ، وفي الأصل خلاف الذكر ، والحفظ ، أي زوال الصورة التي كانت محفوظة عن المدركة ، والحافظة . والنفس الروح ، ومنه قوله تعالى { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } الزمر 42 يريد الأرواح . وقال أبو خراش @ نجا سالم ، والنفس منه بشدقه @@ والنفس أيضاً الدم ، ومنه قولهم سالت نفسه ، قال الشاعر @ تسيل على حدّ السيوف نفوسنا وليس على غير الظبات تسيل @@ والنفس الجسد ، ومنه @ نُبئّتُ أن بني سُحَيم أدخلوا أبياتَهم تأمُور نَفسِ المُنذِر @@ والتأمور البدن . وقوله { وَأَنتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } جملة حالية مشتملة على أعظم تقريع ، وأشد توبيخ ، وأبلغ تبكيت أي كيف تتركون البر الذي تأمرون الناس به ؟ وأنتم من أهل العلم العارفين بقبح هذا الفعل ، وشدّة الوعيد عليه ، كما ترونه في الكتاب الذي تتلونه ، والآيات التي تقرءونها من التوراة . والتلاوة القراءة ، وهي المراد هنا ، وأصلها الإتباع يقال تلوته إذا تبعته ، وسمي القارىء تالياً ، والقراءة تلاوة لأنه يتبع بعض الكلام ببعض على النسق الذي هو عليه . وقوله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } استفهام للإنكار عليهم ، والتقريع لهم ، وهو أشدّ من الأوّل ، وأشدّ . وأشدّ ما قرّع الله في هذا الموضع من يأمر بالخير ، ولا يفعله من العلماء ، الذين هم غير عاملين بالعلم ، فاستنكر عليهم أوّلاً أمرهم للناس بالبرّ مع نسيان أنفسهم في ذلك ، الأمر الذي قاموا به في المجامع ، ونادوا به في المجالس إيهاماً للناس بأنهم مبلغون عن الله ما تحملوه من حججه ، ومبينون لعباده ما أمرهم ببيانه ، وموصلون إلى خلقه ما استودعهم ، وائتمنهم عليه ، وهم أترك الناس لذلك ، وأبعدهم من نفعه ، وأزهدهم فيه ، ثم ربط هذه الجملة بجملة أخرى ، جعلها مبينة لحالهم ، وكاشفة لعوارهم ، وهاتكة لأستارهم ، وهي أنهم فعلوا هذه الفعلة الشنيعة ، والخصلة الفظيعة على علم منهم ، ومعرفة بالكتاب الذي أنزل عليهم ، وملازمة لتلاوته ، وهم في ذلك كما قال المعرّي @ وَإنَّما حمل التَّوْراة قارِئها كَسْبُ الفَوائِد لا حُب التلاواتِ @@ ثم انتقل معهم من تقريع إلى تقريع ، ومن توبيخ إلى توبيخ فقال إنكم لو لم تكونوا من أهل العلم ، وحملة الحجة ، وأهل الدراسة لكتب الله ، لكان مجرد كونكم ممن يعقل حائلاً بينكم وبين ذلك ذائداً لكم عنه زاجراً لكم منه ، فكيف أهملتم ما يقتضيه العقل بعد إهمالكم لما يوجبه العلم ؟ والعقل في أصل اللغة المنع ، ومنه عقال البعير لأنه يمنعه عن الحركة ، ومنه العقل في الدية لأنه يمنع وليّ المقتول عن قتل الجاني . والعقل نقيض الجهل ، ويصح تفسير ما في الآية هنا بما هو ، أصل معنى العقل عند أهل اللغة أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المزرية ؟ ويصح أن يكون معنى الآية أفلا تنظرون بعقولكم التي رزقكم الله إياها حيث لم تنتفعوا بما لديكم من العلم ؟ وقوله { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ } الصبر في اللغة الحبس ، وصبرت نفسي على الشيء حبستها . ومنه قول عنترة @ فصبرتُ عارفةً لذلك حُرّةً تَرْسُو إذا نَفْسُ الجبَان تَطلَّعُ @@ والمراد هنا استعينوا بحبس أنفسكم عن الشهوات ، وقصرها على الطاعات على دفع ما يرد عليكم من المكروهات . وقيل الصبر هنا هو خاص بالصبر على تكاليف الصلاة . واستدل هذا القائل بقوله تعالى { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } طه 132 ، وليس في هذا الصبر ، الخاص بهذه الآية ما ينفي ما تفيده الألف واللام الداخلة على الصبر من الشمول كما أن المراد بالصلاة هنا جميع ما تصدق عليه الصلاة الشرعية من غير فرق بين فريضة ، ونافلة . واختلف المفسرون في رجوع الضمير في قوله { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } فقيل إنه راجع إلى الصلاة ، وإن كان المتقدم هو الصبر ، والصلاة ، فقد يجوز إرجاع الضمير إلى أحد الأمرين المتقدم ذكرهما . كما قال تعالى { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } التوبة 62 إذا كان أحدهما داخلاً تحت الآخر بوجه من الوجوه ، ومنه قول الشاعر @ إنَّ شَرْخَ الشَّبابِ والشَّعَر الأسـ ـودَ ما لم يُعاضَ كان جنونا @@ ولم يقل ما لم يعاضا بل جعل الضمير راجعاً إلى الشباب لأن الشعر الأسود داخل فيه ، وقيل إنه عائد إلى الصلاة من دون اعتبار دخول الصبر تحتها لأن الصبر هو عليها ، كما قيل سابقاً ، وقيل إن الضمير راجع إلى الصلاة وإن كان الصبر مراداً معها ، لكن لما كانت آكد ، وأعم تكليفاً ، وأكثر ثواباً كانت الكناية بالضمير عنها ، ومنه قوله { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } التوبة 34 كذا قيل . وقيل إن الضمير راجع إلى الأشياء المكنوزة ، ومثل ذلك قوله تعالى { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا } الجمعة 11 فأرجع الضمير هنا إلى الفضة والتجارة لما كانت الفضة أعم نفعاً وأكثر وجوداً ، والتجارة هي الحاملة على الانفضاض . والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأوّل أن الصبر هناك جعل داخلاً تحت الصلاة ، وهنا لم يكن داخلاً وإن كان مراداً ، وقيل إن المراد الصبر والصلاة ، ولكن أرجع الضمير إلى أحدهما استغناء به عن الآخر ، ومنه قوله تعالى { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً } المؤمنون 50 أي ابن مريم آية وأمه آية . ومنه قول الشاعر @ ومن يَكُ أمسى بالمدينة رَحْلُه فإني وَقَيّارُ بها لغريبُ @@ وقال آخر @ لكل هَمٍّ من الهموم سَعَة والصُّبْح والمساء لا فلاح مَعَه @@ وقيل رجع الضمير إليهما بعد تأويلهما بالعبادة . وقيل رجع إلى المصدر المفهوم من قوله { وَٱسْتَعِينُواْ } وهو الاستعانة . وقيل رجع إلى جميع الأمور التي نهى عنها بنو إسرائيل . والكبيرة التي يكبر أمرها ، ويتعاظم شأنها على حاملها لما يجده عند تحملها ، والقيام بها من المشقة ، ومنه { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } الشورى 13 . والخاشع هو المتواضع ، والخشوع التواضع . قال في الكشاف والخشوع الإخبات والتطامن ، ومنه الخشعة للرملة المتطامنة ، وأما الخضوع فاللين والانقياد ، ومنه خضعت بقولها إذا ليَّنَتْه . انتهى . وقال الزجاج الخاشع الذي يرى أثر الذلّ والخشوع عليه كخشوع الدار بعد الأقوى ، ومكان خاشع لا يهتدى إليه ، وخشعت الأصوات ، أي سكنت ، وخشع ببصره إذا غضه ، والخشعة قطعة من الأرض رخوة . وقال سفيان الثوري سألت الأعمش عن الخشوع ، فقال يا ثوري أنت تريد أن تكون إماماً للناس ، ولا تعرف الخشوع ؟ ! ليس الخشوع بأكل الخشن ، ولبس الخشن ، وتطأطؤ الرأس ، لكن الخشوع أن ترى الشريف ، والدنيء في الحق سواء ، وتخشع لله في كل فرض افترض عليك . انتهى . وما أحسن ما قاله بعض المحققين في بيان ماهيته إنه هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون ، وتواضع . واستثنى سبحانه الخاشعين مع كونهم باعتبار استعمال جوارحهم في الصلاة ، وملازمتهم لوظائف الخشوع الذي هو روح الصلاة ، وإتعابهم لأنفسهم إتعاباً عظيماً في الأسباب الموجبة للحضور ، والخضوع لأنهم لما يعلمونه من تضاعف الأجر ، وتوفر الجزاء ، والظفر بما وعد الله به من عظيم الثواب ، تسهل عليهم تلك المتاعب ، ويتذلل لهم ما يرتكبونه من المصاعب ، بل يصير ذلك لذة لهم خالصة ، وراحة عندهم محضة ، ولأمر ما هان على قوم ما يلاقونه من حرّ السيوف عند تصادم الصفوف ، وكانت الأمنية عندهم طعم المنية حتى قال قائلهم @ ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أيّ جنب كان في الله مصرعي @@ والظن هنا عند الجمهور بمعنى اليقين ، ومنه قوله تعالى { إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ } الحاقة 20 ، وقوله { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } الكهف 53 ومنه قول دريد بن الصمة @ فقلت لهم ظُنُّوا بألفَي مدجَّج سَراتُّهُـم بالفارسي المُسَـوَّدِ @@ وقيل إن الظن في الآية على بابه ، ويضمر في الكلام بذنوبهم ، فكأنهم توقعوا لقاءه مذنبين ، ذكره المهدوي والماوردي ، والأوّل أولى . وأصل الظن الشك مع الميل إلى أحد الطرفين ، وقد يقع موقع اليقين في مواضع ، منها هذه الآية . ومعنى قوله { مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ } ملاقوا جزائه ، والمفاعلة هنا ليست على بابها ، ولا أرى في حمله على أصل معناه من دون تقدير المضاف بأساً . وفي هذا مع ما بعده من قوله { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ } إقراراً بالبعث ، وما وعد الله به في اليوم الآخر . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وَٱرْكَعُواْ } قال صلوا . وأخرج ابن أبي حاتم أيضاً عن مقاتل في قوله { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } قال أمرهم أن يركعوا مع أمة محمد ، يقول كونوا منهم ومعهم . وأخرج عبد ابن حميد عن قتادة في قوله تعالى { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرّ } الآية ، قال أولئك أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالبرّ ، وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب ، ولا ينتفعون بما فيه . وأخرج الثعلبي والواحدي عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة ، كان الرجل منهم يقول لصهره ، ولذي قرابته ، ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين اثبت على الدين الذي أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل ، يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن أمره حق ، وكانوا يأمرون الناس بذلك ، ولا يفعلونه . وأخرج ابن جرير عنه في قوله { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرّ } قال بالدخول في دين محمد . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوّة ، والعهد من التوراة ، وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسلي ؟ وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، والبيهقي ، عن أبي الدرداء في الآية قال لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ، ثم يرجع إلى نفسه ، فيكون لها أشدّ مقتاً . وأخرج أحمد وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والبزار ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، كلما قرضت رجعت ، فقلت لجبريل من هؤلاء ؟ قال هؤلاء خطباء من أمتك كانوا يأمرون الناس بالبرّ ، وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون " وثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق به أقتابه ، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون يا فلان ما لك ؟ ما أصابك ؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف ، وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول « كنت آمركم بالمعروف ، ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر ، وآتيه " وفي الباب أحاديث منها عن جابر مرفوعاً عند الخطيب ، وابن النجار ، وعن الوليد بن عقبة مرفوعاً عند الطبراني ، والخطيب بسند ضعيف ، وعند عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عنه موقوفاً ، ومعناها جميعاً أنه يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار ، فيقولون لهم بما دخلتم النار ، وإنما دخلنا الجنة بتعليمكم ؟ قالوا إنا كنا نأمركم ، ولا نفعل . وأخرج الطبراني ، والخطيب في الاقتضاء ، والأصبهاني في الترغيب بسند جيد عن جندب بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ، ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ، ويحرق نفسه " وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عنه نحوه . وأخرج الطبراني ، والخطيب في الاقتضاء عن أبي برزة مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن قانع في معجمه ، والخطيب في الاقتضاء عن سليك مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن سعد ، وابن أبي شيبة ، وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال « ويل للذي لا يعلم مرة ، ولو شاء الله لعلمه ، وويل للذي يعلم ، ولا يعمل سبع مرات » . وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن مسعود مثله ، وما أحسن ما أخرجه ابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وابن عساكر عن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، قال أو بلغت ذلك ؟ قال أرجو ، قال فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله ، فافعل ، قال وما هنّ ؟ قال قوله عزّ وجلّ { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ } البقرة 44 أحكمت هذه الآية ؟ قال لا ، قال فالحرف الثاني ، قال قوله تعالى { لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } الصف 2 ، 3 أحكمت هذه الآية ؟ قال لا ، قال فالحرف الثالث ؟ قال قول العبد الصالح شعيب { مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ } هود 88 أحكمت هذه الآية ؟ قال لا ، قال فابدأ بنفسك . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله تعالى { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ } قال إنهما معونتان من الله ، فاستعينوا بهما . وقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر ، وأبو الشيخ في الثواب ، والديلمي في مسند الفردوس عن عليّ ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية " وقد وردت أحاديث كثيرة في مدح الصبر والترغيب فيه ، والجزاء للصابرين ، ولم نذكرها هنا ، لأنها ليست بخاصة بهذه الآية ، بل هي واردة في مطلق الصبر ، وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور ها هنا منها شطراً صالحاً ، وفي الكتاب العزيز من الثناء على ذلك ، والترغيب فيه الكثير الطيب . وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وابن جرير عن حذيفة ، قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة » وأخرج أحمد ، والنسائي ، وابن حبان ، عن صهيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كانوا يعني الأنبياء ، يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة " وأخرج ابن أبي الدنيا ، وابن عساكر ، عن أبي الدرداء مرفوعاً نحو حديث حذيفة . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس ، أنه كان في مسير له ، فنعى إليه ابن له ، فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع ، فقال فعلنا كما أمرنا الله فقال { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ } . وقد روى عنه نحو ذلك سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي لما نعى إليه أخوه قثم . وقد روى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ، والتابعين ، وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك في قوله { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } قال لثقيلة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ } قال المؤمنين حقاً . وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ } قال الخائفين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كل ظنّ في القرآن ، فهو يقين ، ولا يتم هذا في مثل قوله { إَنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقّ شَيْئًا } النجم 28 وقوله { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ } الحجرات 12 ولعله يريد الظن المتعلق بأمور الآخرة ، كما رواه ابن جرير عن قتادة قال ما كان من ظن الآخرة ، فهو علم . وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ } قال يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة .