Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 51-54)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ أبو عمرو " وعدنا " بغير ألف ، ورجحه أبو عبيدة ، وأنكر « واعدنا » قال لأن المواعدة إنما تكون من البشر ، فأما من الله فإنما هو التفرّد بالوعد على هذا وجدنا القرآن كقوله { وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقّ } إبراهيم 22 وقوله { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتَيْنِ } الأنفال 7 ومثله ، قال أبو حاتم ومكي وإنما قالوا هكذا نظراً إلى أصل المفاعلة ، أنها تفيد الاشتراك في أصل الفعل ، وتكون من كل واحد من المتواعدين ، ونحوهما ، ولكنها قد تأتي للواحد في كلام العرب كما في قولهم داويت العليل ، وعاقبت اللص ، وطارقت النعل ، وذلك كثير في كلامهم . وقرأه الجمهور { واعدنا } قال النحاس وهي أجود ، وأحسن ، وليس قوله { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } المائدة 9 ، النور 55 من هذا في شيء لأن واعدنا موسى إنما هو من باب الموافاة ، وليس هو من الوعد والوعيد في شيء ، وإنما هو من قولك موعدك يوم الجمعة ، وموعدك موضع كذا والفصيح في هذا أن يقال ، واعدته . قال الزجاج واعدنا بالألف ها هنا جيد لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة ، فمن الله سبحانه وعد ، ومن موسى قبول . قوله { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } قال الزجاج التقدير تمام أربعين ليلة ، وهي عند أكثر المفسرين ذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ، وإنما خص الليالي بالذكر دون الأيام لأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة . ومعنى قوله { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ } أي جعلتم العجل إلهاً من بعده ، أي من بعد مضي موسى إلى الطور . وقد ذكر بعض المفسرين أنهم عدوا عشرين يوماً ، وعشرين ليلة . وقالوا قد اختلف موعده ، فاتخذوا العجل ، وهذا غير بعيد منهم ، فقد كانوا يسلكون طرائق من التعنت خارجة عن قوانين العقل ، مخالفة لما يخاطبون به ، بل ويشاهدونه بأبصارهم ، فلا يقال كيف تعدون الأيام ، والليالي على تلك الصفة ، وقد صرح لهم في الوعد بأنها أربعون ليلة ، وإنما سماهم ظالمين لأنهم أشركوا بالله ، وخالفوا موعد نبيهم عليهم السلام ، والجملة في موضع نصب على الحال . وقوله { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد عبادتكم العجل ، وسمي العجل عجلاً ، لاستعجالهم عبادته كذا قيل ، وليس بشيء لأن العرب تطلق هذا الاسم على ولد البقر . وقد كان جعله لهم السامريّ على صورة العجل . وقوله { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي لكي تشكروا ما أنعم الله به عليكم ، من العفو عن ذنبكم العظيم الذي وقعتم فيه . وأصل الشكر في اللغة الظهور ، من قولهم دابة شكور إذ ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف . قال الجوهري الشكر الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف ، يقال شكرته وشكرت له ، وباللام أفصح ، وقد تقدّم معناه ، والشكران خلاف الكفران . والكتاب التوراة بالإجماع من المفسرين . واختلفوا في الفرقان ، وقال الفراء ، وقُطرُب المعنى آتينا موسى التوراة ، ومحمداً الفرقان . وقد قيل إن هذا غلط ، أوقعهما فيه أن الفرقان مختص بالقرآن ، وليس كذلك ، فقد قال تعالى { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ } الأنبياء 48 وقال الزجاج إن الفرقان هو الكتاب ، أعيد ذكره تأكيداً . وحكى نحوه عن الفراء ، ومنه قول عنترة @ حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثم @@ وقيل إن الواو صلة ، والمعنى آتينا موسى ، الكتاب الفرقان ، والواو قد تزاد في النعوت كقول الشاعر @ إلى المَلكِ القَرْم وابن الهمام وليثِ الكتَيبةِ في المُزَدحمْ @@ وقيل المعنى أن ذلك المنزل جامع بين كونه كتاباً وفارقاً بين الحق ، والباطل ، وهو كقوله { ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِى أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء } الأنعام 154 وقيل الفرقان الفرق بينهم ، وبين قوم فرعون ، أنجى هؤلاء ، وأغرق هؤلاء . وقال ابن زيد الفرقان انفراق البحر . وقيل الفرقان الفرج من الكرب . وقيل إنه الحجة والبيان بالآيات التي أعطاها الله من العصا ، واليد ، وغيرهما ، وهذا أولى ، وأرجح ، ويكون العطف على بابه ، كأنه قال آتينا موسى التوراة ، والآيات التي أرسلناه بها معجزة له . قوله { يَا قَوْمٌ } القوم يطلق تارة على الرجال دون النساء ، ومنه قول زهير @ وَمَا أدْرِي وَسَوف إخَالُ أدْرِي أقَومٌ آل حِصْنٍ أَمْ نِسَاء @@ ومنه قوله تعالى { لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ } الحجرات 11 ، ثم قال { وَلاَ نِسَاء مّن نّسَاء } الحجرات 11 ، ومنه { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } الأعراف 80 أراد الرجال ، وقد يطلق على الجميع كقوله تعالى { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } نوح 1 والمراد هنا بالقوم عبدةُ العجل . والباريء الخالق . وقيل إن الباريء هو المبدع المحدث ، والخالق هو المقدّر الناقل من حال إلى حال . وفي ذكر البارىء هنا إشارة إلى عظيم جرمهم ، أي فتوبوا إلى الذي خلقكم ، وقد عبدتم معه غيره . والفاء في قوله « فتوبوا » للسببية أي لتسبب التوبة عن الظلم ، وفي قوله { فَٱقْتُلُواْ } للتعقيب ، أي اجعلوا القتل متعقباً للتوبة . قال القرطبي وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده . قيل قاموا صفين ، وقتل بعضهم بعضاً . وقيل وقف الذين عبدوا العجل ، ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم . وقوله { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } قيل في الكلام حذف أي فقتلتم أنفسكم ، { فتاب عليكم } أي على الباقين منكم . وقيل هو جواب شرط محذوف ، كأنه قال فإن فعلتم ، فقد تاب عليكم . وأما ما قاله صاحب الكشاف من أنه يجوز أن يكون خطاباً من الله لهم على طريقة الالتفات ، فيكون التقدير ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم ، فهو بعيد جداً كما لا يخفى . وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } قال ذا القعدة ، وعشراً من ذي الحجة . وقد أخرج ابن جرير عنه في قوله { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } قال من بعد ما اتخذتم العجل . وأخرج عبد ابن حميد ، وابن جرير عن مجاهد في قوله { وَإِذْ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْفُرْقَانَ } قال الكتاب هو الفرقان ، فرق بين الحق والباطل . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس قال الفرقان جماع اسم التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن . وأخرج ابن جرير عنه قال أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم ، واختبأ الذين عكفوا على العجل ، فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم ، وأصابتهم ظلمة شديدة ، فجعل يقتل بعضهم بعضاً ، فانجلت الظلمة عنهم عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة . وأخرج ابن أبي حاتم عن عليّ قال قالوا لموسى ما توبتنا ؟ قال يقتل بعضكم بعضاً ، فأخذوا السكاكين ، فجعل الرجل يقتل أخاه ، وأباه ، وابنه ، لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفاً ، فأوحى الله إلى موسى مرهم ، فليرفعوا أيديهم ، وقد غفر لمن قُتل ، وتَيب على من بقي . وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة ، وأخرج أحمد في الزهد ، وابن جرير عن الزهري ، نحواً مما سبق . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } قال خالقكم .