Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 105-135)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } أنث الفعل لكونه مسنداً إلى قوم ، وهو في معنى الجماعة ، أو الأمة ، أو القبيلة ، وأوقع التكذيب على المرسلين ، وهم لم يكذبوا إلاّ الرسول المرسل إليهم ، لأن من كذب رسولاً فقد كذب الرسل ، لأن كلّ رسول يأمر بتصديق غيره من الرسل . وقيل كذبوا نوحاً في الرسالة ، وكذبوه فيما أخبرهم به من مجيء المرسلين بعده . { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ } أي أخوهم من أبيهم ، لا أخوهم في الدين . وقيل هي أخوة المجانسة ، وقيل هو من قول العرب يا أخا بني تميم ، يريدون واحداً منهم { أَلاَ تَتَّقُونَ } أي ألا تتقون الله بترك عبادة الأصنام ، وتجيبون رسوله الذي أرسله إليكم ؟ { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي إني لكم رسول من الله أمين فيما أبلغكم عنه ، وقيل أمين فيما بينكم ، فإنهم كانوا قد عرفوا أمانته وصدقه { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } أي اجعلوا طاعة الله وقاية لكم من عذابه ، وأطيعون فيما آمركم به عن الله من الإيمان به وترك الشرك ، والقيام بفرائض الدين { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي ما أطلب منكم أجراًعلى تبليغ الرسالة ، ولا أطمع في ذلك منكم { إِنْ أَجْرِيَ } الذي أطلبه وأريده { إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي ما أجري إلاّ عليه ، وكرّر قوله { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } للتأكيد والتقرير في النفوس مع كونه علق كل واحد منهم بسبب ، وهو الأمانة في الأوّل ، وقطع الطمع في الثاني ، ونظيره قولك ألاّ تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيراً ؟ ألاّ تتقي الله في عقوقي وقد علمتك كبيراً ؟ وقدّم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته لأن تقوى الله علة لطاعته . { قَالُواْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأرْذَلُونَ } الاستفهام للإنكار أي كيف نتبعك ونؤمن لك ، والحال أن قد اتبعك الأرذلون ؟ وهم جمع أرذل ، وجمع التكسير أرذال ، والأنثى رذلى ، وهم الأقلون جاهاً ومالا ، والرذالة الخسة والذلة ، استرذلوهم لقلة أموالهم وجاههم ، أو لاتضاع أنسابهم . وقيل كانوا من أهل الصناعات الخسيسة ، وقد تقدم تفسير هذه الآيات في هود . وقرأ ابن مسعود ، والضحاك ، ويعقوب الحضرمي " وأتباعك الأرذلون " قال النحاس وهي قراءة حسنة ، لأن هذه الواو تتبعها الأسماء كثيراً ، وأتباع جمع تابع ، فأجابهم نوح بقوله { وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } كان زائدة ، والمعنى وما علمي بعملهم أي لم أكلف العلم بأعمالهم . إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان والإعتبار به ، لا بالحرف والصنائع والفقر والغنى ، وكأنهم أشاروا بقولهم { وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } إلى أن إيمانهم لم يكن عن نظر صحيح ، فأجابهم بهذا . وقيل المعنى إني لم أعلم أن الله سيهديهم ويضلكم . { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّي لَوْ تَشْعُرُونَ } أي ما حسابهم ، والتفتيش عن ضمائرهم وأعمالهم إلاّ على الله لو كنتم من أهل الشعور والفهم ، قرأ الجمهور { تشعرون } بالفوقية ، وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع والأعرج وأبو زرعة بالتحتية ، كأنه ترك الخطاب للكفار ، والتفت إلى الإخبار عنهم . قال الزجاج والصناعات لا تضرّ في باب الديانات ، وما أحسن ما قال { وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } هذا جواب من نوح على ما ظهر من كلامهم من طلب الطرد لهم { إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي ما أنا إلا نذير موضح لما أمرني الله سبحانه بإبلاغه إليكم ، وهذه الجملة كالعلة لما قبلها . { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰنُوحٌ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُرْجُومِينَ } أي إن لم تترك عيب ديننا وسبّ آلهتنا لتكونن من المرجومين بالحجارة . وقيل من المشتومين ، وقيل من المقتولين ، فعدلوا بعد تلك المحاورة بينهم وبين نوح إلى التجبر والتوعد ، فلما سمع نوح قولهم هذا ، قال { رَبّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } أي أصرّوا على تكذيبي ، ولم يسمعوا قولي ، ولا أجابوا دعائي { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً } الفتح الحكم أي احكم بيني وبينهم حكماً ، وقد تقدّم تحقيق معنى الفتح { وَنَجّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . فلما دعا ربه بهذا الدعاء استجاب له ، فقال { فَأَنجَيْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } أي السفينة المملوءة ، والشحن ملء السفينة بالناس ، والدوابّ ، والمتاع { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَـٰقِينَ } أي ثم أغرقنا بعد إنجائهم الباقين من قومه { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي علامة وعبرة عظيمة { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } كان زائدة عند سيبويه ، وغيره على ما تقدّم تحقيقه { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } أي القاهر لأعدائه ، الرحيم بأوليائه . { كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } أنث الفعل باعتبار إسناده إلى القبيلة ، لأن عاداً اسم أبيهم الأعلى . ومعنى تكذيبهم المرسلين مع كونهم لم يكذبوا إلا رسولاً واحداً قد تقدّم وجهه في قصة نوح قريباً { إِذ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } الكلام فيه كالكلام في قول نوح المتقدم قريباً ، وكذا قوله { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الكلام فيه كالذي قبله سواء { أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍ ءايَةً تَعْبَثُونَ } الريع المكان المرتفع من الأرض جمع ريعة ، يقال كم ريع أرضك ؟ أي كم ارتفاعها . قال أبو عبيدة الريع الارتفاع جمع ريعة . وقال قتادة ، والضحاك ، والكلبي الريع الطريق ، وبه قال مقاتل والسديّ . وإطلاق الريع على ما ارتفع من الأرض معروف عند أهل اللغة ، ومنه قول ذي الرمة @ طراق الخوافِي مشرف فوق ريعة بذي ليله في ريشه يترقرقُ @@ وقيل الريع الجبل ، واحده ريعة ، والجمع أرياع . وقال مجاهد هو الفجّ بين الجبلين ، وروي عنه أنه الثنية الصغيرة ، وروي عنه أيضاً أنه المنظرة . ومعنى الآية أنكم تبنون بكل مكان مرتفع علماً تعبثون ببنيانه ، وتلعبون بالمارة ، وتسخرون منهم ، لأنكم تشرفون من ذلك البناء المرتفع على الطريق ، فتؤذون المارة ، وتسخرون منهم . وقال الكلبي إنه عبث العشارين بأموال من يمرّ بهم حكاه الماوردي . قال ابن الأعرابي الريع الصومعة ، والريع البرج يكون في الصحراء ، والريع التلّ العالي ، وفي الريع لغتان كسر الراء وفتحها . { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ } المصانع هي الأبنية التي يتخذها الناس منازل . قال أبو عبيدة كل بناء مصنعة منه ، وبه قال الكلبي وغيره ، ومنه قول الشاعر @ تركن دارهم منهم قفارا وهدّمنا المصانع والبروجا @@ وقيل هي الحصون المشيدة ، قاله مجاهد ، وغيره ، وقال الزجاج إنها مصانع الماء التي تجعل تحت الأرض واحدتها مصنعة ومصنع ، ومنه قول لبيد @ بلينا وما تبلى النجوم الطوالع وتبقى الجبال بعدنا والمصانع @@ وليس في هذا البيت ما يدلّ صريحاً على ما قاله الزجاج ، ولكنه قال الجوهري المصنعة بضم النون الحوض يجمع فيه ماء المطر ، والمصانع الحصون . وقال عبد الرزاق المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العالية . ومعنى { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } راجين أن تخلدوا ، وقيل إن لعل هنا للاستفهام التوبيخي أي هل تخلدون ، كقولهم لعلك تشتمني أي هل تشتمني ؟ وقال الفراء كي تخلدوا ، لا تتفكرون في الموت . وقيل المعنى كأنكم باقون مخلدون . قرأ الجمهور { تخلدون } مخففاً . وقرأ قتادة بالتشديد . وحكى النحاس أن في بعض القراءات { كأنكم مخلدون } ، وقرأ ابن مسعود " كي تخلدوا " . { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } البطش السطوة والأخذ بالعنف . قال مجاهد وغيره البطش العسف قتلاً بالسيف ، وضرباً بالسوط . والمعنى فعلتم ذلك ظلماً ، وقيل هو القتل على الغضب قاله الحسن ، والكلبي . قيل والتقدير وإذا أردتم البطش ، لئلا يتحد الشرط ، والجزاء ، وانتصاب { جبارين } على الحال . قال الزجاج إنما أنكر عليهم ذلك لأنه ظلم ، وأما في الحق ، فالبطش بالسوط والسيف جائز . ثم لما وصفهم بهذه الأوصاف القبيحة الدالة على الظلم والعتوّ والتمرّد والتجبر أمرهم بالتقوى ، فقال { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } أجمل التقوى ثم فصلها بقوله { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَـٰمٍ وَبَنِينَ } ، وأعاد الفعل للتقرير والتأكيد { وَجَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } أي بساتين ، وأنهار وأبيار . ثم وعظهم وحذرهم فقال { إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } إن كفرتم ، وأصررتم على ما أنتم فيه ولم تشكروا هذه النعم ، والمراد بالعذاب العظيم الدنيوي والأخروي . وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس { قَالُواْ أَنُؤْمِنُ لَكَ } أي أنصدّقك ؟ . وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { وَٱتَّبَعَكَ ٱلأرْذَلُونَ } قال الحوّاكون . وأخرج أيضاً عن قتادة قال سفلة الناس ، وأراذلهم . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } قال الممتلىء . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، أنه قال « أتدرون ما المشحون ؟ قلنا لا ، قال هو الموقر » . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال هو المثقل . وأخرج ابن جرير عنه أيضاً { بِكُلّ رِيعٍ } قال طريق { ءَايَةً } قال علماً { تَعْبَثُونَ } قال تلعبون . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً { بِكُلّ رِيعٍ } قال شرف . وأخرجوا أيضاً عنه { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } قال كأنكم تخلدون . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً { جَبَّارِينَ } قال أقوياء .