Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 136-159)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي وعظك ، وعدمه { سَوَآء } عندنا لا نبالي بشيء منه ، ولا نلتفت إلى ما تقوله . وقد روى العباس عن أبي عمرو ، وروى بشر عن الكسائي { أَوَعَظْتَ } بإدغام الظاء في التاء ، وهو بعيد ، لأن حرف الظاء حرف إطباق إنما يدغم فيما قرب منه جدًّا ، وروى ذلك عن عاصم والأعمش وابن محيصن . وقرأ الباقون بإظهار الظاء { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } أي ما هذا الذي جئتنا به ، ودعوتنا إليه من الدين إلاّ خلق الأوّلين أي عادتهم التي كانوا عليها . وقيل المعنى ما هذا الذي نحن عليه إلاّ خلق الأوّلين وعادتهم ، وهذا بناء على ما قاله الفراء ، وغيره إن معنى { خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } عادة الأوّلين . قال النحاس خلق الأوّلين عند الفراء بمعنى عادة الأوّلين . وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد قال { خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } مذهبهم ، وما جرى عليه أمرهم . والقولان متقاربان . قال وحكى لنا محمد بن يزيد أن معنى { خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } تكذيبهم . قال مقاتل قالوا ما هذا الذي تدعونا إليه إلاّ كذب الأوّلين . قال الواحدي وهو قول ابن مسعود ومجاهد . قال والخلق والاختلاق الكذب ، ومنه قوله { وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } العنكبوت 17 . قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب " خلق الأوّلين " بفتح الخاء ، وسكون اللام . وقرأ الباقون بضم الخاء ، واللام . قال الهروي معناه على القراءة الأولى اختلاقهم ، وكذبهم . وعلى القراءة الثانية عادتهم ، وهذا التفصيل لا بدّ منه . قال ابن الأعرابي الخلق الدين ، والخلق الطبع ، والخلق المروءة . وقرأ أبو قلابة بضم الخاء ، وسكون اللام ، وهي تخفيف لقراءة الضم لهما ، والظاهر أن المراد بالآية هو قول من قال ما هذا الذي نحن عليه إلا عادة الأوّلين وفعلهم ، ويؤيده قولهم { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } أي على ما نفعل من البطش ، ونحوه مما نحن عليه الآن . { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } أي بالريح كما صرح القرآن في غير هذا الموضع بذلك { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } تقدّم تفسير هذا قريباً في هذه السورة . ثم لما فرغ سبحانه من ذكر قصة هود وقومه ، ذكر قصة صالح وقومه ، وكانوا يسكنون الحجر ، فقال { كَذَّبَتْ ثَمُودُ } إلى قوله { إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قد تقدّم تفسيره في قصة هود المذكورة قبل هذه القصة . { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا ءامِنِينَ } الاستفهام للإنكار . أي أتتركون في هذه النعم التي أعطاكم الله آمنين من الموت والعذاب باقين في الدنيا . ولما أبهم النعم في هذا فسرها بقوله { فِي جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } ، والهضيم النضيح الرخص اللين اللطيف ، والطلع ما يطلع من الثمر ، وذكر النخل مع دخوله تحت الجنات لفضله على سائر الأشجار ، وكثيراً ما يذكرون الشيء الواحد بلفظ يعمه وغيره كما يذكرون النعم ولا يقصدون إلاّ الإبل ، وهكذا يذكرون الجنة ، ولا يريدون إلاّ النخل . قال زهير @ كأن عيني في غربي مقبلة من النواضح تسقي جنة سحقاً @@ وسحقاً جمع سحوق ، ولا يوصف به إلاّ النخل . وقيل المراد بالجنات غير النخل من الشجر ، والأوّل أولى . وحكى الماوردي في معنى { هضيم } اثني عشر قولاً ، أحسنها وأوفقها للغة ما ذكرناه . { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَـٰرِهِينَ } النحت النجر ، والبري ، نحته ينحته بالكسر براه . والنحاتة البراية ، وكانوا ينحتون بيوتهم من الجبال لما طالت أعمارهم وتهدّم بناؤهم من المدر . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن ذكوان { فرهين } بغير ألف . وقرأ الباقون { فارهين } بالألف . قال أبو عبيدة وغيره وهما بمعنى واحد . والفره النشاط ، وفرّق بينهما أبو عبيد وغيره فقالوا { فارهين } حاذقين بنحتها ، وقيل متجبرين ، و " فرهين " بطرين أشرين ، وبه قال مجاهد ، وغيره . وقيل شرهين . وقال الضحاك كيسين . وقال قتادة معجبين ناعمين آمنين ، وبه قال الحسن . وقيل فرحين ، قاله الأخفش . وقال ابن زيد أقوياء { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } أي المشركين ، وقيل الذين عقروا الناقة ، ثم وصف هؤلاء المسرفين بقوله . { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى ٱلأرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي ذلك دأبهم يفعلون الفساد في الأرض ، ولا يصدر منهم الصلاح ألبتة { قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } أي الذين أصيبوا بالسحر قاله مجاهد ، وقتادة . وقيل المسحر هو المعلل بالطعام والشراب قاله الكلبي ، وغيره ، فيكون المسحر الذي له سحر ، وهو الرئة ، فكأنهم قالوا إنما أنت بشر مثلنا تأكل وتشرب . قال الفراء أي إنك تأكل الطعام والشراب ، وتسحر به ، ومنه قول امرىء القيس أو لبيد @ فإن تسألينا فيم نحن ؟ فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر @@ وقال امرؤ القيس أيضاً @ أرانا موضعين لحتم غيب ونسحر بالطعام وبالشراب @@ قال المؤرّج المسحر المخلوق بلغة ربيعة . { مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا فَأْتِ بِـئَايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في قولك ، ودعواك { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ } الله { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } أي لها نصيب من الماء ، ولكم نصيب منه معلوم ، ليس لكم أن تشربوا في اليوم الذي هو نصيبها ، ولا هي تشرب في اليوم الذي هو نصيبكم . قال الفراء الشرب الحظ من الماء . قال النحاس فأما المصدر ، فيقال فيه شرب شِرباً ، وشُرباً ، وأكثرها المضموم ، والشرب بفتح الشين جمع شارب ، والمراد هنا الشرب بالكسر ، وبه قرأ الجمهور فيهما ، وقرأ ابن أبي عبلة بالضم فيهما { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي لا تمسوها بعقر ، أو ضرب ، أو شيء مما يسوؤها ، وجواب النهي فيأخذكم { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَـٰدِمِينَ } على عقرها ، لما عرفوا أن العذاب نازل بهم ، وذلك أنه أنظرهم ثلاثاً ، فظهرت عليهم العلامة في كلّ يوم ، وندموا حيث لا ينفع الندم ، لأن ذلك لا يجدي عند معاينة العذاب وظهور آثاره . { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } الذي وعدهم به . وقد تقدّم تفسير قوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } في هذه السورة ، وتقدّم أيضاً تفسير قصة صالح وقومه في غير هذه السورة . وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } قال معشب . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال أينع وبلغ . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال أرطب واسترخى . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { فَـرِهِينَ } قال حاذقين . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال { فَـرِهِينَ } أشرين . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال شرهين . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس في قوله { إِنَّمَا أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } قال من المخلوقين ، وأنشد قول لبيد بن ربيعة @ فإن تسألينا فيم نحن … … البيت @@ وأخرج عبد بن حميد عنه أيضاً في قوله { لَّهَا شِرْبٌ } قال إذا كان يومها أصدر لها لبناً ما شاؤوا .