Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 47-50)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } قد تقدم تفسيره ، وإنما كرر ذلك سبحانه توكيداً للحجة عليهم ، وتحذيراً لهم من ترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قرنه بالوعيد ، وهو قوله { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا } ، وقوله { وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ } معطوف على مفعول اذكروا أي اذكروا نعمتي ، وتفضيلي لكم على العالمين ، قيل المراد بالعالمين عالم زمانهم ، وقيل على جميع العالمين بما جعل ، فيهم من الأنبياء . وقال في الكشاف على الجمّ الغفير من الناس كقوله { بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَـٰلَمِينَ } الأنبياء 71 يقال رأيت عالماً من الناس يراد الكثرة . انتهى . قال الرازي في تفسيره وهذا ضعيف لأن لفظ العالم مشتق من العلم ، وهو الدليل ، وكل ما كان دليلاً على الله كان علماً ، وكان من العالم ، وهذا تحقيق قول المتكلمين العالم كل موجود سوى الله ، وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات . انتهى . وأقول هذا الاعتراض ساقط ، أما أوّلا ، فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه ، وأما ثانياً فلو سلمنا صحة هذا الاشتقاق كان المعنى موجوداً بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاق اسم العلم عليه ، وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق ، وغايته أن جميع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على أفراد كثيرة من المحدثات وأما أنهم مفضلون على كل المحدثات في كل زمان ، فليس في اللفظ ما يفيد هذا ، ولا في اشتقاقه ما يدل عليه ، وأما من جعل العالم أهل العصر ، فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور ، لا على أهل كل عصر ، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين ، فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا على ما بعده من العصور ، ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالى { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَالَمِينَ } المائدة 20 وعند قوله تعالى { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } الدخان 32 وعند قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرٰهِيمَ وَءالَ عِمْرٰنَ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } آل عمران 33 فإن قيل إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم . قلت لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزماً لكونهم أفضل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } آل عمران 110 فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات . وقوله { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا } أمر معناه الوعيد ، وقد تقدم معنى التقوى . والمراد باليوم يوم القيامة أي عذابه . وقوله { لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } في محل نصب صفة ليوم ، والعائد محذوف . قال البصريون في هذا وأمثاله تقديره فيه . وقال الكسائي هذا خطأ ، بل التقدير لا تجزيه لأن حذف الظرف لا يجوز ، ويجوز حذف الضمير وحده . وقد روى عن سيبويه ، والأخفش ، والزجاج جواز الأمرين . ومعنى { لا تجزي } لا تكفي ، وتقضي ، يقال جزا عني هذا الأمر يجزي ، أي قضى ، واجتزأت بالشيء أجتزيء ، أي اكتفيت ، ومنه قول الشاعر @ فإن الغدرَ في الأقوام عَارٌ وإن الحر يَجزي بالكُراع @@ والمراد أن هذا اليوم لا تقضي نفس عن نفس شيئاً ، ولا تكفي عنها ، ومعنى التنكير التحقير ، أي شيئاً يسيراً حقيراً ، وهو منصوب على المفعولية ، أو على أنه صفة مصدر محذوف ، أي جزاء حقيراً . والشفاعة مأخوذة من الشفع ، وهو الاثنان ، تقول استشفعته أي سألته أن يشفع لي ، أي يضمّ جاهه إلى جاهك عند المشفوع إليه ، ليصل النفع إلى المشفوع له ، وسميت الشفعة شفعة لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك . وقد قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، تقبل بالمثناة الفوقية لأن الشفاعة مؤنثة ، وقرأ الباقون بالياء التحتية لأنها بمعنى الشفيع . قال الأخفش الأحسن التذكير . وضمير { منها } يرجع إلى النفس المذكورة ثانياً أي إن جاءت بشفاعة شفيع ، ويجوز أن يرجع إلى النفس المذكورة أوّلاً أي إذا شفعت لم يقبل منها . والعدل بفتح العين الفداء ، وبكسرها المثل . يقال عدل ، وعديل للذي ماثل في الوزن والقدر . وحكى ابن جرير أن في العرب من يكسر العين في معنى الفدية . والنصر العون ، والأنصار الأعوان ، وانتصر الرجل انتقم ، والضمير ، أي هم ، يرجع إلى النفوس المدلول عليها بالنكرة في سياق النفي ، والنفس تذكر وتؤنث . وقوله { إِذْ نَجَّيْنَـٰكُم } متعلق بقوله { ٱذْكُرُواْ } والنجاة النجوة من الأرض ، وهي ما ارتفع منها ، ثم سمي كل فائز ناجياً . وآل فرعون قومه ، وأصل آل أهل بدليل تصغيره على أُهيل . وقيل غير ذلك ، وهو يضاف إلى ذوي الخطر . وقال الأخفش إنما يقال في الرئيس الأعظم نحو آل محمد . ولا يضاف إلى البلدان ، فلا يقال من آل المدينة . وقال الأخفش قد سمعناه في البلدان قالوا آل المدينة . واختلفوا هل يضاف إلى المضمر أم لا . فمنعه قوم وسوّغه آخرون ، وهو الحق ، ومنه قول عبد المطلب @ وانصر على آل الصليـ ـب وعابديه اليوم آلك @@ وفرعون قيل هو اسم ذلك الملك بعينه . وقيل إنه اسم لكل ملك من ملوك العمالقة كما يسمى من ملك الفرس كسرى ، ومن ملك الروم قيصر ، ومن ملك الحبشة النجاشي . واسم فرعون موسى المذكور هنا قابوس ، في قول أهل الكتاب . وقال وهب اسمه الوليد بن مصعب بن الريان . قال المسعودي لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية . وقال الجوهري إن كل عات يقال له فرعون ، وقد تفرعن وهو ذو فرعنة أي دهاء ومكر . وقال في الكشاف تفرعَن فلان إذا عتا وتجبر . ومعنى قوله { يَسُومُونَكُمْ } يولونكم ، قاله أبو عبيدة ، وقيل يذيقونكم ، ويلزمونكم إياه ، وأصل السوم الدوام ، ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي ، ويقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها . وقال في الكشاف أصله من سام السلعة إذا طلبها ، كأنه بمعنى يبغونكم سوء العذاب ، ويريدونكم عليه . انتهى . { وسوء ٱلْعَذَابَ } أشدّه ، وهو صفة مصدر محذوف ، أي يسومونكم سوماً سوء العذاب ، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً ، وهذه الجملة في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ مقدّر ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال أي سائمين لكم . وقوله { يُذَبّحُونَ } وما بعده بدل من قوله { يَسُومُونَكُمْ } وقال الفراء إنه تفسير لما قبله ، وقرأه الجماعة بالتشديد ، وقرأ ابن محيصن بالتخفيف . والذبح في الأصل الشقّ ، وهو فرى أوداج المذبوح ، والمراد بقوله تعالى { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } يتركونهن أحياء ليستخدموهنّ ، ويمتهنوهنّ وإنما أمر بذبح الأبناء ، واستحياء البنات ، لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده ، وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق على البنات . وقالت طائفة إنه أمر بذبح الرجال ، واستدلوا بقوله { نِسَاءكُمْ } والأوّل أصح بشهادة السبب . ولا يخفى ما في قتل الأبناء ، واستحياء البنات للخدمة ونحوها ، من إنزال الذلّ بهم ، وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار . والإشارة بقوله { وَفِى ذٰلِكُمْ } إلى جملة الأمر ، والبلاء يطلق تارة على الخير ، وتارة على الشرّ ، فإن أريد به هنا الشرّ كانت الإشارة بقوله { وَفِى ذٰلِكُمْ بَلاء } إلى ما حلّ بهم من النقمة بالذبح ونحوه ، وإن أريد به الخير كانت الإشارة إلى النعمة التي أنعم الله عليهم بالإنجاء ، وما هو مذكور قبله من تفضيلهم على العالمين . وقد اختلف السلف ومن بعدهم في مرجع الإشارة ، فرجح الجمهور الأوّل ، ورجح الآخرون الآخر . قال ابن جرير وأكثر ما يقال في الشرّ بلوته أبلوه بلاء ، وفي الخير أبلية إبلاء وبلاء ، قال زهير @ جَزَى الله بِالإحْسانِ مِاَ فَعَلا بِكُم وأبلاهما خَيْر البَلاءِ الذَّيَ يَبْلُو @@ قال فجمع بين اللغتين لأنه أراد ، فأنعم عليهما خير النعم ، التي يختبر بها عباده . وقوله { وَإِذْ فَرَقْنَا } متعلق بما تقدم من قوله { ٱذْكُرُواْ } وفرقنا فلقنا ، وأصل الفرق الفصل ، ومنه فرق الشعر ، وقرأ الزهري « فرَّقنا » بالتشديد ، والباء في قوله { بِكُمْ } قيل هي بمعنى اللام ، أي لكم . وقيل هي الباء السببية ، أي فرقناه بسببكم . وقيل إن الجار والمجرور في محل الحال ، أي فرقناه متلبساً بكم ، والمراد ها هنا أن فرق البحر كان بهم ، أي بسبب دخولهم فيه ، أي لما صاروا بين الماءين صار الفرق بهم . وأصل البحر في اللغة الاتساع ، أطلق على البحر الذي هو مقابل البر ، لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر ، والخليج ، ويطلق على الماء المالح ، ومنه أبحر الماء إذا ملح ، قال نصيب @ وقد عاد ماءُ الأرض بَحْراً فزادني إلى مَرَضي أن أبْحَرَ المَشْربُ العذْبُ @@ وقوله { فَأَنجَيْنَـٰكُمْ } أي أخرجناكم منه . { وأغرقنا آل فرعون } فيه . وقوله { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } في محل نصب على الحال ، أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصاركم . وقيل معناه وأنتم تنظرون ، أي ينظر بعضكم إلى البعض الآخر من السالكين في البحر ، وقيل نظروا إلى أنفسهم ينجون ، وإلى آل فرعون يغرقون . والمراد بآل فرعون هنا هو وقومه وأتباعه . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } قال مضى القوم ، وإنما يعني به أنتم ، وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عيينة قال في قوله { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } هي أيادي الله ، وأيامه . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال نعمة الله التي أنعم بها على بني إسرائيل ، فيما سمى ، وفيما سوى ذلك ، فجَّر لَهُم الحجر ، وأنزل عليهم المنّ ، والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله { وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال فضلوا على العالم الذي كانوا فيه ، ولكل زمان عالم . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن جرير عن أبي العالية في قوله { فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال بما أعطوا من الملك ، والرسل ، والكتب على من كان في ذلك الزمان ، فإن لكل زمان عالماً . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } قال لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئاً . وأخرج ابن جرير ، عن عمرو بن قيس المُلائي ، عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه ، قال « قيل يا رسول الله ما العدل ؟ قال " العدل الفدية " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه . قال ابن أبي حاتم وروى عن أبي مالك ، والحسن ، وسعيد بن جبير وقتادة ، والربيع بن أنس نحو ذلك . وأخرج عبد الرزاق عن عليّ في تفسير الصرف ، والعدل قال التطوّع والفريضة . قال ابن كثير وهذا القول غريب هاهنا ، والقول الأوّل أظهر في تفسير هذه الآية . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالت الكهنة لفرعون إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكه ، فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل ، وعلى كل مائة عشرة ، وعلى كل عشر رجلاً ، فقال انظروا كل امرأة حامل في المدينة ، فإذا وضعت حملها ، فإن كان ذكراً فاذبحوه ، وإن كان أنثى ، فخلوا عنها ، وذلك قوله { يُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { يَسُومُونَكُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } قال إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة . فقالت له الكهنة إنه سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه ، فبعث في أهل مصر نساء قوابل ، فإذا ولدت امرأة غلاماً أتى به فرعون فقتله ، ويستحيـي الجواري . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بَلاء مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ } يقول نقمة . وأخرج وكيع عن مجاهد نحوه . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } فقال إي والله لفرق البحر بينهم حتى صار طريقاً يبساً يمشون فيه ، فأنجاهم الله ، وأغرق آل فرعون عدوّهم . وقد ثبت في الصحيحين ، وغيرهما من حديث ابن عباس قال « قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال " ما هذا اليوم ؟ " قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن أحق بموسى منكم ، فصامه ، وأمر بصومه " وقد أخرج الطبراني ، وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير أن هرقل كتب إلى معاوية يسأله عن أمور ، منها عن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة ، فكتب معاوية إلى ابن عباس ، فأجابه عن تلك الأمور وقال وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل . ولعله سيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ما هنا عند تفسير قوله تعالى { أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } الشعراء 63 .