Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 14-17)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { زُيّنَ لِلنَّاسِ } الخ كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس في هذه الدار ، والمزين قيل هو الله سبحانه ، وبه قال عمر ، كما حكاه عنه البخاري ، وغيره ، ويؤيد قوله تعالى { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ } الكهف 7 . وقيل المزين هو الشيطان ، وبه قال الحسن ، حكاه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه . وقرأ الضحاك « زين » على البناء للفاعل . وقرأه الجمهور على البناء للمفعول . والمراد بالناس الجنس . والشهوات جمع شهوة ، وهي نزوع النفس إلى ما تريده . والمراد هنا المشتهيات عبر عنها بالشهوات ، مبالغة في كونها مرغوباً فيها ، أو تحقيراً لها لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية ، ووجه تزيين الله سبحانه لها ابتلاء عباده ، كما صرح به في الآية الأخرى . وقوله { مِنَ ٱلنّسَاء وَٱلْبَنِينَ } في محل الحال أي زين للناس حب الشهوات حال كونها من النساء ، والبنين الخ . وبدأ بالنساء لكثرة تشوّق النفوس إليهنّ لأنهن حبائل الشيطان ، وخص البنين دون البنات لعدم الاطراد في محبتهن . والقناطير جمع قنطار ، وهو اسم للكثير من المال . قال الزجاج القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه تقول العرب قنطرت الشيء إذا أحكمته ، ومنه سميت القنطرة لإحكامها . وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف ستأتي إن شاء الله . واختلفوا في معنى { المقنطرة } ، فقال ابن جرير الطبري معناها المضعفة ، وقال القناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسعة . وقال الفراء القناطير جمع القنطار ، والمقنطرة جمع الجمع ، فتكون تسع قناطير ، وقيل المقنطرة المضروبة ، وقيل المكلمة كما يقال بدرة مبدرة ، وألوف مؤلفة ، وبه قال مكي ، وحكاه الهروي . وقال ابن كيسان لا تكون المقنطرة أقلّ من سبع قناطير . وقوله { مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } بيان للقناطير ، أو حال { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } قيل هي المرعية في المروج ، والمسارح ، يقال سامت الدابة ، والشاة إذا سرحت ، وقيل هي المعدّة للجهاد . وقيل هي الحسان ، وقيل المعلمة من السومة ، وهي العلامة ، أي التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها . وقال ابن فارس في المجمل المسومة المرسلة ، وعليها ركبانها . وقال ابن كيسان البلق . والأنعام هي الإبل ، والبقر ، والغنم ، فإذا قلت نعم فهي الإبل خاصة قاله الفراء ، وابن كيسان ، ومنه قول حسان @ وَكَانَتْ لا يَزَالُ بِها أنِيس خِلاَلَ مُروجَهَا نَعمٌ وشَاءُ @@ والحرث اسم لكل ما يحرث ، وهو مصدر سمي به المحروث ، يقول حرث الرجل حرثاً إذا أثار الأرض ، فيقع على الأرض ، والزرع . قال ابن الأعرابي الحرث التفتيش . قوله { ذٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي ذلك المذكور ما يتمتع به ، ثم يذهب ، ولا يبقى ، وفيه تزهيد في الدنيا ، وترغيب في الآخرة . و { المآب } المرجع آب يئوب إياباً إذا رجع ، ومنه قول امريء القيس @ لَقَد طَوّفْتُ فِي الآفَاقِ حَتَّى رَضِيتُ منَ الغَنِيمةِ بالإيَابِ @@ قوله { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذٰلِكُمْ } أي هل أخبركم بما هو خير لكم من تلك المستلذات ؟ وإبهام الخير للتفخيم ، ثم بينه بقوله { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ عِندَ رَبّهِمْ جَنَّـٰتٌ } وعند في محل نصب على الحال من جنات ، وهي مبتدأ ، وخبرها للذين اتقوا ، ويجوز أن تتعلق اللام بخير . وجنات خبر مبتدأ مقدّر ، أي هو جنات ، وخص المتقين لأنهم المنتفعون بذلك . وقد تقدّم تفسير قوله { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ } وما بعده . قوله { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } بدل من قوله { لّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين ، أو منصوب على المدح ، والصابرين ، وما بعده نعت للموصول على تقدير كونه بدلاً ، أو منصوباً على المدح ، وعلى تقدير كونه خبراً يكون الصابرين ، وما بعده منصوبة على المدح ، وقد تقدّم تفسير الصبر ، والصدق ، والقنوت . قوله { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأسْحَارِ } هم السائلون للمغفرة بالأسحار . وقيل المصلون . والأسحار جمع سحر بفتح الحاء ، وسكونها . قال الزجاج هو من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر ، وخص الأسحار لأنها من أوقات الإجابة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عمر بن الخطاب ، لما نزلت { زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ } قال الآن يا ربّ حين زينتها لنا ، فنزلت { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ } . وأخرجه ابن المنذر عنه بلفظ " خير " انتهى إلى قوله { قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ } فبكى ، وقال بعد ماذا ، بعد ماذا بعد ما زينتها . وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القنطار اثنا عشر ألف أوقية " رواه أحمد من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن حماد ، عن عاصم عن أبي صالح عنه . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الصمد به . وقد رواه ابن جرير موقوفاً على أبي هريرة . قال ابن كثير وهذا أصح . وأخرج الحاكم وصححه ، عن أنس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القناطير المقنطرة ، فقال " القنطار ألف أوقية " ورواه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه مرفوعاً بلفظ " ألف دينار " . وأخرج ابن جرير ، عن أبيّ بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القنطار ألف أوقية ، ومائتا أوقية " وأخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي من قول معاذ بن جبل . وأخرجه ابن جرير من قول ابن عمر . وأخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، والبيهقي من قول أبي هريرة . وأخرجه ابن جرير ، والبيهقي من قول ابن عباس . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن أبي سعيد الخدري ، قال القنطار ملء مسك جلد الثور ذهباً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر أنه قال القنطار سبعون ألفاً ، وأخرجه عبد بن حميد ، عن مجاهد . وأخرج أيضاً عن سعيد بن المسيب قال القنطار ثمانون ألفاً . وأخرج أيضاً ، عن أبي صالح قال القنطار مائة رطل . وأخرجه أيضاً عن قتادة ، وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي جعفر قال القنطار خمسة عشر ألف مثقال ، والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً ، وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك قال هو المال الكثير من الذهب ، والفضة . وأخرجه أيضاً ، عن الربيع . وأخرج عن السدي أن المقنطرة المضروبة . وأخرج ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } قال الراعية . وأخرج ابن المنذر ، عنه من طريق مجاهد . وأخرج ابن جرير عنه قال هي الراعية ، والمطهمة الحسان . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد قال هي المطهمة الحسان . وأخرجا ، عن عكرمة قال تسويمها حسنها . وأخرج ابن أبي حاتم ، قال { ٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } الغرّة ، والتحجيل ، وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله الصابرين قال قوم صبروا على طاعة الله ، وصبروا عن محارمه ، والصادقون قوم صدقت نياتهم ، واستقامت قلوبهم ، وألسنتهم ، وصدقوا في السرّ ، والعلانية ، والقانتون هم المطيعون ، والمستغفرون بالأسحار أهل الصلاة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة قال هم الذين يشهدون صلاة الصبح . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن أنس قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة . وأخرج ابن جرير ، وأحمد في الزهد ، عن سعيد الجريري قال بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل ، فقال يا جبريل أي الليل أفضل ؟ قال يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر . وقد ثبت في الصحيحين ، وغيرهما ، عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقي ثلث الليل الآخر ، فيقول هل من سائل ، فأعطيه ، هل من داع ، فأستجيب له ، هل من مستغفر ، فأغفر له ؟ " .