Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 33-43)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما سمع موسى قول الله سبحانه { فَذَانِكَ بُرْهَانَـٰنِ مِن رَّبِّك إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } طلب منه سبحانه أن يقوّي قلبه ، فقال { رَبّ إِنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً } يعني القبطي الذي وكزه فقضى عليه { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } بها . { وَأَخِى هَـارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّي لِسَاناً } لأنه كان في لسان موسى حبسة كما تقدّم بيانه ، والفصاحة لغةً الخلوص ، يقال فصح اللبن ، وأفصح فهو فصيح ، أي خلص من الرغوة ، ومنه فصح الرجل جادت لغته ، وأفصح تكلم بالعربية . وقيل الفصيح الذي ينطق ، والأعجم الذي لا ينطق . وأما في اصطلاح أهل البيان فالفصاحة خلوص الكلمة عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس . وفصاحة الكلام خلوصه من ضعف التأليف ، والتعقيد . وانتصاب { رِدْءاً } على الحال ، والردء المعين ، من أردأته ، أي أعنته ، يقال فلان ردء فلان إذا كان ينصره ، ويشدّ ظهره ، ومنه قول الشاعر @ ألم تر أن أصرم كان ردئي وخير الناس في قلّ ومال @@ وحذفت الهمزة تخفيفاً في قراءة نافع ، وأبي جعفر ، ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم أردى على المائة إذا زاد عليها ، فكان المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي ، ومنه قول الشاعر @ وأسمر خطياً كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذراعاً على العشر @@ وروي البيت في الصحاح بلفظ قد أربى ، والقسب الصلب ، وهو الثمر اليابس الذي يتفتت في الفم ، وهو صلب النواة . { يُصَدّقُنِي } قرأ عاصم وحمزة { يصدقني } بالرفع على الاستئناف ، أو الصفة لـ { ردءاً } ، أو الحال من مفعول أرسله ، وقرأ الباقون بالجزم على جواب الأمر ، وقرأ أبي وزيد بن عليّ " يصدقون " أي فرعون وملؤه { إِنّي أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ } إذا لم يكن معي هارون لعدم انطلاق لساني بالمحاجة . { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } أي نقويك به ، فشدّ العضد كناية عن التقوية ، ويقال في دعاء الخير شدّ الله عضدك ، وفي ضدّه فتّ الله في عضدك . قرأ الجمهور { عضُدك } بفتح العين . وقرأ الحسين وزيد ابنا عليّ بضمها . وروي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بضمة وسكون . وقرأ عيسى بن عمر بفتحهما . { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَـٰناً } أي حجة وبرهاناً ، أو تسلطاً عليه ، وعلى قومه { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } بالأذى ولا يقدرون على غلبتكما بالحجة ، و { بِـئَايَـٰتِنَا } متعلق بمحذوف ، أي تمتنعان منهم بآياتنا ، أو اذهبا بآياتنا . وقيل الباء للقسم ، وجوابه { يصلون } وما أضعف هذا القول . وقال الأخفش وابن جرير في الكلام تقديم ، وتأخير ، والتقدير { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ } بآياتنا ، وأوّل هذه الوجوه أولاها ، وفي { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ } تبشير لهما ، وتقوية لقلوبهما . { فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا بَيّنَـٰتٍ } البينات الواضحات الدلالة ، وقد تقدّم وجه إطلاق الآيات ، وهي جمع على العصا ، واليد في سورة طه { قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } أي مختلق مكذوب اختلقته من قبل نفسك { وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } الذي جئت به من دعوى النبوّة ، أو ما سمعنا بهذا السحر { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } أي كائناً ، أو واقعاً في آبائنا الأوّلين . { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ } يريد نفسه ، وإنما جاء بهذه العبارة لئلا يصرّح لهم بما يريده قبل أن يوضح لهم الحجة ، والله أعلم . قرأ الجمهور { وقال موسىٰ } بالواو ، وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن " قال موسىٰ " بلا واو ، وكذلك هو في مصاحف أهل مكة . وقرأ الكوفيون إلا عاصماً " ومن يكون عاقبة الدار " بالتحتية على أن اسم يكون عاقبة الدار . والتذكير لوقوع الفصل ولأنه تأنيث مجازي ، وقرأ الباقون { تكون } بالفوقية ، وهي أوضح من القراءة الأولى ، والمراد بالدار هنا الدنيا ، وعاقبتها هي الدار الآخرة ، والمعنى لمن تكون له العاقبة المحمودة ، والضمير في { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } للشأن أي إن الشأن أنه لا يفلح الظالمون أي لا يفوزون بمطلب خير ، ويجوز أن يكون المراد بعاقبة الدار خاتمة الخير . وقال فرعون { يٰأَيُّهَا ٱلْملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } تمسك اللعين بمجرّد الدعوى الباطلة مغالطة لقومه منه ، وقد كان يعلم أنه ربه الله عزّ وجلّ ، ثم رجع إلى تكبره ، وتجبره ، وإيهام قومه بكمال اقتداره فقال { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ } أي اطبخ لي الطين حتى يصير آجرًّا { فَٱجْعَل لّي صَرْحاً } أي اجعل لي من هذا الطين الذي توقد عليه حتى يصير آجرًّا صرحاً ، أي قصراً عالياً { لَّعَلّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } أي أصعد إليه { وَإِنّى لأظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } والطلوع والإطلاع واحد ، يقال طلع الجبل واطلع { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } المراد بالأرض أرض مصر ، والاستكبار التعظم بغير استحقاق ، بل بالعدوان لأنه لم يكن له حجة يدفع بها ما جاء به موسى ، ولا شبهة ينصبها في مقابلة ما أظهره من المعجزات { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } أي فرعون ، وجنوده ، والمراد بالرجوع البعث والمعاد . قرأ نافع ، وشيبة وابن محيصن وحميد ويعقوب وحمزة والكسائي " لاَ يَرْجِعُونَ " بفتح الياء وكسر الجيم مبنياً للفاعل . وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الجيم مبنياً للمفعول ، واختار القراءة الأولى أبو حاتم ، واختار القراءة الثانية أبو عبيد . { فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ } بعد أن عتوا في الكفر ، وجاوزوا الحدّ فيه { فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِي ٱلْيَمّ } أي طرحناهم في البحر ، وقد تقدّم بيان الكلام في هذا { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أي انظر يا محمد كيف كان آخر أمر الكافرين حين صاروا إلى الهلاك ؟ { وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } أي صيرناهم رؤساء متبوعين مطاعين في الكافرين ، فكأنهم بإصرارهم على الكفر والتمادي فيه يدعون أتباعهم إلى النار لأنهم اقتدوا وسلكوا طريقتهم تقليداً لهم . وقيل المعنى إنه يأتمّ بهم أي يعتبر بهم من جاء بعدهم ، ويتعظ بما أصيبوا به ، والأول أولى { وَيَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ لاَ يُنصَرُونَ } أي لا ينصرهم أحد ولا يمنعهم مانع من عذاب الله { وَأَتْبَعْنَـٰهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } أي طرداً وإبعاداً ، أو أمرنا العباد بلعنهم ، فكل من ذكرهم لعنهم ، والأوّل أولى . { وَيَوْمَ القِيَـٰمَةِ هُمْ مّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } المقبوح المطرود المبعد . وقال أبو عبيدة وابن كيسان معناه من المهلكين الممقوتين . وقال أبو زيد قبح الله فلاناً قبحاً وقبوحاً أبعده من كل خير . قال أبو عمرو قبحت وجهه بالتخفيف بمعنى قبحت بالتشديد ، ومثله قول الشاعر @ ألا قبح الله البراجم كلها وقبح يربوعاً وقبح دارما @@ وقيل المقبوح المشوّه الخلقة ، والعامل في يوم محذوف يفسره من المقبوحين ، والتقدير وقبحوا يوم القيامة . أو هو معطوف على موضع في هذه الدنيا ، أي وأتبعناهم لعنة يوم القيامة ، أو معطوف على لعنة على حذف مضاف ، أي ولعنة يوم القيامة . { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني التوراة { مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأَولَىٰ } أي قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم . وقيل من بعد ما أهلكنا فرعون وقومه وخسفنا بقارون . وانتصاب { بَصَائِرَ للنَّاسِ } على أنه مفعول له أو حال ، أي آتيناه الكتاب لأجل يتبصر به الناس ، أو حال كونه بصائر للناس يبصرون به الحق ويهتدون إليه وينقذون أنفسهم به من الضلالة بالاهتداء به . { وَرَحْمَةً } لهم من الله رحمهم بها { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } هذه النعم ، فيشكرون الله ، ويؤمنون به ، ويجيبون داعيه إلى ما فيه خير لهم . وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس { رِدْءاً يُصَدّقُنِي } كي يصدقني . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال لما قال فرعون { يٰأَيُّهَا ٱلْملأَ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } قال جبريل يا ربّ طغى عبدك فائذن لي في هلكه ، فقال يا جبريل هو عبدي ، ولن يسبقني ، له أجل قد أجلته حتى يجيء ذلك الأجل ، فلما قال { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } قال الله يا جبريل سبقت دعوتك في عبدي وقد جاء أوان هلاكه . وأخرج ابن مردويه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلمتان قالهما فرعون { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } وقوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } النازعات 24 " قال " كان بينهما أربعون عاماً { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } " النازعات 25 . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال بلغني أن فرعون أوّل من طبخ الآجرّ . وأخرجه ابن المنذر عن ابن جريج . وأخرج البزار وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أهلك الله قوماً ولا قرناً ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخت قردة ، ألم تر إلى قوله { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ } " وأخرجه البزار وابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سعيد موقوفاً .