Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 55-57)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَإِذْ قُلْتُمْ } هذه الجملة معطوفة على التي قبلها ، وظاهر السياق أن القائلين هذه المقالة هم قوم موسى . وقيل هم السبعون الذين اختارهم . وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله قالوا له بعد ذلك هذه المقالة ، فأرسل الله عليهم ناراً فأحرقتهم ، ثم دعا موسى ربه ، فأحياهم كما قال تعالى هنا { ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } وسيأتي ذلك في الأعراف إن شاء الله . والجهرة المعاينة ، وأصلها الظهور ، ومنه الجهر بالقراءة ، والمجاهرة بالمعاصي ، ورأيت الأمر جهرة وجهاراً أي غير مستتر بشيء ، وهي مصدر واقع موقع الحال ، وقرأ ابن عباس « جهرة » بفتح الهاء ، وهي لغتان مثل زهرة ، وزهرة ، ويحتمل أن يكون على هذه القراءة جمع جاهر . والصاعقة قد تقدم تفسيرها ، وقرأ عمر ، وعثمان وعليّ « الصعقة » وهي قراءة ابن محيصن ، والمراد بأخذ الصاعقة إصابتها إياهم . { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } في محل نصب على الحال ، والمراد من هذا النظر الكائن منهم أنهم نظروا أوائل الصاعقة النازلة بهم الواقعة عليهم . لا آخرها الذي ماتوا عنده ، وقيل المراد بالصاعقة الموت ، واستدل عليه بقوله { ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } ولا موجب للمصير إلى هذا التفسير ، لأن المصعوق قد يموت كما في هذه الآية ، وقد يغشى عليه ، ثم يفيق كما في قوله تعالى { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ } الأعراف 143 ومما يوجب بُعْد ذلك قوله { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } فإنها لو كانت الصاعقة عبارة عن الموت لم يكن لهذه الجملة كبير معنى ، بل قد يقال إنه لا يصح أن ينظروا الموت النازل بهم ، إلا أن يكون المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت . والمراد بقوله { ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم } الإحياء لهم لوقوعه بعد الموت ، وأصل البعث الإثارة للشيء من محله ، يقال بعثت الناقة ، أي أثرتها ، ومنه قول امرىء القيس @ وإخوان صدقٍ قد بَعَثْت بِسحْرِة فَقَامُوا جَمِيعاً بين غَاثٍ ونشوان @@ وقول عنترة @ وصحابةٌ شُمُ الأُنوف بَعْثتَهم لَيلاً وَقد مَال الكرَى بطلاها @@ وإنما عوقبوا بأخذ الصاعقة لهم لأنهم طلبوا ما لم يأذن الله به من رؤيته في الدنيا . وقد ذهبت المعتزلة ومن تابعهم إلى إنكار الرؤية في الدنيا والآخرة ، وذهب من عداهم إلى جوازها في الدنيا ، والآخرة ، ووقوعها في الآخرة . وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربهم في الآخرة ، وهي قطعية الدلالة ، لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة ، وزعموا أن العقل قد حكم بها ، دعوى مبنية على شفا جُرُف هار ، وقواعد لا يغترّ بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب ، وسيأتيك إن شاء الله بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية ، وكلها خارج عن محل النزاع ، بعيد من موضع الحجة ، وليس هذا موضع المقال في هذه المسألة . قوله { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } أي فعلناه كالظلة ، والغمام جمع غمامة كسحابة ، وسحاب ، قاله الأخفش قال الفراء ويجوز غمائم . وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر ، والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين . والمنّ قيل هو الترنجبين . قال النحاس هو بتشديد الراء ، وإسكان النون ، ويقال الطرَّنجبين بالطاء ، وعلى هذا أكثر المفسرين ، وهو طلٌّ ينزل من السماء على شجر ، أو حجر ، ويحلو ، وينعقد عسلاً ، ويجفّ جفاف الصمغ ، ذكر معناه في القاموس ، وقيل إن المنّ العسل ، وقيل شراب حلو ، وقيل خبز الرقاق ، وقيل إنه مصدر يعمّ جميع ما مَنَّ الله به على عباده ، من غير تعب ، ولا زرع ، ومنه ما ثبت في صحيح البخاري ، ومسلم ، من حديث سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الكمأة من المنّ الذي أنزل على موسى " وقد ثبت مثله من حديث أبي هريرة عند أحمد ، والترمذي ، ومن حديث جابر ، وأبي سعيد ، وابن عباس عند النسائي . والسلوى قيل هو السُمَاني ، كحبارى ، طائر يذبحونه ، فيأكلونه . قال ابن عطية السلوى طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي فقال @ وقاسمهما بالله جَهْداً لأنتُما ألذُّ من السَلوى إذا ما أشورها @@ ظنّ أن السلوى العسل . قال القرطبي ما ادعاه من الإجماع لا يصح . وقد قال المؤرج أحد علماء اللغة ، والتفسير إنه العسل . واستدل ببيت الهذلي ، وذكر أنه كذلك بلغة كنانة ، وأنشد @ لو شربت السُّلوان ما سلوت ما بي غنا عنك وإن غنيت @@ وقال الجوهري والسلوى العسل . قال الأخفش السلوى لا واحد له من لفظه مثل الخير والشرّ ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى . وقال الخليل واحده سلواة ، وأنشد @ وإني لتعروني لذكراك سلوة كما انتفض السلواة من سلكه القطر @@ وقال الكسائي السلوى واحدة ، وجمعه سلاوى . وقوله { كلوا } أي قلنا لهم كلوا ، وفي الكلام حذف ، والتقدير قلنا كلوا فعصوا ، ولم يقابلوا النعم بالشكر ، فظلموا أنفسهم ، وما ظلمونا ، فحذف هذا لدلالة { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } عليه ، وتقديم الأنفس هنا يفيد الاختصاص . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } قال علانية . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن أنس قال هم السبعون الذين اختارهم موسى { فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ } قال ماتوا { ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } قال فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في قوله { ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم } نحوه . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } قال غمام أبرد من هذا ، وأطيب ، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر ، وكان معهم في التيه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } قال كان هذا الغمام في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس ، وأطعمهم المنّ ، والسلوى حين برزوا إلى البرية ، فكان المنّ يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فيأخذ الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك ، فإن تعدى ذلك فسد ما يبقى عنده ، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ، ويوم سابعه فبقي عنده ، لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر المعيشة ، ولا لطلبة شيء ، وهذا كله في البرية . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال المنّ شيء أنزل الله عليهم مثل الطلّ ، والسلوى طير أكبر من العصفور . وأخرج وكيع ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد ، قال المنّ صمغة ، والسلوى طائر . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدي قال قالوا يا موسى كيف لنا بما ها هنا أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المنّ ، فكان يسقط على الشجرة الترنجبين . وأخرجوا عن وهب أنه سئل ما المنّ ؟ قال خبز الرقاق ، مثل الذرة ، أو مثل النوى . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال المنّ شراب كان ينزل عليهم مثل العسل ، فيمزجونه بالماء ، ثم يشربونه . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان المنّ ينزل عليهم بالليل على الأشجار ، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا ، والسلوى طائر يشبه السماني ، كانوا يأكلون منه ما شاءوا . وأخرج ابن جرير عنه نحوه . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود وناس من الصحابة ، في السلوى مثله . وقد روى نحو ذلك عن جماعة من التابعين ، ومن بعدهم . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَمَا ظَلَمُونَا } قال نحن أعزّ من أن نظلم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } قال يضرّون .