Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 97-98)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية قد أجمع المفسرون على أنها نزلت في اليهود . قال ابن جرير الطبري وأجمع أهل التأويل جميعاً أن هذه الآية نزلت جواباً على اليهود إذ زعموا أن جبريل عدوّ لهم ، وأن ميكائيل وليّ لهم . ثم اختلفوا ما كان سبب قولهم ذلك ؟ فقال بعضهم إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر نبوّته ، ثم ذكر روايات في ذلك ستأتي آخر البحث إن شاء الله . والضمير في قوله { فَإِنَّهُ } يحتمل ، وجهين الأوّل أن يكون لله ، ويكون الضمير في قوله { نَزَّلَهُ } لجبريل ، أي فإن الله سبحانه نزل جبريل على قلبك ، وفيه ضعف كما يفيده قوله { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } . الثاني أنه لجبريل ، والضمير في { نزله } للقرآن ، أي فإن جبريل نزل القرآن على قلبك ، وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل ، والعلم . وقوله { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } أي بعلمه ، وإرادته ، وتيسيره ، وتسهيله ، و { مَا بَيْنَ يَدَيْهِ } هو التوراة كما سلف ، أو جميع الكتب المنزلة ، وفي هذا الدليل على شرف جبريل ، وارتفاع منزلته ، وأنه لا وجه لمعاداة اليهود له ، حيث كان منه ما ذكر من تنزيل الكتاب على قلبك ، أو من تنزيل الله له على قلبك ، وهذا هو وجه الربط بين الشرط ، والجواب ، أي من كان معادياً لجبريل منهم ، فلا وجه لمعاداته له ، فإنه لم يصدر منه إلا ما يوجب المحبة دون العداوة ، أو من كان معادياً له ، فإن سبب معاداته أنه وقع منه ما يكرهونه من التنزيل ، وليس ذلك بذنب له ، وإن نزهوه ، فإن هذه الكراهة منهم له بهذا السبب ظلم ، وعدوان لأن هذا الكتاب الذي نزل به هو مصدق لكتابهم ، وهدى ، وبشرى للمؤمنين . ثم أتبع سبحانه هذا الكلام بجملة مشتملة على شرط ، وجزاء يتضمن الذمّ لمن عادى جبريل بذلك السبب ، والوعيد الشديد له فقال { مَن كَانَ عَدُوّاً لّلَّهِ وَمَلـئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـٰفِرِينَ } والعداوة من العبد هي صدور المعاصي منه لله ، والبغض لأوليائه ، والعداوة من الله للعبد هي تعذيبه بذنبه ، وعدم التجاوز عنه ، والمغفرة له ، وإنما خص جبريل ، وميكائيل بالذكر بعد ذكر الملائكة لقصد التشريف لهما ، والدلالة على فضلهما ، وأنهما ، وإن كانا من الملائكة ، فقد صارا باعتبار ما لهما من المزية بمنزلة جنس آخر أشرف من جنس الملائكة ، تنزيلاً للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما ذكره صاحب الكشاف ، وقرره علماء البيان . وفي جبريل عشر لغات ذكرها ابن جرير الطبري ، وغيره ، وقد قدّمنا الإشارة إلى ذلك . وفي ميكائيل ست لغات ، وهما اسمان عجميان ، والعرب إذا نطقت بالعجمي تساهلت فيه . وحكى الزمخشري عن ابن جني أنه قال العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه . وقوله { لِلْكَـٰفِرِينَ } من وضع الظاهر موضع المضمر ، أي فإن الله عدوّ لهم ، لقصد الدلالة على أن هذه العداوة موجبة لكفر من وقعت منه . وقد أخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن ابن عباس قال « حضرت عصابة من اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالوا يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهنّ لا يعلمهنّ إلا نبيّ ، قال " سلوني عما شئتم " فسألوه ، وأجابهم ، ثم قالوا فحدثنا مَنْ وليك من الملائكة ، فعندها نجامعك ، أو نفارقك ، فقال " وليي جبريل ، ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه " قالوا فعندها نفارقك ، لو كان وليك سواه من الملائكة لاتبعناك ، وصدقناك ، قال " فما يمنعكم أن تصدقوه ؟ " قالوا هذا عدوّنا . فعند ذلك أنزل الله الآية . وأخرج نحو ذلك ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب في قصة جرت له معهم ، وإسنادها صحيح ، ولكن الشعبي لم يدرك عمر وقد رواها عكرمة وقتادة ، والسدّي ، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى ، عن عمر . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، والنسائي ، وغيرهم ، عن أنس قال « سمع عبد الله بن سلام بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلا نبيّ ؟ ما أوّل أشراط الساعة ؟ وما أوّل طعام أهل الجنة ؟ وما ينزع الولد إلى أبيه ، أو إلى أمه ؟ فقال " أخبرني بهنّ جبريل آنفاً " فقال جبريل ؟ قال " نعم " قال ذاك عدوّ اليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية { مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } قال " أما أوّل أشراط الساعة ، فنار تخرج من المشرق ، فتحشر الناس إلى المغرب ، وأما أوّل ما يأكل أهل الجنة ، فزيادة كبد حوت ، وأما ما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه ، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها " قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله » وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } يقول فإن جبريل نزل القرآن بأمر الله يشدد به فؤادك ، ويربط به على قلبك { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يقول لما قبله من الكتب التي أنزلها والآيات ، والرسل الذين بعثهم الله . وقد ذكر السيوطي في هذا الموضع من تفسيره « الدرّ المنثور » أحاديث كثيرة واردة في جبريل ، وميكائيل ، وليست مما يتعلق بالتفسير حتى نذكرها .