Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 77-91)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا شروع في إنجاء بني إسرائيل وإهلاك عدوّهم ، وقد تقدّم في البقرة ، وفي الأعراف ، وفي يونس واللام في { لقد } هي الموطئة للقسم ، وفي ذلك من التأكيد ما لا يخفى ، و " أن " في { أن أسر بعبادي } إما المفسرة لأن في الوحي معنى القول ، أو مصدرية ، أي بأن أسر ، أي أسر بهم من مصر . وقد تقدّم هذا مستوفى . { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً } أي اجعل لهم طريقاً ، ومعنى { يبساً } يابساً ، وصف به الفاعل مبالغة ، وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء ولا طين . وقرىء " يبسا " بسكون الباء . على أنه مخفف من يبسا المحرك ، أو جمع يابس كصحب في صاحب . وجملة { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً } في محل نصب على الحال ، أي آمنا من أن يدرككم العدوّ ، أو صفة أخرى لطريق ، والدرك اللحاق بهم من فرعون وجنوده . وقرأ حمزة " لا تخف " على أنه جواب الأمر ، والتقدير إن تضرب لا تخف ، و { لا تخشى } على هذه القراءة مستأنف ، أي ولا أنت تخشى من فرعون أو من البحر . وقرأ الجمهور { لا تخاف } وهي أرجح لعدم الجزم في { تخشى } ويجوز أن تكون هذه الجملة على قراءة الجمهور صفة أخرى لطريق ، أي لا تخاف منه ولا تخشى منه . { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ } أتبع هنا مطاوع تبع ، يقال أتبعتهم إذا تبعتهم ، وذلك إذا سبقوك فلحقتهم ، فالمعنى تبعهم فرعون ومعه جنوده . وقيل الباء زائدة والأصل أتبعهم جنوده ، أي أمرهم أن يتبعوا موسى وقومه ، وقرىء " فاتبعهم " بالتشديد أي لحقهم بجنوده وهو معهم كما يقال ركب الأمير بسيفه ، أي معه سيفه ، ومحل بجنوده النصب على الحال ، أي سائقاً جنوده معه { فَغَشِيَهُمْ مّنَ ٱلْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ } أي علاهم وأصابهم ما علاهم وأصابهم ، والتكرير للتعظيم والتهويل كما في قوله { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَاقَّةُ } الحاقة 1 ــ 2 . وقيل غشيهم ما سمعت قصته . وقال ابن الأنباري غشيهم البعض الذي غشيهم لأنه لم يغشهم كل ماء البحر ، بل الذي غشيهم بعضه . فهذه العبارة للدلالة على أن الذي غرقهم بعض الماء ، والأوّل أولى لما يدل عليه من التهويل والتعظيم . وقرىء " فغشاهم من اليمّ ما غشاهم " أي غطاهم ما غطاهم . { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } أي أضلهم عن الرشد ، وما هداهم إلى طريق النجاة ، لأنه قدّر أن موسى ومن معه لا يفوتونه لكونهم بين يديه يمشون في طريق يابسة ، وبين أيديهم البحر ، وفي قوله { وَمَا هَدَىٰ } تأكيد لإضلاله لأن المضل قد يرشد من يضله في بعض الأمور . { هَدَىٰ يٰبَنِى إِسْرٰءيلَ قَدْ أَنجَيْنَـٰكُمْ مّنْ عَدُوّكُمْ } ذكر سبحانه ما أنعم به على بني إسرائيل بعد إنجائهم ، والتقدير قلنا لهم بعد إنجائهم { يا بني إسرائيل } ويجوز أن يكون خطاباً لليهود المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم لأن النعمة على الآباء معدودة من النعم على الأبناء . والمراد بعدوّهم هنا فرعون وجنوده ، وذلك بإغراقه وإغراق قومه في البحر بمرأى من بني إسرائيل . { وَوَاعَدْنَـٰكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأيْمَنَ } انتصاب { جانب } على أنه مفعول به ، لا على الظرفية لأنه مكان معين غير مبهم ، وإنما تنتصب الأمكنة على الظرفية إذا كانت مبهمة . قال مكي وهذا أصل لا خلاف فيه . قال النحاس والمعنى أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه لنكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام . وقيل وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور ، فالوعد كان لموسى ، وإنما خوطبوا به لأن الوعد كان لأجلهم . وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب " ووعدناكم " بغير ألف ، واختاره أبو عبيدة لأن الوعد إنما هو من الله لموسى خاصة والمواعدة لا تكون إلا من اثنين ، وقد قدّمنا في البقرة هذا المعنى . و { الأيمن } منصوب على أنه صفة للجانب ، والمراد يمين الشخص لأن الجبل ليس له يمين ولا شمال ، فإذا قيل خذ عن يمين الجبل فمعناه عن يمينك من الجبل . وقرىء بجرّ الأيمن على أنه صفة للمضاف إليه { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } قد تقدّم تفسير المنّ بالترنجبين والسلوى بالسماني وأوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه ، وإنزال ذلك عليهم كان في التيه . { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } أي وقلنا لهم كلوا والمراد بالطيبات المستلذات . وقيل الحلال ، على الخلاف المشهور في ذلك . وقرأ حمزة والكسائي والأعمش " قد أنجيتكم من عدوّكم ووعدتكم جانب الطور كلوا من طيبات ما رزقتكم " بتاء المتكلم في الثلاثة . وقرأ الباقون بنون العظمة فيها . { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } الطغيان التجاوز ، أي لا تتجاوزوا ما هو جائز إلى ما لا يجوز . وقيل المعنى لا تجحدوا نعمة الله فتكونوا طاغين . وقيل لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكرها ، وقيل لا تعصوا المنعم ، أي لا تحملنكم السعة والعافية على المعصية ، ولا مانع من حمل الطغيان على جميع هذه المعاني ، فإن كل واحد منها يصدق عليه أنه طغيان { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي } هذا جواب النهي ، أي يلزمكم غضبي وينزل بكم ، وهو مأخوذ من حلول الدّين ، أي حضور وقت أدائه { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } قرأ الأعمش ويحيـى بن وثاب والكسائي " فيحل " بضم الحاء ، وكذلك قرؤوا " يحلل " بضم اللام الأولى ، وقرأ الباقون بالكسر فيهما وهما لغتان . قال الفراء والكسر أحبّ إليّ من الضم لأن الضم من الحلول بمعنى الوقوع . ويحل بالكسر يجب ، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع ، وذكر نحو هذا أبو عبيدة وغيره . ومعنى { فَقَدْ هَوَىٰ } فقد هلك . قال الزجاج { فَقَدْ هَوَىٰ } أي صار إلى الهاوية ، وهي قعر النار من هوى يهوي هوياً ، أي سقط من علو إلى سفل ، وهوى فلان ، أي مات . { وَإِنّي لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } أي لمن تاب من الذنوب التي أعظمها الشرك بالله ، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وعمل عملاً صالحاً مما ندب إليه الشرع وحسنه { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } أي استقام على ذلك حتى يموت كذا قال الزجاج وغيره . وقيل لم يشكّ في إيمانه . وقيل أقام على السنّة والجماعة ، وقيل تعلم العلم ليهتدي به . وقيل علم أن لذلك ثواباً وعلى تركه عقاباً ، والأوّل أرجح مما بعده . { وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } هذا حكاية لما جرى بين الله سبحانه وبين موسى عند موافاته الميقات . قال المفسرون وكانت المواعدة أن يوافي موسى وجماعة من وجوه قومه . فسار موسى بهم ، ثم عجل من بينهم شوقاً إلى ربه ، فقال الله له ما أعجلك ؟ أي ما الذي حملك على العجلة ، حتى تركت قومك وخرجت من بينهم ، فأجاب موسى عن ذلك { قَالَ هُمْ أُوْلاء عَلَىٰ أَثَرِي } أي هم بالقرب مني ، تابعون لأثرى واصلون بعدي . وقيل لم يرد أنهم يسيرون خلفه ، بل أراد أنهم بالقرب منه ينتظرون عوده إليهم . ثم قال مصرحاً بسبب ما سأله الله عنه فقال { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىٰ } أي لترضى عني بمسارعتي إلى امتثال أمرك أو لتزداد رضا عني بذلك . قال أبو حاتم قال عيسى بن عمر بنو تميم يقولون " أولى " مقصورة ، وأهل الحجاز يقولون " أولاء " ممدودة . وقرأ ابن أبي إسحاق ونصر ، ورويس عن يعقوب " على إثري " بكسر الهمزة وإسكان الثاء ، وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان . ومعنى { عجلت إليك } عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني . يقال رجل عجل وعجول وعجلان بين العجلة . والعجلة خلاف البطء . وجملة { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل فماذا قال الله له ؟ فقيل قال إنا قد فتنا قومك من بعدك ، أي ابتليناهم واختبرناهم وألقيناهم في فتنة ومحنة . قال ابن الأنباري صيرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل من بعد انطلاقك من بينهم ، وهم الذين خلفهم مع هارون { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } أي دعاهم إلى الضلالة ، وكان من قوم يعبدون البقر ، فدخل في دين بني إسرائيل في الظاهر وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر ، وكان من قبيلة تعرف بالسامرة ، وقال لمن معه من بني إسرائيل إنما تخلف موسى عن الميعاد الذي بينكم وبينه لما صار معكم من الحليّ ، وهي حرام عليكم وأمرهم بإلقائها في النار ، فكان من أمر العجل ما كان . { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفاً } قيل وكان الرجوع إلى قومه بعد ما استوفى أربعين يوماً ذا القعدة ، وعشر ذي الحجة ، والأسف الشديد الغضب . وقيل الحزين ، وقد مضى في الأعراف بيان هذا مستوفى . { قَالَ يَـا قَوْم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } الاستفهام للإنكار التوبيخي ، والوعد الحسن وعدهم بالجنة إذا أقاموا على طاعته ، ووعدهم أن يسمعهم كلامه في التوراة على لسان موسى ليعملوا بما فيها ، فيستحقوا ثواب عملهم ، وقيل وعدهم النصر والظفر . وقيل هو قوله { وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ } الآية . { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } الفاء للعطف على مقدّر ، أي أوعدكم ذلك ، فطال عليكم الزمان فنسيتم { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ } أي يلزمكم وينزل بكم ، والغضب العقوبة والنقمة . والمعنى أم أردتم أن تفعلوا فعلاً يكون سبب حلول غضب الله عليكم { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى } أي موعدكم إياي ، فالمصدر مضاف إلى المفعول لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله عزّ وجلّ إلى أن يرجع إليهم من الطور . وقيل وعدوه أن يأتوا على أثره إلى الميقات ، فتوقفوا فأجابوه ، و { قَالُواْ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ } الذي وعدناك { بِمَلْكِنَا } بفتح الميم ، وهي قراءة نافع وأبي جعفر وعاصم وعيسى بن عمر ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر الميم ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأنها على اللغة العالية الفصيحة ، وهو مصدر ملكت الشيء أملكه ملكاً ، والمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف ، أي بملكنا أمورنا ، أو بملكنا الصواب ، بل أخطأنا ولم نملك أنفسنا وكنا مضطرين إلى الخطأ ، وقرأ حمزة والكسائي " بملكنا " بضمّ الميم ، والمعنى بسلطاننا ، أي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك . وقيل إنّ الفتح والكسر والضم في " بملكنا " كلها لغات في مصدر ملكت الشيء . { وَلَـٰكِنَّا حُمّلْنَا أَوْزَاراً مّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وأبو جعفر ورويسك " حملنا " بضم الحاء وتشديد الميم ، وقرأ الباقون بفتح الحاء والميم مخففة ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأنهم حملوا حلية القوم معهم باختيارهم ، وما حملوها كرهاً ، فإنهم كانوا استعاروها منهم حين أرادوا الخروج مع موسى ، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم أو وليمة . وقيل هو ما أخذوه من آل فرعون لما قذفهم البحر إلى الساحل ، وسميت أوزاراً ، أي آثاماً لأنه لا يحلّ لهم أخذها ، ولا تحل لهم الغنائم في شريعتهم والأوزار في الأصل الأثقال ، كما صرح به أهل اللغة ، والمراد بالزينة هنا الحليّ { فَقَذَفْنَاهَا } أي طرحناها في النار طلباً للخلاص من إثمها . وقيل المعنى طرحناها إلى السامريّ لتبقى لديه حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } أي فمثل ذلك القذف ألقاها السامريّ . قيل إن السامريّ قال لهم حين استبطأ القوم رجوع موسى إنما احتبس عنكم لأجل ما عندكم من الحليّ ، فجمعوه ودفعوه إليه ، فرمى به في النار وصاغ لهم منه عجلاً ، ثم ألقى عليه قبضة من أثر الرسول وهو جبريل ، فصار { عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } أي يخور كما يخور الحيّ من العجول ، والخوار صوت البقر . وقيل خواره كان بالريح لأنه كان عمل فيه خروقاً . فإذا دخلت الريح في جوفه خار ولم يكن فيه حياة { فَقَالُواْ هَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } أي قال السامريّ ومن وافقه هذه المقالة { فَنَسِيَ } أي فضلّ موسى ولم يعلم مكان إلٰهه هذا ، وذهب يطلبه في الطور . وقيل المعنى فنسي موسى أن يذكر لكم أن هذا إلٰهه وإلٰهكم . وقيل الناسي هو السامريّ ، أي ترك السامريّ ما أمر به موسى من الإيمان وضلّ ، كذا قال ابن الأعرابي . { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً } أي أفلا يعتبرون ويتفكرون في أن هذا العجل لا يرجع إليهم قولاً ، أي لا يردّ عليهم جواباً ، ولا يكلمهم إذا كلموه ، فكيف يتوهمون أنه إلٰه وهو عاجز عن المكالمة ، فأن في " ألا يرجع " هي المخففة من الثقيلة ، وفيها ضمير مقدّر يرجع إلى العجل ، ولهذا ارتفع الفعل بعدها ، ومنه قول الشاعر @ في فتية من سيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يَحْفَى ويَنْتَعِلُ @@ أي أنه هالك . وقرىء بنصب الفعل على أنها الناصبة ، وجملة { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } معطوفة على جملة { لا يرجع } أي أفلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرّاً ولا يجلب إليهم نفعاً . { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَـٰرُونُ مِن قَبْلُ } اللام هي الموطئة للقسم ، والجملة مؤكدة لما تضمنته الجملة التي قبلها من الإنكار عليهم والتوبيخ ، لهم أي ولقد قال لهم هارون من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم { يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } أي وقعتم في الفتنة بسبب العجل ، وابتليتم به وضللتم عن طريق الحق لأجله . قيل ومعنى القصر المستفاد من إنما هو أن العجل صار سبباً لفتنتهم لا لرشادهم وليس معناه أنهم فتنوا بالعجل لا بغيره { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُواْ أَمْرِي } أي ربكم الرحمٰن لا العجل ، فاتبعوني في أمري لكم بعبادة الله ، ولا تتبعوا السامريّ في أمره لكم بعبادة العجل ، وأطيعوا أمري لا أمره . { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } أجابوا هارون عن قوله المتقدّم بهذا الجواب المتضمن لعصيانه ، وعدم قبول ما دعاهم إليه من الخير وحذرهم عنه من الشرّ ، أي لن نزال مقيمين على عبادة هذا العجل ، حتى يرجع إلينا موسى ، فينظر هل يقرّرنا على عبادته أو ينهانا عنها ؟ فعند ذلك اعتزلهم هارون في اثني عشر ألفاً من المنكرين لما فعله السامريّ . وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { يَبَساً } قال يابساً ليس فيه ماء ولا طين . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { لاَ تخاف دَرَكاً } من آل فرعون { وَلاَ تَخْشَىٰ } من البحر غرقاً . وأخرجا عنه أيضاً في قوله { فَقَدْ هَوَىٰ } شقي . وأخرجا عنه أيضاً { وَإِنّي لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ } قال من الشرك { وَآمَنَ } قال وحد الله { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } قال أدّى الفرائض { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } قال لم يشك . وأخرج سعيد بن منصور والفريابي عنه أيضاً { وَإِنّي لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ } قال من تاب من الذنب ، وآمن من الشرك ، وعمل صالحاً فيما بينه وبين ربه { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } علم أن لعمله ثواباً يجزى عليه . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } قال ثم استقام ، لزم السنّة والجماعة . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال تعجل موسى إلى ربه ، فقال الله { وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } الآية ، قال فرأى في ظلّ العرش رجلاً فعجب له ، فقال من هذا يا ربّ ؟ قال لا أحدثك من هو ، لكن سأخبرك بثلاث فيه كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ولا يعقّ والديه ، ولا يمشي بالنميمة . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن عليّ قال لما تعجل موسى إلى ربه عمد السامريّ فجمع ما قدر عليه من حليّ بني إسرائيل فضربه عجلاً ، ثم ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار ، فقال لهم السامريّ { هذا إلٰهكم وإلٰه موسى } ، فقال لهم هارون { يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً } فلما أن رجع موسى أخذ برأس أخيه ، فقال له هارون ما قال ، فقال موسى للسامريّ ما خطبك ؟ قال { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } فعمد موسى إلى العجل ، فوضع موسى عليه المبارد فبرده بها وهو على شط نهر فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد ذلك العجل إلا اصفرّ وجهه مثل الذهب ، فقالوا لموسى ما توبتنا ؟ قال يقتل بعضكم بعضاً ، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه ولا يبالي بمن قتل حتى قتل منهم سبعون ألفاً ، فأوحى الله إلى موسى مرهم فليرفعوا أيديهم ، فقد غفرت لمن قتل وتبت على من بقي . والحكايات لهذه القصة كثيرة جدّاً . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بِمَلْكِنَا } قال بأمرنا . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { بِمَلْكِنَا } قال بطاقتنا . وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ مثله . وأخرج أيضاً عن الحسن قال بسلطاننا . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { هَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } قال فنسي موسى أن يذكر لكم أن هذا إلٰهه .