Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 137-148)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } هذا رجوع إلى وصف باقي القصة . والمراد بالسنن ما سنّه الله في الأمم من وقائعه ، أي قد خلت من قبل زمانكم وقائع سنّها الله في الأمم المكذبة ، وأصل السنن جمع سنة وهي الطريقة المستقيمة ، ومنه قول الهذلي @ فَلا تَجْزَعَن مِنْ سُنَّة أنْتَ سِرْتَها فَأوّلُ راضٍ سُنَّةً مَن يَسيرها @@ والسنة الإمام المتبع المؤتمّ به ، ومنه قول لبيد @ مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّت لَهُمْ آباؤُهُم وَلِكُلِ قَوْمِ سِنةٌ وإمامُ @@ والسنة الأمة ، والسنن الأمم ، قاله المفضل الضبي . وقال الزجاج المعنى في الآية أهل سنن ، فحذف المضاف ، والفاء في قوله { فَسِيرُواْ } سببية وقيل شرطية ، أي إن شككتم ، فسيروا . والعاقبة آخر الأمر ، والمعنى سيروا ، فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ، فإنهم خالفوا رسلهم بالحرص على الدنيا ، ثم انقرضوا ، فلم يبق من دنياهم التي آثروها أثر . هذا قول أكثر المفسرين . والمطلوب من هذا السير المأمور به هو حصول المعرفة بذلك ، فإن حصلت بدونه ، فقد حصل المقصود ، وإن كان لمشاهدة الآثار زيادة غير حاصلة لمن لم يشاهدها ، والإشارة بقوله { هَـٰذَا } إلى قوله { قَدْ خَلَتْ } وقال الحسن إلى القرآن { بَيَانٌ لّلنَّاسِ } أي تبيين لهم ، وتعريف الناس للعهد ، وهم المكذبون ، أو للجنس ، أي للمكذبين ، وغيرهم . وفيه حثّ على النظر في سوء عاقبة المكذبين ، وما انتهى إليه أمرهم . قوله { وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ } أي هذا النظر مع كونه بياناً فيه هدى ، وموعظة للمتقين من المؤمنين ، فعطف الهدى ، والموعظة على البيان يدل على التغاير ، ولو باعتبار المتعلق ، وبيانه أن اللام في الناس إن كانت للعهد ، فالبيان للمكذبين ، والهدى ، والموعظة للمؤمنين ، وإن كانت للجنس ، فالبيان لجميع الناس مؤمنهم ، وكافرهم ، والهدى ، والموعظة للمتقين وحدهم . قوله { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا } عزاهم ، وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل ، والجراح ، وحثهم على قتال عدوهم ، ونهاهم عن العجز ، والفشل ، ثم بين لهم أنهم الأعلون على عدوّهم بالنصر والظفر ، وهي جملة حالية ، أي والحال أنكم الأعلون عليهم ، وعلى غيرهم بعد هذه الوقعة . وقد صدق الله وعده ، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد وقعة أحد ظفر بعدوّه في جميع وقعاته وقيل المعنى وأنتم الأعلوْن عليهم بما أصبتم منهم في يوم بدر ، فإنه أكثر مما أصابوا منكم اليوم . وقوله { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } متعلق بقوله { وَلاَ تَهِنُواْ } وما بعده ، أو بقوله { وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ } أي إن كنتم مؤمنين ، فلا تهنوا ، ولا تحزنوا ، أو إن كنتم مؤمنين ، فأنتم الأعلون . والقرح بالضم ، والفتح الجرح ، وهما لغتان فيه ، قاله الكسائي ، والأخفش . وقال الفراء هو بالفتح الجرح ، وبالضم ألمه . وقرأ محمد بن السَّمَيْفَع « قرح » بفتح القاف ، والراء على المصدر . والمعنى في الآية إن نالوا منكم يوم أحد ، فقد نلتم منهم يوم بدر ، فلا تهنوا لما أصابكم في هذا اليوم ، فإنهم لم يهنوا لما أصابهم في ذلك اليوم ، وأنتم أولى بالصبر منهم . وقيل إن المراد بما أصاب المؤمنين والكافرين في هذا اليوم ، فإن المسلمين انتصروا عليهم في الابتداء ، فأصابوا منهم جماعة ، ثم انتصر الكفار عليهم ، فأصابوا منهم . والأوّل أولى لأن ما أصابه المسلمون من الكفار في هذا اليوم لم يكن مثل ما أصابوه منهم فيه . وقوله { وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ } أي الكائنة بين الأمم في حروبها ، والآتية فيما بعد كالأيام الكائنة في زمن النبوّة تارة تغلب هذه الطائفة ، وتارة تغلب الأخرى ، كما وقع لكم أيها المسلمون في يوم بدر ، وأُحد ، وهو معنى قوله { نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } فقوله { تِلْكَ } مبتدأ ، و { الأيام } صفته ، والخبر { نداولها } ، وأصل المداولة المعاورة ، داولته بينهم عاورته . والدولة الكرة ، ويجوز أن تكون الأيام خبراً ، ونداولها حالاً ، والأوّل أولى . وقوله { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } معطوف على علة مقدّرة كأنه قال نداولها بين الناس ليظهر أمركم وليعلم ، أو يكون المعلل محذوفاً ، أي ليعلم الله الذين اتقوا ، فعلنا ذلك ، وهو من باب التمثيل ، أي فعلنا فعل من يريد أن يعلم لأنه سبحانه لم يزل عالماً ، أو ليعلم الله الذين آمنوا بصبرهم علماً يقع عليه الجزاء ، كما علمه علماً أزلياً { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء } أي يكرمهم بالشهادة . والشهداء جمع شهيد ، سمي بذلك لكونه مشهوداً له بالجنة ، أو جمع شاهد لكونه ، كالمشاهد للجنة ، و " من " للتبعيض ، وهم شهداء أحد . وقوله { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ } جملة معترضة بين المعطوف ، والمعطوف عليه لتقرير مضمون ما قبله . وقوله { وَلِيُمَحّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } من جملة العلل معطوف على ما قبله . والتمحيص الاختبار . وقيل التطهير على حذف مضاف ، أي ليمحص ذنوب الذين آمنوا ، قاله الفراء ، وقيل يمحص يخلص ، قاله الخليل ، والزجاج ، أي ليخلص المؤمنين من ذنوبهم . وقوله { وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي يستأصلهم بالهلاك ، وأصل التمحيق محو الآثار ، والمحق نقصها . قوله { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } كلام مستأنف لبيان ما ذكر من التمييز ، وأم هي المنقطعة ، والهمزة للإنكار ، أي بل أحسبتم ، والواو في قوله { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ } واو الحال . والجملة حالية ، وفيه تمثيل كالأوّل ، أو علم يقع عليه الجزاء . وقوله { وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } منصوب بإضمار " أن " ، كما قال الخليل ، وغيره على أن الواو للجمع . وقال الزجاج " الواو " بمعنى " حتى " ، وقرأ الحسن ، ويحيـى بن يعمر « ويعلم الصابرين » بالجزم عطفاً على { وَلَمَّا يَعْلَمِ } وقريء بالرفع على القطع ، وقيل إن قوله { وَلَمَّا يَعْلَمِ } كناية عن نفي المعلوم ، وهو الجهاد والمعنى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ، والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد ، والصبر ، أي الجمع بينهما ، ومعنى " لَمّا " معنى « لم » عند الجمهور ، وفرّق سيبويه بينهما ، فجعل " لم " لنفي الماضي ، و " لما " لنفي الماضي والمتوقع . قوله { وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } هو خطاب لمن كان يتمنى القتال ، والشهادة في سبيل الله ممن لم يحضر يوم بدر ، فإنهم كانوا يتمنون يوماً يكون فيه قتال ، فلما كان يوم أحد انهزموا مع أنهم الذين ألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج ، ولم يصبر منهم إلا نفر يسير مثل أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك . وقوله { مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } أي القتال ، أو الشهادة التي هي سبب الموت . وقرأ الأعمش « من قبل أن تلاقوه » وقد ورد النهي عن تمني الموت ، فلا بدّ من حمله هنا على الشهادة . قال القرطبي وتمني الموت من المسلمين يرجع إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات ، والصبر على الجهاد لا إلى قتل الكفار لهم لأنه معصية وكفر ، ولا يجوز إرادة المعصية ، وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله أن يرزقهم الشهادة ، فيسألون الصبر على الجهاد ، وإن أدّى إلى القتل . قوله { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } أي القتال ، أو ما هو سبب للموت ، ومحل قوله { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } النصب على الحال ، وقيد الرؤية بالنظر مع اتحاد معناهما للمبالغة ، أي قد رأيتموه معاينين له حين قتل من قتل منكم . قال الأخفش إن التكرير بمعنى التأكيد مثل قوله { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } الأنعام 38 وقيل معناه بصراء ليس في أعينكم علل ، وقيل معناه وأنتم تنظرون إلى محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } . سبب نزول هذه ما سيأتي من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصيب في يوم أُحد صاح الشيطان قائلاً قد قتل محمد ، ففشل بعض المسلمين ، حتى قال قائل قد أصيب محمد ، فأعطوا بأيديكم ، فإنما هم إخوانكم ، وقال آخر لو كان رسولاً ما قتل ، فردّ الله عليهم ذلك ، وأخبرهم بأنه رسول قد خلت من قبله الرسل ، وسيخلو ، كما خلوا ، فجملة قوله { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } صفة لرسول . والقصر قصر إفراد ، كأنهم استبعدوا هلاكه ، فأثبتوا له صفتين الرسالة ، وكونه لا يهلك ، فردّ الله عليهم ذلك بأنه رسول لا يتجاوز ذلك إلى صفة عدم الهلاك ، وقيل هو قصر قلب . وقرأ ابن عباس « قد خلت من قبل رسل » ثم أنكر الله عليهم بقوله { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } أي كيف ترتدّون ، وتتركون دينه إذا مات ، أو قتل مع علمكم أن الرسل تخلو ، ويتمسك أتباعهم بدينهم ، وإن فقدوا بموت ، أو قتل ، وقيل الإنكار لجعلهم خلوّ الرسل قبله سبباً لانقلابهم بموته ، أو قتله ، وإنما ذكر القتل مع علمه سبحانه أنه لا يقتل لكونه مجوّزاً عند المخاطبين . قوله { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } أي بإدباره عن القتال ، أو بارتداده عن الإسلام { فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } من الضرر ، وإنما يضرّ نفسه { وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ } أي الذين صبروا ، وقاتلوا ، واستشهدوا لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام ، ومن امتثل ما أمر به ، فقد شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه . قوله { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } هذا كلام مستأنف يتضمن الحثّ على الجهاد ، والاعلام بأن الموت لا بدّ منه . ومعنى { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } بقضاء الله ، وقدره ، وقيل إن هذه الجملة متضمنة للإنكار على من فشل بسبب ذلك الإرجاف بقتله صلى الله عليه وسلم ، فبين لهم أن الموت بالقتل ، أو بغيره منوط بإذن الله ، وإسناده إلى النفس مع كونها غير محتارة له للإيذان بأنه لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الله . وقوله { كِتَـٰباً } مصدر مؤكد لما قبله لأن معناه كتب الله الموت كتاباً . والمؤجل المؤقت الذي لا يتقدّم على أجله ، ولا يتأخر . قوله { وَمَن يُرِدِ } أي بعمله { ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا } كالغنيمة ، ونحوها ، واللفظ يعمّ كل ما يسمى ثواب الدنيا ، وإن كان السبب خاصاً { نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي من ثوابها على حذف المضاف { وَمَن يُرِدِ } بعمله { ثَوَابَ ٱلأخِرَةِ } وهو الجنة نؤته من ثوابها ، وتضاعف له الحسنات أضعافاً كثيرة { وَسَنَجْزِى ٱلشَّـٰكِرِينَ } بامتثال ما أمرناهم به كالقتال ، ونهيناهم عنه كالفرار ، وقبول الإرجاف . وقوله { وَكَأَيّن } قال الخليل ، وسيبويه هي ، " أي " دخلت عليها كاف التشبيه ، وثبتت معها ، فصارت بعد التركيب بمعنى " كم " ، وصوّرت في المصحف " نوناً " ، لأنها كلمة نقلت عن أصلها ، فغير لفظها لتغيير معناها ، ثم كثر استعمالها ، فتصرّفت فيها العرب بالقلب ، والحذف ، فصار فيها أربع لغات قريء بها أحدها كائن مثل كاعن ، وبها قرأ ابن كثير ، ومثله قول الشاعر @ وَكَائِن بِالأبَاطِح مِن صَديق يراني لَوْ أصِبْتُ هو المُصَابَا @@ وقال آخر @ وَكائِن رَدَدْنا عنكم مِن مُدَجَّج يجيءُ أمَامَ الرَّكْب يَرِدْى مُقَنَّعا @@ وقال زهير @ وَكَائِنُ تَرى مِن مُعْجَبٍ لَكَ شَخْصه زَيَادته أوْ نَقْصه فِي التَّكلُمِ @@ { وكأين } بالتشديد مثل كعين ، وبه قرأ الباقون ، وهو الأصل . والثالثة كأين مثل كعين مخففاً . والرابعة كيئن بياء بعدها همزة مكسورة ، ووقف أبو عمرو بغير نون ، فقال كأي لأنه تنوين ، ووقف الباقون بالنون . والمعنى كثير من الأنبياء قتل معه ربيون قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب " قتل " على البناء للمجهول ، وهي قراءة ابن عباس ، واختارها أبو حاتم ، وفيه وجهان أحدهما أن يكون في « قتل » ضمير يعود إلى النبيّ ، وحينئذ يكون قوله { مَعَهُ رِبّيُّونَ } جملة حالية ، كما يقال قتل الأمير معه جيش ، أي ومعه جيش ، والوجه الثاني أن يكون القتل ، واقعاً على ربيون ، فلا يكون في قتل ضمير ، والمعنى قتل بعض أصحابه ، وهم الربيون . وقرأ الكوفيون ، وابن عامر { قاتل } وهي قراءة ابن مسعود ، واختارها أبو عبيد ، وقال إن الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلاً فيه ، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه من قاتل ، ولم يقتل ، فقاتل أعمّ ، وأمدح ، ويرجح هذه القراءة الأخرى . والوجه الثاني من القراءة الأولى قول الحسن ما قتل نبيّ في حرب قط ، وكذا قال سعيد بن جبير ، " والربيون " بكسر الراء قراءة الجمهور ، وقرأ عليّ بضمها ، وابن عباس بفتحها ، وواحده ربي بالفتح منسوب إلى الرب ، والربى بضم الراء ، وكسرها منسوب إلى الربة بكسر الراء ، وضمها ، وهي الجماعة ، ولهذا ، فسرهم جماعة من السلف بالجماعات الكثيرة ، وقيل هم الأتباع وقيل هم العلماء . قال الخليل الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء ، وهم الربانيون نسبوا إلى التأله ، والعبادة ، ومعرفة الربوبية . وقال الزجاج الربيون بالضم الجماعات . قوله { فَمَا وَهَنُواْ } عطف على قاتل ، أو قتل . والوهن انكسار الجدّ بالخوف . وقرأ الحسن « وهنوا » بكسر الهاء ، وضمها . قال أبو زيد لغتان وهن الشيء يهن ، وهناً ضعف ، أي ما وهنوا لقتل نبيهم ، أو لقتل من قتل منهم . { وما ضعفوا } أي عن عدوّهم { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } لما أصابهم في الجهاد . والاستكانة الذلة ، والخضوع ، وقريء « وما وهنوا وما ضعفوا » بإسكان الهاء ، والعين . وحكى الكسائي " ضعفوا " بفتح العين ، وفي هذا توبيخ لمن انهزم يوم أُحد ، وذلّ ، واستكان ، وضعف بسبب ذلك الإرجاف الواقع من الشيطان ، ولم يصنع ، كما صنع أصحاب من خلا من قبلهم من الرسل . قوله { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ } أي قول أولئك الذين كانوا مع الأنبياء إلا هذا القول ، وقولهم منصوب على أنه خبر كان . وقرأ ابن كثير ، وعاصم في رواية عنهما برفع قولهم . وقوله { إِلاَّ أَن قَالُواْ } استثناء مفرغ أي ما كان قولهم عند أن قتل منهم ربانيون ، أو قتل نبيهم { إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } قيل هي الصغائر . وقوله { وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا } قيل هي الكبائر ، والظاهر أن الذنوب تعم كل ما يسمى ذنباً من صغيرة ، أو كبيرة ، والإسراف ما فيه مجاوزة للحدّ ، فهو من عطف الخاص على العام ، قالوا ذلك مع كونهم ربانيين هضماً لأنفسهم { وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا } في مواطن القتال { فَـاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ } بسبب ذلك { ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا } من النصر ، والغنيمة ، والعزة ، ونحوها { وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلأخِرَةِ } من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي ثواب الآخرة الحسن ، وهو نعيم الجنة ، جعلنا الله من أهلها . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } قال تداول من الكفار ، والمؤمنين في الخير ، والشرّ . وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب المصاحف عن سعيد بن جبير قال أوّل ما نزل من آل عمران ، { هَـٰذَا بَيَانٌ لّلنَّاسِ } ثم أنزل بقيتها يوم أحد . وأخرج ابن جرير ، عن الحسن في قوله { هَـٰذَا بَيَانٌ } يعني القرآن . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة نحوه ، وأخرج ابن جرير ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لا يعلون علينا " فأنزل الله { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج قال انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب يوم أحد ، فسألوا ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وما فعل فلان ، فنعى بعضهم لبعض ، وتحدّثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فكانوا في همّ وحزن ، فبينما هم كذلك علا خالد بن الوليد بخيل المشركين ، فوقهم على الجبل ، وكانوا على أحد مجنبتي المشركين ، وهم أسفل من الشعب ، فلما رأوا النبي فرحوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لا قوّة لنا إلا بك ، وليس أحد يعبدك بهذا البلد غير هؤلاء النفر ، فلا تهلكهم " وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا ، فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله ، وعلا المسلمون الجبل ، فذلك قوله { وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك { وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ } قال وأنتم الغالبون . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } قال جراح وقتل . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ } قال إن يقتل منكم يوم أحد ، فقد قتل منهم يوم بدر . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { وَتِلْكَ ٱلأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } قال كان يوم أحد بيوم بدر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، من طريق ابن جريج ، عن ابن عباس في قوله { وَتِلْكَ ٱلأيَّامُ } الآية ، قال أدال المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وبلغني أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد بضعة وسبعين عدد الأسارى الذين أسروا يوم بدر من المشركين ، وكان عدد الأسارى يوم بدر ثلاثة وسبعين رجلاً . وأخرج ابن جريج ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء } قال إن المسلمين كانوا يسألون ربهم اللهمّ ربنا أرنا يوماً ، كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبليك فيه خيراً ، ونلتمس فيه الشهادة ، فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ منهم شهداء . وأخرجا عنه في قوله { وَلِيُمَحّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } قال يبتليهم { وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } قال ينقصهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق العوفي عنه أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون ليتنا نقتل ، كما قتل أصحاب بدر ، ونستشهد ، أو ليت لنا يوماً كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ، ونبلي فيه خيراً ، ونلتمس الشهادة ، والجنة ، والحياة ، والرزق ، فأشهدهم الله أحداً ، فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم . فقال الله { وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } الآية . وأخرج ابن المنذر عن كليب قال خطبنا عمر بن الخطاب ، فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول إنها أحدية ، ثم قال تفرقنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فصعدت الجبل فسمعت يهودياً يقول قتل محمد ، فقلت لا أسمع أحداً يقول قتل محمد إلا ضربت عنقه ، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه ، فنزلت هذه الآية { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } . وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال نادى مناد يوم أحد ألا إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأوّل ، فأنزل الله { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } . وأخرج أيضاً عن مجاهد نحوه . وأخرج أيضاً عن عليّ في قوله { وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ } قال الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه ، فكان عليّ يقول كان أبو بكر أمير الشاكرين . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم عنه أنه كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقول { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قتل عليه حتى أموت . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن ابن مسعود في قوله { رِبّيُّونَ } قال ألوف . وأخرج سعيد بن منصور عن الضحاك قال الربة الواحدة ألف . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { رِبّيُّونَ } قال جموع . وأخرج ابن جرير عنه قال علماء كثير . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } قال تخشعوا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا } قال خطايانا .