Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 44-57)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيّ } هذا شروع في بيان إنزال القرآن ، أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربيّ ، فيكون من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، واختاره الزجاج . وقال الكلبي بجانب الوادي الغربيّ ، أي حيث ناجى موسى ربه { إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى ٱلأًمْرَ } أي عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه { وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } لذلك حتى تقف على حقيقته ، وتحكيه من جهة نفسك . وإذا تقرّر أن الوقوف على تفاصيل تلك الأحوال لا يمكن أن يكون بالحضور عندها من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشاهدة لها منه ، وانتفى بالأدلة الصحيحة أنه لم يتلقّ ذلك من غيره من البشر ، ولا علمه معلم منهم كما قدّمنا تقريره ، تبين أنه من عند الله سبحانه بوحي منه إلى رسوله بواسطة الملك النازل بذلك ، فهذا الكلام هو على طريقة { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } آل عمران 44 وقيل معنى { إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } إذ كلفناه وألزمناه . وقيل أخبرناه أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم ، ولا يستلزم نفي كونه بجانب الغربي نفي كونه من الشاهدين ، لأنه يجوز أن يحضر ولا يشهد . قيل المراد بالشاهدين السبعون الذين اختارهم موسى للميقات . { وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً } أي خلقنا أمماً بين زمانك يا محمد وزمان موسى { فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } طالت عليهم المهلة وتمادى عليهم الأمد فتغيرت الشرائع والأحكام وتنوسيت الأديان فتركوا أمر الله ، ونسوا عهده ، ومثله قوله سبحانه { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } الحديد 16 ، وقد استدلّ بهذا الكلام على أن الله سبحانه قد عهد إلى موسى عهوداً في محمد صلى الله عليه وسلم وفي الإيمان به فلما طال عليهم العمر ، ومضت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود ، وتركوا الوفاء بها { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِى أَهْلِ مَدْيَنَ } أي مقيماً بينهم كما أقام موسى حتى تقرأ على أهل مكة خبرهم وتقصّ عليهم من جهة نفسك . يقال ثوى يثوي ثواء وثويا فهو ثاوٍ . قال ذو الرمة @ لقد كان في حول ثواء ثويته تقضي لبانات ويسأم سائم @@ وقال العجاج @ فبات حيث يدخل الثوّى @@ يعني الضيف المقيم . وقال آخر @ طال الثواء على رسوم المنزل @@ { تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِنَا } أي تقرأ على أهل مدين آياتنا ، وتتعلم منهم ، وقيل تذكرهم بالوعد والوعيد ، والجملة في محل نصب على الحال أو خبر ثان ، ويجوز أن تكون هذه الجملة هي الخبر ، و { ثاوياً } حال . وجعلها الفراء مستأنفة كأنه قيل وها أنت تتلو على أمتك { وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } أي أرسلناك إلى أهل مكة ، وأنزلنا عليك هذه الأخبار ، ولولا ذلك لما علمتها . قال الزجاج المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء ، ولا تليت عليك ، ولكنا أوحيناها إليك وقصصناها عليك . { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل المسمى بالطور إذ نادينا موسى لما أتى إلى الميقات مع السبعين . وقيل المنادى هو أمة محمد صلى الله عليه وسلم . قال وهب وذلك أن موسى لما ذكر الله له فضل محمد ، وأمته قال يا رب أرنيهم ، فقال الله إنك لن تدركهم ، وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم ، قال بلى يا ربّ ، فقال الله يا أمة محمد ، فأجابوا من أصلاب آبائهم ، فيكون معنى الآية على هذا ما كنت يا محمد بجانب الطور إذ كلمنا موسى ، فنادينا أمتك ، وسيأتي ما يدلّ على هذا ويقوّيه ويرجحه في آخر البحث إن شاء الله { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ } أي ولكن فعلنا ذلك رحمة منا بكم ، وقيل ولكن أرسلنا بالقرآن رحمة لكم ، وقيل علمناك . وقيل عرفناك . قال الأخفش هو منصوب يعني رحمة ، على المصدر ، أي ولكن رحمناك رحمة . وقال الزجاج هو مفعول من أجله ، أي فعلنا ذلك بك لأجل الرحمة . قال النحاس أي لم تشهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك ، ولكن بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة . وقال الكسائي هو خبر لكان مقدّرة ، أي ولكن كان ذلك رحمة ، وقرأ عيسى بن عمر ، وأبو حيوة " رحمة " بالرفع على تقدير ولكن أنت رحمة . وقال الكسائي الرفع على أنها اسم كان المقدّرة ، وهو بعيد إلاّ على تقدير أنها تامة ، واللام في { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَـٰهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } متعلق بالفعل المقدّر على الاختلاف في تقديره . والقوم هم أهل مكة ، فإنه لم يأتهم نذير ينذرهم قبله صلى الله عليه وسلم ، وجملة { ما أتاهم } إلخ ، صفة لـ { قوماً } ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي يتعظون بإنذارك . { وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } لولا هذه هي الامتناعية ، وأن وما في حيزها في موضع رفع بالابتداء وجوابها محذوف . قال الزجاج وتقديره ما أرسلنا إليهم رسلاً يعني أن الحامل على إرسال الرسل هو إزاحة عللهم ، فهو كقوله سبحانه { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } النساء 165 وقدّره ابن عطية لعاجلناهم بالعقوبة ، ووافقه على هذا التقدير الواحدي فقال والمعنى لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم ، وقوله { فَيَقُولُواْ } عطف على تصيبهم ، ومن جملة ما هو في حيز لولا ، أي فيقولوا { رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } ولولا هذه الثانية هي التحضيضية أي هلا أرسلت إلينا رسولاً من عندك ، وجوابها هو { فَنَتَّبِعَ ءَايَـٰتِكَ } وهو منصوب بإضمار أن لكونه جواباً للتحضيض ، والمراد بالآيات الآيات التنزيلية الظاهرة الواضحة ، وإنما عطف القول على تصيبهم لكونه هو السبب للإرسال ، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها هي السبب لإرسال الرسل بواسطة القول { وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بهذه الآيات ، ومعنى الآية أنا لو عذبناهم لقالوا طال العهد بالرسل ، ولم يرسل الله إلينا رسولاً ، ويظنون أن ذلك عذر لهم ولا عذر لهم بعد أن بلغتهم أخبار الرسل ، ولكنا أكملنا الحجة وأزحنا العلة وأتممنا البيان بإرسالك يا محمد إليهم . { فَلَمَّا جَاءهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ } أي فلما جاء أهل مكة الحقّ من عند الله ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أنزل عليه من القرآن قالوا تعنتاً منهم وجدالاً بالباطل هلا أوتي هذا الرسول مثل ما أوتي موسى من الآيات التي من جملتها التوراة المنزلة عليه جملة واحدة ؟ فأجاب الله عليهم بقوله { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } أي من قبل هذا القول ، أو من قبل ظهور محمد والمعنى أنهم قد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد ، وجملة { قَالُواْ سِاحْرَانِ تَظَـٰهَرَا } مستأنفة مسوقة لتقرير كفرهم ، وعنادهم ، والمراد بقولهم { ساحران } موسى ومحمد ، والتظاهر التعاون ، أي تعاونا على السحر ، والضمير في قوله { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ } لكفار قريش ، وقيل هو لليهود ، والأوّل أولى ، فإن اليهود لا يصفون موسى بالسحر إنما يصفه بذلك كفار قريش وأمثالهم إلاّ أن يراد من أنكر نبوّة موسى كفرعون وقومه ، فإنهم وصفوا موسى وهارون بالسحر ، ولكنهم ليسوا من اليهود ويمكن أن يكون الضمير لمن كفر بموسى ومن كفر بمحمد ، فإن الذين كفروا بموسى وصفوه بالسحر ، والذين كفروا بمحمد وصفوه أيضاً بالسحر . وقيل المعنى أولم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبله بالبشارة بعيسى ومحمد . قرأ الجمهور { ساحران } وقرأ الكوفيون { سحران } يعنون التوراة والقرآن . وقيل الإنجيل والقرآن . قال بالأوّل الفراء ، وقال بالثاني أبو زيد . وقيل إن الضمير في { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ } لليهود ، وأنهم عنوا بقولهم { ساحران } عيسى ومحمداً . { وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلّ كَـٰفِرُونَ } أي بكلّ من موسى ومحمد ، أو من موسى وهارون ، أو من موسى وعيسى على اختلاف الأقوال ، وهذا على قراءة الجمهور ، وأما على القراءة الثانية فالمراد التوراة والقرآن أو الإنجيل والقرآن . وفي هذه الجملة تقرير لما تقدّمها من وصف النبيين بالسحر ، أو من وصف الكتابين به وتأكيد لذلك . ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يقول لهم قولاً يظهر به عجزهم ، فقال { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَـٰبٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ } أي قل لهم يا محمد فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة والقرآن ، و { أتبعه } جواب الأمر ، وقد جزمه جمهور القراء لذلك . وقرأ زيد ابن عليّ برفع " أَتَّبِعْهُ " على الاستئناف ، أي فأنا أتبعه . قال الفراء إنه على هذه القراءة صفة للكتاب ، وفي هذا الكلام تهكم به . وفيه أيضاً دليل على أن قراءة الكوفيين أقوى من قراءة الجمهور لأنه رجع الكلام إلى الكتابين لا إلى الرسولين ، ومعنى { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } إن كنتم فيما وصفتم به الرسولين أو الكتابين صادقين . { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } أي لم يفعلوا ما كلفتهم به من الإتيان بكتاب هو أهدى من الكتابين ، وجواب الشرط { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ } أي آراءهم الزائغة واستحساناتهم الزائفة بلا حجة ، ولا برهان ، وقيل المعنى فإن لم يستجيبوا لك بالإيمان بما جئت به ، وتعدية { يستجيبوا } باللام هو أحد الجائزين { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ٱللَّهِ } أي لا أحد أضلّ منه ، بل هو الفرد الكامل في الضلال { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } لأنفسهم بالكفر وتكذيب الأنبياء والإعراض عن آيات الله . { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ } قرأ الجمهور { وصلنا } بتشديد الصاد ، وقرأ الحسن بتخفيفها ، ومعنى الآية أتبعنا بعضه بعضاً وبعثنا رسولاً بعد رسول . وقال أبو عبيدة والأخفش معناه أتممنا . وقال ابن عيينة ، والسديّ بينا . وقال ابن زيد وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا ، والأولى أولى ، وهو مأخوذ من وصل الحبال بعضها ببعض ، ومنه قول الشاعر @ قل لبني مروان ما بال ذمتي بحبل ضعيف لا تزال توصل @@ وقال امرؤ القيس @ يقلب كفيه بخيط موصل @@ والضمير في { لهم } عائد إلى قريش . وقيل إلى اليهود . وقيل للجميع { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فيكون التذكر سبباً لإيمانهم مخافة أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم . { ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِ } أي من قبل القرآن ، والموصول مبتدأ ، وخبره { هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } أخبر سبحانه أن طائفة من بني إسرائيل آمنوا بالقرآن كعبد الله بن سلام وسائر من أسلم من أهل الكتاب ، وقيل الضمير في { مِن قَبْلِهِ } يرجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، والأوّل أولى . والضمير في { به } راجع إلى القرآن على القول الأوّل ، وإلى محمد على القول الثاني . { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ } أي وإذا يتلى القرآن عليهم قالوا صدّقنا به { إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّنَا } أي الحق الذي نعرفه المنزل من ربنا { إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } أي مخلصين لله بالتوحيد ، أو مؤمنين بمحمد وبما جاء به لما نعلمه من ذكره في التوراة والإنجيل من التبشير به ، وأنه سيبعث آخر الزمان وينزل عليه القرآن ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكََ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } إلى الموصوفين بتلك الصفات ، والباء في { بِمَا صَبَرُواْ } للسببية أي بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمان بالكتاب الأول والكتاب الآخر ، وبالنبيّ الأوّل والنبيّ الآخر { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيّئَةَ } الدرء الدفع ، أي يدفعون بالاحتمال والكلام الحسن ما يلاقونه من الأذى . وقيل يدفعون بالطاعة المعصية . وقيل بالتوبة ، والاستغفار ، من الذنوب . وقيل بشهادة أن لا إلٰه إلاّ الله الشرك { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } أي ينفقون أموالهم في الطاعات وفيما أمر به الشرع . ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو ، فقال { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } تكرّماً وتنزّهاً وتأدّباً بآداب الشرع ، ومثله قوله سبحانه { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } الفرقان 72 واللغو هنا هو ما يسمعونه من المشركين من الشتم لهم ولدينهم والاستهزاء بهم { وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } لا يلحقنا من ضرر كفركم شيء ، ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } ليس المراد بهذا السلام سلام التحية ولكن المراد به سلام المتاركة ومعناه أمنة لكم منا وسلامة ، لا نجاريكم ولا نجاوبكم فيما أنتم فيه . قال الزجاج وهذا قبل الأمر بالقتال { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَـٰهِلِينَ } أي لا نطلب صحبتهم . وقال مقاتل لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه . وقال الكلبي لا نحبّ دينكم الذي أنتم عليه . { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } من الناس ، وليس ذلك إليك { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } هدايته { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي القابلين للهداية المستعدّين لها ، وهذه الآية نزلت في أبي طالب كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، وقد تقدّم ذلك في براءة . قال الزجاج أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب ، وقد تقرّر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فيدخل في ذلك أبو طالب دخولاً أولياً . { وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } أي قال مشركو قريش ، ومن تابعهم إن ندخل في دينك يا محمد نتخطف من أرضنا ، أي يتخطفنا العرب من أرضنا يعنون مكة ولا طاقة لنا بهم ، وهذا من جملة أعذارهم الباطلة ، وتعللاتهم العاطلة ، والتخطف في الأصل هو الانتزاع بسرعة . قرأ الجمهور { نتخطف } بالجزم جواباً للشرط ، وقرأ المنقري بالرفع على الاستئناف . ثم ردّ الله ذلك عليهم ردًّا مصدّراً باستفهام التوبيخ والتقريع فقال { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } أي ألم نجعل لهم حرماً ذا أمن ؟ قال أبو البقاء عدّاه بنفسه لأنه بمعنى جعل كما صرّح بذلك في قوله { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً } العنكبوت 67 ، ثم وصف هذا الحرم بقوله { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء } أي تجمع إليه الثمرات على اختلاف أنواعها من الأراضي المختلفة وتحمل إليه . قرأ الجمهور { يجبى } بالتحتية اعتباراً بتذكير كل شيء ووجود الحائل بين الفعل وبين ثمرات ، وأيضاً ليس تأنيث ثمرات بحقيقيّ ، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد لما ذكرنا ، وقرأ نافع بالفوقية اعتباراً بثمرات . وقرأ الجمهور أيضاً { ثمرات } بفتحتين ، وقرأ { أبان } بضمتين ، جمع ثمر بضمتين ، وقرىء بفتح الثاء وسكون الميم { رّزْقاً مّن لَّدُنَّا } منتصب على المصدرية لأن معنى { يجبى } نرزقهم ، ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول له لفعل محذوف ، أي نسوقه إليهم رزقاً من لدنا ، ويجوز أن ينتصب على الحال ، أي رازقين { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } لفرط جهلهم ومزيد غفلتهم وعدم تفكرهم في أمر معادهم ورشادهم لكونهم ممن طبع الله على قلبه ، وجعل على بصره غشاوة . وقد أخرج الفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن أبي هريرة في قوله { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } قال نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، واستجبت لكم قبل أن تدعوني . وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعاً . وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عنه من وجه آخر بنحوه . وأخرج ابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، وأبو نصر السجزي في الإبانة ، والديلمي عن عمرو بن عبسة قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } ما كان النداء ، وما كانت الرحمة ؟ قال " كتبه الله قبل أن يخلق خلقه بألفي عام ، ثم وضعه على عرشه ، ثم نادى يا أمة محمد ، سبقت رحمتي غضبي ، أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إلٰه إلاّ الله وأن محمداً عبدي ورسولي صادقاً ، أدخلته الجنة " وأخرج الختلي في الديباج عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعاً مثله . وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن حذيفة في قوله { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } مرفوعاً ، قال " نودوا يا أمة محمد ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم ، ولا سألتمونا إذ أعطيناكم " وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعاً " إن الله نادى يا أمة محمد أجيبوا ربكم " ، قال " فأجابوا وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم إلى يوم القيامة فقالوا لبيك ، أنت ربنا حقاً ونحن عبيدك حقاً ، قال صدقتم أنا ربكم وأنتم عبيدي حقاً ، قد عفوت عنكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إلٰه إلاّ الله دخل الجنة " وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الهالك في الفترة يقول ربّ لم يأتني كتاب ولا رسول " ، ثم قرأ هذه الآية { رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَـٰهَرَا } إلخ . قال هم أهل الكتاب { إِنَّا بِكُلّ كَـٰفِرُونَ } يعني بالكتابين التوراة والفرقان . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو القاسم البغوي والباوردي وابن قانع الثلاثة في معاجم الصحابة ، والطبراني وابن مردويه بسندٍ جيد عن رفاعة القرظي قال نزلت { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } إلى قوله { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } في عشرة رهط أنا أحدهم . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } قال يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين رجل من أهل الكتاب آمن بالكتاب الأوّل والآخر ، ورجل كانت له أمة ، فأدّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوّجها ، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ، ونصح لسيده " وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث المسيب ومسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن قوله { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } نزلت في أبي طالب لما امتنع من الإسلام . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن ناساً من قريش قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم إن نتبعك يتخطفنا الناس ، فنزلت { وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ } الآية . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء } قال ثمرات الأرض .