Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 45-54)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما فرغ سبحانه من ذكر جهالة الجاهلين وضلالتهم أتبعه بذكر طرف من دلائل التوحيد مع ما فيها من عظيم الإنعام ، فأوّلها الاستدلال بأحوال الظل ، فقال { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظّلَّ } هذه الرؤية إما بصرية ، والمراد بها ألم تبصر إلى صنع ربك ، أو ألم تبصر إلى الظل كيف مدّه ربك ؟ وإما قلبية بمعنى العلم ، فإن الظل متغير ، وكل متغير حادث ، ولكل حادث موجد . قال الزجاج { أَلَمْ تَرَ } ألم تعلم ، وهذا من رؤية القلب . قال وهذا الكلام على القلب ، والتقدير ألم تر إلى الظلّ كيف مدّه ربك ؟ يعني الظل من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس ، وهو ظل لا شمس معه ، وبه قال الحسن وقتادة . وقيل هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها . قال أبو عبيدة الظل بالغداة ، والفيء بالعشي ، لأنه يرجع بعد زوال الشمس ، سمي فيئاً لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب . قال حميد بن ثور يصف سرحة ، وكنى بها عن امرأة @ فلا الظلّ من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق @@ وقال ابن السكيت الظل ما نسخته الشمس ، والفيء ما نسخ الشمس . وحكى أبو عبيدة عن رؤبة قال كل ما كانت عليه الشمس ، فزالت عنه ، فهو فيء وظلّ ، وما لم تكن عليه الشمس ، فهو ظلّ . انتهى . وحقيقة الظلّ أنه أمر متوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة ، وهذا التوسط هو أعدل من الطرفين ، لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع ، وينفر عنها الحسّ ، والضوء الكامل لقوّته يبهر الحسّ البصري ، ويؤذي بالتسخين ، ولذلك وصفت الجنة به بقوله { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } الواقعة 30 ، وجملة { وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً } معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه أي لو شاء الله سبحانه سكونه لجعله ساكناً ثابتاً دائماً مستقراً لا تنسخه الشمس . وقيل المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع ، والأول أولى . والتعبير بالسكون عن الإقامة ، والاستقرار سائغ ، ومنه قولهم سكن فلان بلد كذا إذا أقام به ، واستقرّ فيه . وقوله { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } معطوف على قوله { مَدَّ ٱلظّلَّ } داخل في حكمه أي جعلناها علامة يستدل بها بأحوالها على أحواله ، وذلك لأن الظل يتبعها كما يتبع الدليل في الطريق من جهة أنه يزيد بها وينقص ، ويمتد ويتقلص . وقوله { ثُمَّ قَبَضْنَـٰهُ } معطوف أيضاً على مَدَّ داخل في حكمه . والمعنى ثم قبضنا ذلك الظلّ المدود ، ومحوناه عند إيقاع شعاع الشمس موقعه بالتدريج حتى انتهى ذلك الإظلال إلى العدم والإضمحلال . وقيل المراد في الآية قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه ، وهي الأجرام النيرة . والأوّل أولى . والمعنى أن الظلّ يبقى في هذا الجوّ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضاً ، وخلفه في هذا الجوّ شعاع الشمس ، فأشرقت على الأرض ، وعلى الأشياء إلى وقت غروبها ، فإذا غربت ، فليس هناك ظلّ ، إنما فيه بقية نور النهار وقال قوم قبضه بغروب الشمس ، لأنها إذا لم تغرب ، فالظلّ فيه بقية ، وإنما يتمّ زواله بمجيء الليل ، ودخول الظلمة عليه . وقيل المعنى ثم قبضنا ضياء الشمس بالفيء { قَبْضاً يَسِيراً } ومعنى { إِلَيْنَا } أن مرجعه إليه سبحانه كما أن حدوثه منه قبضاً يسيراً أي على تدريج قليلاً قليلاً بقدر ارتفاع الشمس ، وقيل يسيراً سريعاً ، وقيل المعنى يسيراً علينا أي يسيراً قبضه علينا ليس بعسير . { وَهُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِبَاساً } شبه سبحانه ما يستر من ظلام الليل باللباس الساتر . قال ابن جرير وصف الليل باللباس تشبيهاً من حيث أنه يستر الأشياء ، ويغشاها ، واللام متعلقة بجعل { وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } أي وجعل النوم سباتاً أي راحة لكم ، لأنكم تنقطعون عن الاشتغال ، وأصل السبات التمدد ، يقال سبتت المرأة شعرها أي نقضته وأرسلته ، ورجل مسبوت أي ممدود الخلقة . وقيل للنوم سبات ، لأنه بالتمدد يكون ، وفي التمدد معنى الراحة . وقيل السبت القطع ، فالنوم انقطاع عن الاشتغال ، ومنه سبت اليهود لانقطاعهم عن الاشتغال . قال الزجاج السبات النوم ، وهو أن ينقطع عن الحركة ، والروح في بدنه أي جعلنا نومكم راحة لكم . وقال الخليل السبات نوم ثقيل أي جعلنا نومكم ثقيلاً ليكمل الإجمام والراحة { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } أي زمان بعث من ذلك السبات ، شبه اليقظة بالحياة كما شبه النوم بالسبات الشبيه بالممات . وقال في الكشاف إن السبات الموت ، واستدل على ذلك بكون النشور في مقابلته . { وَهُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ ٱلرّيَـٰحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } قرىء " الريح " ، وقرىء " بشراً " بالباء الموحدة ، وبالنون . وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في الأعراف { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء طَهُوراً } أي يتطهر به كما يقال وضوء للماء الذي يتوضأ به . قال الأزهري الطهور في اللغة الطاهر المطهر ، والطهور ما يتطهر به . قال ابن الأنباري الطهور بفتح الطاء الاسم ، وكذلك الوضوء ، والوقود ، وبالضم المصدر ، هذا هو المعروف في اللغة وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر ، ويؤيد ذلك كونه بناء مبالغة . وروي عن أبي حنيفة أنه قال الطهور هو الطاهر ، واستدل لذلك بقوله تعالى { وَسَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } الإنسان 21 يعني طاهراً ، ومنه قول الشاعر @ خليليّ هل في نظرة بعد توبة أداوي بها قلبي عليّ فجور إلى رجح الأكفال غيد من الظبي عذاب الثنايا ريقهنّ طهور @@ فوصف الريق بأنه طهور ، وليس بمطهر ، ورجح القول الأوّل ثعلب ، وهو راجح لما تقدّم من حكاية الأزهري لذلك عن أهل اللغة . وأما وصف الشاعر للريق بأنه طهور ، فهو على طريق المبالغة ، وعلى كل حال ، فقد ورد الشرع بأن الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره ، قال الله تعالى { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن ٱلسَّمَاء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } الأنفال 11 وقال النبي صلى الله عليه وسلم " خلق الماء طهوراً " ثم ذكر سبحانه علة الإنزال ، فقال { لّنُحْيِيَ بِهِ } أي بالماء المنزل من السماء { بَلْدَةً مَّيْتاً } وصف البلدة بـ { ميتاً } ، وهي صفة للمذكر لأنها بمعنى البلد . وقال الزجاج أراد بالبلد المكان ، والمراد بالإحياء هنا إخراج النبات من المكان الذي لا نبات فيه { وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَـٰماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } أي نسقي ذلك الماء ، قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية عنهما ، وأبو حيان وابن أبي عبلة بفتح النون من " نسقيه " وقرأ الباقون بضمها ، و « من » في { مِمَّا خَلَقْنَا } للإبتداء ، وهي متعلقة بـ { نسقيه } ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه حال ، والأنعام قد تقدّم الكلام عليها ، والأناسيّ جمع إنسان على ما ذهب إليه سيبويه . وقال الفراء والمبرّد والزجاج إنه جمع إنسيّ ، وللفراء قول آخر إنه جمع إنسان ، والأصل أناسين مثل سرحان وسراحين وبستان وبساتين ، فجعلوا الباء عوضاً من النون . { وَلَقَدْ صَرَّفْنَـٰهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } ضمير { صرفناه } ذهب الجمهور إلى أنه راجع إلى ما ذكر من الدلائل أي كرّرنا أحوال الإظلال ، وذكر إنشاء السحاب ، وإنزال المطر في القرآن ، وفي سائر الكتب السماوية ، ليتفكروا ويعتبروا { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ } هم إلاّ كفران النعمة وجحدها . وقال آخرون إنه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر أي صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة ، فنزيد منه في بعض البلدان ، وننقص في بعض آخر منها ، وقيل الضمير راجع إلى القرآن ، وقد جرى ذكره في أوّل السورة حيث قال { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } الفرقان 1 ، وقوله { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي } الفرقان 29 ، وقوله { ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً } الفرقان 30 والمعنى ولقد كرّرنا هذا القرآن بإنزال آياته بين الناس ليذكروا به ، ويعتبروا بما فيه ، فأبى أكثرهم { إِلاَّ كُفُورًا } به ، وقيل هو راجع إلى الريح ، وعلى رجوع الضمير إلى المطر فقد اختلف في معناه ، فقيل ما ذكرناه . وقيل صرفناه بينهم وابلاً وطشاً وطلاً ورذاذاً ، وقيل تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب ، والسقي والزراعات به والطهارات . قال عكرمة إن المراد بقوله { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا } هو قولهم في الأنواء مطرنا بنوء كذا . قال النحاس ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافاً أن الكفر هنا قولهم مطرنا بنوء كذا . وقرأ عكرمة " صرفناه " مخففاً ، وقرأ الباقون بالتثقيل . وقرأ حمزة ، والكسائي " ليذكروا " مخففة الذال من الذكر ، وقرأ الباقون بالتثقيل من التذكر . { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } أي رسولاً ينذرهم كما قسمنا المطر بينهم ، ولكنا لم نفعل ذلك بل جعلنا نذيراً واحداً ، وهو أنت يا محمد ، فقابل ذلك بشكر النعمة { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم ، بل اجتهد في الدعوة ، واثبت فيها ، والضمير في قوله { وَجَـٰهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً } راجع إلى القرآن أي جاهدهم بالقرآن ، واتل عليهم ما فيه من القوارع والزواجر والأوامر والنواهي . وقيل الضمير يرجع إلى الإسلام ، وقيل بالسيف ، والأوّل أولى . وهذه السورة مكية ، والأمر بالقتال إنما كان بعد الهجرة . وقيل الضمير راجع إلى ترك الطاعة المفهوم من قوله { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } . وقيل الضمير يرجع إلى ما دل عليه قوله { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } لأنه سبحانه لو بعث في كل قرية نذيراً لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة القرية التي أرسل إليها ، وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى ، وهو محمد ، فلا جرم اجتمع عليه كل المجاهدات ، فكبر جهاده وعظم ، وصار جامعاً لكل مجاهدة ، ولا يخفى ما في هذين الوجهين من البعد . ثم ذكر سبحانه دليلاً رابعاً على التوحيد ، فقال { وَهُوَ ٱلَّذِى مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } مرج خلّى ، وخلط ، وأرسل ، يقال مرجت الدابة ، وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى ، وخليتها تذهب حيث تشاء . قال مجاهد أرسلهما ، وأفاض أحدهما إلى الآخر . وقال ابن عرفة خلطهما ، فهما يلتقيان ، يقال مرجته إذا خلطته ، ومرج الدين والأمر اختلط واضطرب ، ومنه قوله { فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ } قۤ 5 وقال الأزهري { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } خلى بينهما ، يقال مرجت الدابة إذا خليتها ترعى . وقال ثعلب المرج الإجراء ، فقوله { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي أجراهما . قال الأخفش ويقول قوم أمرج البحرين مثل مرج ، فعل وأفعل بمعنى { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } الفرات البليغ العذوبة ، وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل كيف مرجهما ؟ فقيل هذا عذب ، وهذا ملح ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال . قيل سمى الماء الحلو فراتاً ، لأنه يفرت العطش أي يقطعه ، ويكسره { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي بليغ الملوحة ، هذا معنى الأجاج . وقيل الأجاج البليغ في الحرارة ، وقيل البليغ في المرارة ، وقرأ طلحة " ملح " بفتح الميم ، وكسر اللام { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } البرزخ الحاجز ، والحائل الذي جعله الله بينهما من قدرته يفصل بينهما ، ويمنعهما التمازج ، ومعنى { حِجْراً مَّحْجُوراً } ستراً مستوراً يمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر ، فالبرزخ الحاجز ، والحجز المانع . وقيل معنى { حِجْراً مَّحْجُوراً } هو ما تقدّم من أنها كلمة يقولها المتعوّذ ، كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ، ويقول له هذا القول ، وقيل حدًّا محدوداً . وقيل المراد من البحر العذب الأنهار العظام كالنيل والفرات وجيحون ، ومن البحر الأجاج البحار المشهورة ، والبرزخ بينهما الحائل من الأرض . وقيل معنى { حِجْراً مَّحْجُوراً } حراماً محرماً أن يعذب هذا المالح بالعذب ، أو يملح هذا العذب بالمالح ، ومثل هذه الآية قوله سبحانه في سورة الرحمٰن { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } الرحمٰن 19 ، 20 . ثم ذكر سبحانه حالة من أحوال خلق الإنسان والماء ، فقال { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } ، والمراد بالماء هنا ماء النطفة أي خلق من ماء النطفة إنساناً ، فجعله نسباً وصهراً ، وقيل المراد بالماء الماء المطلق الذي يراد في قوله { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَيْء حَيّ } الأنبياء 30 ، والمراد بالنسب هو الذي لا يحلّ نكاحه . قال الفراء ، والزجاج واشتقاق الصهر من صهرت الشيء إذا خلطته ، وسميت المناكح صهراً لاختلاط الناس بها . وقيل الصهر قرابة النكاح فقرابة الزوجة هم الأختان ، وقرابة الزوج هم الأحماء ، والأصهار تعمهما ، قاله الأصمعي . قال الواحدي قال المفسرون النسب سبعة أصناف من القرابة يجمعها قوله { حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ } إلى قوله { وَأُمَّهَـٰتُ نِسَائِكُمْ } النساء 23 ومن هنا إلى قوله { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } النساء 23 تحريم بالصهر ، وهو الخلطة التي تشبه القرابة ، حرم الله سبعة أصناف من النسب ، وسبعة من جهة الصهر ، قد اشتملت الآية المذكورة على ستة منها ، والسابعة قوله { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء } النساء 22 ، وقد جعل ابن عطية ، والزجاج ، وغيرهما الرضاع من جملة النسب ، ويؤيده قوله " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } أي بليغ القدرة عظيمها ، ومن جملة قدرته الباهرة خلق الإنسان ، وتقسيمه إلى القسمين المذكورين . وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظّلَّ } قال بعد الفجر قبل أن تطلع الشمس . وأخرج ابن أبي حاتم عنه بلفظ أَلَمْ تَرَ أنك إذا صليت الفجر كان بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلاً ، ثم بعث الله عليه الشمس دليلاً ، فقبض الظلّ . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال مدّ الظلّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس { وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً } قال دائماً { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } يقول طلوع الشمس { ثُمَّ قَبَضْنَـٰهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } قال سريعاً . وأخرج أهل السنن ، وأحمد ، وغيرهم من حديث أبي سعيد قال قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ، فقال " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " وفي إسناد هذا الحديث كلام طويل قد استوفيناه في شرحنا على المنتقى . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال ما من عام بأقلّ مطراً من عام ، ولكن الله يصرفه حيث يشاء ، ثم قرأ هذه الآية { وَلَقَدْ صَرَّفْنَـٰهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { وَجَـٰهِدْهُمْ بِهِ } قال بالقرآن . وأخرج ابن جرير عنه { هُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } يعني خلط أحدهما على الآخر ، فليس يفسد العذب المالح ، وليس يفسد المالح العذب . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } يقول حجر أحدهما عن الآخر بأمره وقضائه . وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن المغيرة قال سئل عمر بن الخطاب عن { نَسَباً وَصِهْراً } ، فقال ما أراكم إلا وقد عرفتم النسب ، وأما الصهر فالأختان والصحابة .