Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 10-13)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المراد بـ { الذين كفروا } جنس الكفرة . وقيل وفد نجران ، وقيل قريظة ، وقيل النضير ، وقيل مشركو العرب . وقرأ السلمي " لن يُغني " بالتحتية ، وقرأ الحسن بكون الياء الآخرة تخفيفاً . قوله { مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي من عذابه شيئاً من الإغناء ، وقيل إن كلمة من بمعنى عند ، أي لا تغني عند الله شيئاً قاله أبو عبيد ، وقيل هي بمعنى بدل . والمعنى بدل رحمة الله ، وهو بعيد . قوله { وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } الوقود اسم للحطب ، وقد تقدم الكلام عليه في سورة البقرة ، أي هم حطب جهنم الذي تسعر به ، وهم مبتدأ ، ووقود خبره ، والجملة خبر أولئك ، أو هم ضمير فصل ، وعلى التقديرين ، فالجملة مستأنفة مقرّرة لقوله { لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ } الآية . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وطلحة بن مصرف " وَقُودُ " بضم الواو ، وهو مصدر ، وكذلك الوقود بفتح الواو في قراءة الجمهور يحتمل أن يكون اسماً للحطب ، كما تقدم ، فلا يحتاج إلى تقدير ، ويحتمل أن يكون مصدراً لأنه من المصادر التي تأتي على وزن الفعول ، فتحتاج إلى تقدير ، أي هم أهل ، وقود النار . قوله { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } الدأب الاجتهاد ، يقال دأب الرجل في عمله يدأب دأباً ودءوباً إذا جدّ ، واجتهد ، والدائبان الليل ، والنهار ، والدأب العادة ، والشأن ، ومنه قول امرىء القيس @ كدأبك من أمِّ الحُوَيِرِثِ قَبْلَها وَجَارَتها أمِّ الرَّبابِ بِمَأسَلِ @@ والمراد هنا كعادة آل فرعون ، وشأنهم ، وحالهم ، واختلفوا في الكاف ، فقيل هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون مع موسى . وقال الفراء إن المعنى كفرت العرب ، ككفر آل فرعون . قال النحاس لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا ، لأن كفروا داخلة في الصلة ، وقيل هي متعلقة بأخذهم الله ، أي أخذهم أخذه ، كما أخذ آل فرعون ، وقيل هي متعلقة بـ { لن تغني } ، أي لم تغن عنهم غناء ، كما لم تغن عن آل فرعون ، وقيل إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود ، ويكون التشبيه في نفس الإحراق . قالوا ويؤيده قوله تعالى { ٱأدخلوا آل فرعون أشد العذاب } غافر 46 . { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } غافر 46 ، والقول الأوّل هو الذي قاله جمهور المحققين ، ومنهم الأزهري . قوله { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة ، أي وكدأب الذين من قبلهم . قوله { كَذَّبُواْ بِأَيَـٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ } يحتمل أن يريد الآيات المتلوّة ، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية ، ويصح إرادة الجميع . والجملة بيان ، وتفسير لدأبهم ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد أي دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا الخ . وقوله { بِذُنُوبِهِمْ } أي بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم . قوله { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } قيل هم اليهود ، وقيل هم مشركو مكة ، وسيأتي بيان سبب نزول الآية . وقوله { سَتُغْلَبُونَ } قريء بالفوقية ، والتحتية ، وكذلك { تُحْشَرُونَ } . وقد صدق الله ، وعده بقتل بني قريظة ، وإجلاء بني النضير ، وفتح خيبر ، وضرب الجزية على سائر اليهود ، ولله الحمد . قوله { وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } يحتمل أن يكون من تمام القول الذي أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم ، ويحتمل أن تكون الجملة مستأنفة تهويلاً ، وتفظيعاً . قوله { قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ } أي علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم ، وهذه الجملة جواب قسم محذوف ، وهي من تمام القول المأمور به لتقرير مضمون ما قبله ، ولم يقل " كانت " لأن التأنيث غير حقيقي . وقال الفراء إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه ، وبين الإسم بقوله { لَكُمْ } . والمراد بالفئتين المسلمون ، والمشركون لما الْتقوا يوم بدر . قوله { فِئَةٌ تُقَـٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } قراءة الجمهور برفع { فئة } . وقرأ الحسن ، ومجاهد « فئة » و « كافرة » بالخفض ، فالرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف ، أي إحداهما فئة . وقوله { تُقَـٰتِلُ } في محل رفع على الصفة ، والجرّ على البدل من قوله { فِئَتَيْنِ } . وقوله { وَأُخْرَىٰ } أي وفئة أخرى كافرة . وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما . قال ثعلب هو على الحال ، أي التقتا مختلفتين ، مؤمنة ، وكافرة . وقال الزجاج النصب بتقدير أعني وسميت الجماعة من الناس فئة لأنه يفاء إليها أي يرجع إليها في وقت الشدة . وقال الزجاج الفئة الفرقة مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته ، ولا خلاف أن المراد بالفئتين هما المقتتلتان في يوم بدر ، وإنما وقع الخلاف في المخاطب بهذا الخطاب ، فقيل المخاطب بها المؤمنون . وقيل اليهود . وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت نفوسهم ، وتشجيعها ، وفائدته إذا كان مع اليهود عكس الفائدة المقصودة بخطاب المسلمين . قوله { يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ } قال أبو علي الفارسي الرؤية في هذه الآية رؤية العين ، ولذلك تعدت إلى مفعول واحد ، ويدل عليه قوله { رَأْىَ ٱلْعَيْنِ } والمراد أنه يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين ، أو مثلي عدد المسلمين ، وهذا على قراءة الجمهور بالياء التحتية ، وقرأ نافع بالفوقية . وقوله { مّثْلَيْهِمْ } منتصب على الحال . وقد ذهب الجمهور إلى أن فاعل ترون هم المؤمنون ، والمفعول هم الكفار . والضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين ، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد ، وفيه بُعْد أن يكثر الله المشركين في أعين المؤمنين ، وقد أخبرنا أنه قللهم في أعين المؤمنين ، فيكون المعنى ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد ، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين ، فأراهم إياهم مثلي عدتهم لتقوى أنفسهم . وقد كانوا أعلموا أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ، ويحتمل أن يكون الضمير في { مثليهم } للمسلمين ، أي ترون أيها المسلمون أنفسكم مثلي ما أنتم عليه من العدد لتقوى بذلك أنفسكم ، وقد قال من ذهب إلى التفسير الأوّل - أعني أن فاعل الرؤية المشركون ، وأنهم رأوا المسلمين مثلي عددهم - أنه لا يناقض هذا ما في سورة الأنفال من قوله تعالى { وَيُقَلّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ } الأنفال 44 بل قللوا أوّلا في أعينهم ليلاقوهم ، ويجترئوا عليهم ، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا . قوله { رَأْىَ ٱلْعَيْنِ } مصدر مؤكد لقوله { يَرَوْنَهُمْ } أي رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها { وَٱللَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء } أي يقوّي من يشاء أن يقويه ، ومن جملة ذلك تأييد أهل بدر بتلك الرؤية { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي في رؤية القليل كثيراً { لَعِبْرَةً } فعلة من العبور ، كالجلسة من الجلوس . والمرد الاتعاظ ، والتنكير للتعظيم ، أي عبرة عظيمة ، وموعظة جسيمة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } قال كصنيع آل فرعون . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عنه قال كفعل . وأخرج مثله أبو الشيخ ، عن مجاهد . وأخرج ابن جرير ، عن الربيع قال كسنتهم . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ، ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع قال " يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشاً ، " قالوا يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً كانوا غماراً لا يعرفون القتال ، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تلق مثلنا ، فأنزل الله { قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } إلى قوله { أُوْلِى ٱلأبْصَـٰرِ } » . وأخرج ابن جرير ، وابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن عاصم بن عمر بن قتادة مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عكرمة قال قال فنحاص اليهودي ، وذكر نحوه . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة في قوله { قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ } عبرة ، وتفكر . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَـٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر { وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ } فئة قريش الكفار . وأخرج عبد الرزاق أن هذه الآية نزلت في أهل بدر . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الربيع في قوله { قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ } يقول قد كان لكم في هؤلاء عبرة ، ومتفكر أيدهم الله ، ونصرهم على عدوهم يوم بدر ، كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً ، وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود في الآية قال هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين ، فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم ، فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في الآية قال أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وكان المشركون مثليهم ستمائة وستة وعشرين ، فأيد الله المؤمنين .