Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 4-10)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ } استعار الرمي للشتم بفاحشة الزنا لكونه جناية بالقول كما قال النابغة @ وجرح اللسان كجرح اليد @@ وقال آخر @ رماني بأمر كنت عنه ووالدي برياً ومن أجل الطوى رماني @@ ويسمى هذا الشتم بهذه الفاحشة الخاصة قذفاً ، والمراد بالمحصنات النساء ، وخصهنّ بالذكر لأن قذفهنّ أشنع ، والعار فيهنّ أعظم ، ويلحق الرجال بالنساء في هذا الحكم بلا خلاف بين علماء هذه الأمة ، وقد جمعنا في ذلك رسالة رددنا بها على بعض المتأخرين من علماء القرن الحادي عشر لما نازع في ذلك . وقيل إن الآية تعمّ الرجال ، والنساء ، والتقدير والأنفس المحصنات ، ويؤيد هذا قوله تعالى في آية أخرى { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنّسَاء } النساء 24 فإن البيان بكونهنّ من النساء يشعر بأن لفظ المحصنات يشمل غير النساء ، وإلاّ لم يكن للبيان كثير معنى . وقيل أراد بالمحصنات الفروج كما قال { وَٱلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } الأنبياء 91 . فتتناول الآية الرجال والنساء . وقيل إن لفظ المحصنات ، وإن كان للنساء لكنه هاهنا يشمل النساء والرجال تغليبا ، وفيه أن تغليب النساء على الرجال غير معروف في لغة العرب ، والمراد بالمحصنات هنا . العفائف ، وقد مضى في سورة النساء ذكر الإحصان ، وما يحتمله من المعاني . وللعلماء في الشروط المعتبرة في المقذوف والقاذف أبحاث مطوّلة مستوفاة في كتب الفقه ، منها ما هو مأخوذ من دليل ، ومنها ما هو مجرّد رأي بحت . قرأ الجمهور { والمحصنات } بفتح الصاد ، وقرأ يحيـىٰ بن وثاب بكسرها . وذهب الجمهور من العلماء أنه لا حدّ على من قذف كافراً أو كافرة . وقال الزهري ، وسعيد بن المسيب ، وابن أبي ليلى إنه يجب عليه الحدّ . وذهب الجمهور أيضاً أن العبد يجلد أربعين جلدة . وقال ابن مسعود ، وعمر بن عبد العزيز ، وقبيصة يجلد ثمانين . قال القرطبي وأجمع العلماء على أن الحرّ لا يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما ، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم " أن من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحدّ يوم القيامة إلاّ أن يكون كما قال " . ثم ذكر سبحانه شرطاً لإقامة الحدّ على من قذف المحصنات فقال { ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } أي يشهدون عليهنّ بوقوع الزنا منهنّ ، ولفظ ثم يدلّ على أنه يجوز أن تكون شهادة الشهود في غير مجلس القذف ، وبه قال الجمهور ، وخالف في ذلك مالك ، وظاهر الآية أنه يجوز أن يكون الشهود مجتمعين ومفترقين ، وخالف في ذلك الحسن ، ومالك ، وإذا لم تكمل الشهود أربعة كانوا قذفة يحدّون حدّ القذف . وقال الحسن ، والشعبي إنه لا حدّ على الشهود ولا على المشهود عليه ، وبه قال أحمد ، وأبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن . ويردّ ذلك ما وقع في خلافة عمر رضي الله عنه من جلده للثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا ، ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم . قرأ الجمهور { بأربعة شهداء } بإضافة أربعة إلى شهداء ، وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار ، وأبو زرعة بن عمرو بتنوين أربعة . وقد اختلف في إعراب شهداء على هذه القراءة ، فقيل هو تمييز . وردّ بأن المميز من ثلاثة إلى عشرة يضاف إليه العدد كما هو مقرّر في علم النحو . وقيل إنه في محل نصب على الحال . وردّ بأن الحال لا يجيء من النكرة التي لم تخصص . وقيل إن شهداء في محل جرّ نعتاً لأربعة ، ولما كان فيه ألف التأنيث لم ينصرف . وقال النحاس يجوز أن يكون شهداء في موضع نصب على المفعولية أي ثم لم يحضروا أربعة شهداء ، وقد قوّى ابن جني هذه القراءة ، ويدفع ذلك قول سيبويه إن تنوين العدد ، وترك إضافته إنما يجوز في الشعر . ثم بين سبحانه ما يجب على القاذف فقال { فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } الجلد الضرب كما تقدّم ، والمجالدة المضاربة في الجلود ، أو بالجلود ، ثم استعير للضرب بالعصى ، والسيف ، وغيرهما ، ومنه قول قيس بن الخطيم @ أجالدهم يوم الحديقة حاسرا كأن يدي بالسيف مخراق لاعب @@ وقد تقدّم بيان الجلد قريباً ، وانتصاب ثمانين كانتصاب المصادر ، وجلدة منتصبة على التمييز ، وجملة { وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً } معطوفة على " اجلدوا " أي فاجمعوا لهم بين الأمرين الجلد ، وترك قبول الشهادة ، لأنهم قد صاروا بالقذف غير عدول بل فسقة كما حكم الله به عليهم في آخر هذه الآية . واللام في لهم متعلقة بمحذوف هو حال من شهادة ولو تأخرت عليها لكانت صفة لها ، ومعنى { أَبَدًا } ما داموا في الحياة . ثم بين سبحانه حكمهم بعد صدور القذف منهم ، وإصرارهم عليه ، وعدم رجوعهم إلى التوبة ، فقال { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } وهذه جملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها . والفسق هو الخروج عن الطاعة ، ومجاوزة الحدّ بالمعصية ، وجوّز أبو البقاء أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال . ثم بين سبحانه أن هذا التأييد لعدم قبول شهادتهم هو مع عدم التوبة فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } وهذه الجملة في محل نصب على الاستثناء ، لأنه من موجب ، وقيل يجوز أن يكون في موضع خفض على البدل ، ومعنى التوبة قد تقدّم تحقيقه ، ومعنى { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } من بعد اقترافهم لذنب القذف ، ومعنى { وَأَصْلَحُواْ } إصلاح أعمالهم التي من جملتها ذنب القذف ، ومداركة ذلك بالتوبة ، والانقياد للحدّ . وقد اختلف أهل العلم في هذا الاستثناء هل يرجع إلى الجملتين قبله ؟ وهي جملة عدم قبول الشهادة ، وجملة الحكم عليهم بالفسق ، أم إلى الجملة الأخيرة ؟ وهذا الاختلاف بعد اتفاقهم على أنه لا يعود إلى جملة الجلد بل يجلد التائب كالمصرّ ، وبعد إجماعهم أيضاً على أن هذا الاستثناء يرجع إلى جملة الحكم بالفسق ، فحلّ الخلاف هل يرجع إلى جملة عدم قبول الشهادة أم لا ؟ ، فقال الجمهور إن هذا الاستثناء يرجع إلى الجملتين ، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ، وزال عنه الفسق ، لأن سبب ردّها هو ما كان متصفاً به من الفسق بسبب القذف ، فإذا زال بالتوبة بالإجماع كانت الشهادة مقبولة . وقال القاضي شريح ، وإبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، وعبد الرحمن بن زيد ، وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة إن هذا الاستثناء يعود إلى جملة الحكم بالفسق ، لا إلى جملة عدم قبول الشهادة ، فيرتفع بالتوبة عن القاذف وصف الفسق ، ولا تقبل شهادته أبداً . وذهب الشعبي ، والضحاك إلى التفصيل فقالا لا تقبل شهادته ، وإن تاب إلاّ أن يعترف على نفسه بأنه قد قال البهتان ، فحينئذٍ تقبل شهادته . وقول الجمهور هو الحق ، لأن تخصيص التقييد بالجملة الأخيرة دون ما قبلها مع كون الكلام واحداً في واقعة شرعية من متكلم واحد خلاف ما تقتضيه لغة العرب ، وأولوية الجملة الأخيرة المتصلة بالقيد بكونه قيداً لها لا تنفي كونه قيداً لما قبلها ، غاية الأمر ، أن تقييد الأخيرة بالقيد المتصل بها أظهر من تقييد ما قبلها به ، ولهذا كان مجمعاً عليه ، وكونه أظهر لا ينافي قوله فيما قبلها ظاهراً . وقد أطال أهل الأصول الكلام في القيد الواقع بعد جمل بما هو معروف عند من يعرف ذلك الفنّ ، والحق هو هذا ، والاحتجاج بما وقع تارة من القيود عائداً إلى جميع الجمل التي قبله ، وتارة إلى بعضها لا تقوم به حجة ، ولا يصلح للاستدلال ، فإنه قد يكون ذلك لدليل كما وقع هنا من الإجماع على عدم رجوع هذا الاستثناء إلى جملة الجلد . ومما يؤيد ما قررناه ويقوّيه أن المانع من قبول الشهادة ، وهو الفسق المتسبب عن القذف قد زال ، فلم يبق ما يوجب الردّ للشهادة . واختلف العلماء في صورة توبة القاذف ، فقال عمر ابن الخطاب ، والشعبي ، والضحاك ، وأهل المدينة إن توبته لا تكون إلاّ بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي وقع منه ، وأقيم عليه الحدّ بسبببه . وقالت فرقة منهم مالك ، وغيره إن توبته تكون بأن يحسن حاله ، ويصلح عمله ، ويندم على ما فرط منه ، ويستغفر الله من ذلك ، ويعزم على ترك العود إلى مثله . وإن لم يكذب نفسه ، ولا رجع عن قوله . ويؤيد هذا الآيات والأحاديث الواردة في التوبة ، فإنها مطلقة غير مقيدة بمثل هذا القيد . وقد أجمعت الأمة على أن التوبة تمحو الذنب ، ولو كان كفراً فتمحو ما هو دون الكفر بالأولى هكذا حكى الإجماع القرطبي . قال أبو عبيدة الاستثناء يرجع إلى الجمل السابقة ، وليس من رمى غيره بالزنا بأعظم جرماً من مرتكب الزنا ، والزاني إذا تاب قبلت شهادته ، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا قبل الله التوبة من العبد كان العباد بالقبول أولى ، مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن منها قوله { إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ } إلى قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } المائدة 33 ــ 34 . ولا شك أن هذا الاستثناء يرجع إلى الجميع . قال الزجاج وليس القاذف بأشدّ جرماً من الكافر ، فحقه إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته ، قال وقوله { أَبَدًا } أي ما دام قاذفاً ، كما يقال لا تقبل شهادة الكافر أبداً فإن معناه ما دام كافراً . انتهى . وجملة { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تعليل لما تضمنه الاستثناء من عدم المؤاخدة للقاذف بعد التوبة ، وصيرورته مغفوراً له ، مرحوماً من الرحمٰن الرحيم ، غير فاسق ، ولا مردود الشهادة ، ولا مرفوع العدالة . ثم ذكر سبحانه بعد ذكره لحكم القذف على العموم حكم نوع من أنواع القذف ، وهو قذف الزوج للمرأة التي تحته بعقد النكاح فقال { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } أي لم يكن لهم شهداء يشهدون بما رموهنّ به من الزنا إلا أنفسهم بالرفع على البدل من شهداء . قيل ويجوز النصب على خبر يكن . قال الزجاج أو على الاستثناء على الوجه المرجوح { فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَـٰدَاتٍ } قرأ الكوفيون برفع أربع على أنها خبر لقوله { فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمْ } أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حدّ القذف أربع شهادات . وقرأ أهل المدينة ، وأبو عمرو " أربع " بالنصب على المصدر . ويكون { فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمْ } خبر مبتدأ محذوف أي فالواجب شهادة أحدهم ، أو مبتدأ محذوف الخبر أي فشهادة أحدهم واجبة . وقيل إن أربع منصوب بتقدير فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات وقوله { بِٱللَّهِ } متعلق بشهادة أو بشهادات ، وجملة { إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } هي المشهود به ، وأصله على أنه ، فحذف الجار وكسرت إن ، وعلق العامل عنها . { وَٱلْخَامِسَةَ } قرأ السبعة وغيرهم الخامسة بالرفع على الابتداء ، وخبرها { أَنَّ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } وقرأ أبو عبد الرحمن ، وطلحة ، وعاصم في رواية حفص " والخامسة " بالنصب على معنى وتشهد الشهادة الخامسة ، ومعنى { إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } أي فيما رماها به من الزنا . قرأ الجمهور بتشديد { أنّ } من قوله { أَن لَّعْنَةَ ٱللَّهِ } وقرأ نافع بتخفيفها ، فعلى قراءة نافع يكون اسم أن ضمير الشأن ، و { لعنة الله } مبتدأ ، و { عليه } خبره ، والجملة خبر أن ، وعلى قراءة الجمهور تكون { لعنة الله } اسم أن ، قال سيبويه لا تخفف أنّ في الكلام ، وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة . وقال الأخفش لا أعلم الثقيلة إلاّ أجود في العربية . { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } أي عن المرأة ، والمراد بالعذاب الدنيوي ، وهو الحدّ ، وفاعل يدرأ قوله { أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ } والمعنى أنه يدفع عن المرأة الحدّ شهادتها أربع شهادات بالله أن الزوج لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ { وَٱلْخَامِسَةَ } بالنصب عطفاً على أربع أي وتشهد الخامسة ، كذلك قرأ حفص ، والحسن ، والسلمي ، وطلحة ، والأعمش ، وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء ، وخبره { أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ } الزوج { مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } فيما رماها به من الزنا ، وتخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها لكونها أصل الفجور ومادّته ، ولأن النساء يكثرن اللعن في العادة ، ومع استكثارهنّ منه لا يكون له في قلوبهنّ كبير موقع بخلاف الغضب . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } جواب لولا محذوف . قال الزجاج المعنى ولولا فضل الله لنال الكاذب منهما عذاب عظيم . ثم بين سبحانه كثير توبته على من تاب ، وعظيم حكمته البالغة فقال { وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } أي يعود على من تاب إليه ، ورجع عن معاصيه بالتوبة عليه ، والمغفرة له ، حكيم فيما شرع لعباده من اللعان ، وفرض عليهم من الحدود . وقد أخرج أبو داود في ناسخه ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } قال تاب الله عليهم من الفسوق ، وأما الشهادة فلا تجوز . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، عن عمر ابن الخطاب ، أنه قال لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك . وأخرج ابن مردويه عنه قال توبتهم إكذابهم أنفسهم ، فإن أكذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال من تاب ، وأصلح ، فشهادته في كتاب الله تقبل . وفي الباب روايات عن التابعين . وقصة قذف المغيرة في خلافة عمر مروية من طرق معروفة . وأخرج البخاري ، والترمذي ، وابن ماجه ، عن ابن عباس « أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " البينة ، وإلاّ حدّ في ظهرك " ، فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " البينة وإلاّ حدّ في ظهرك " ، فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلنّ الله ما يبرىء ظهري من الحدّ ، ونزل جبريل فأنزل عليه { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰجَهُمْ } حتى بلغ { إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ؟ " ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها ، وقالوا إنها موجبة ، فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " ، فجاءت به كذلك ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن " ، وأخرج هذه القصة أبو داود الطيالسي ، وعبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس مطوّلة . وأخرجها البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، ولم يسموا الرجل ولا المرأة . وفي آخر القصة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له " اذهب فلا سبيل لك عليها " ، فقال يا رسول الله مالي ، قال " لا مال لك ، وإن كنت صدقت عليها ، فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها ، فذاك أبعد لك منها " وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن سهل بن سعد قال « جاء عويمر إلى عاصم بن عديّ ، فقال سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلا فقتله ، أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل ، فقال عويمر والله لآتينّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسألنه ، فأتاه ، فوجده قد أنزل عليه ، فدعا بهما ، فلاعن بينهما . قال عويمر إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها ، ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصارت سنة للمتلاعنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبصروها ، فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين ، فلا أراه إلاّ قد صدق ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة ، فلا أراه إلاّ كاذباً " ، فجاءت به مثل النعت المكروه . وفي الباب أحاديث كثيرة ، وفيما ذكرنا كفاية . وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب ، وعليّ ، وابن مسعود ، قالوا لا يجتمع المتلاعنان أبداً .