Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-20)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { شَهِدَ ٱللَّهُ } أي بين وأعلم . قال الزجاج الشاهد هو الذي يعلم الشيء ، ويبينه ، فقد دلنا الله على وحدانيته بما خلق وبيّن ، وقال أبو عبيدة شهد الله بمعنى قضى ، أي أعلم . قال ابن عطية وهذا مردود من جهات ، وقيل إنها شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله ، ووحيه بشهادة الشاهد في كونها مبينة . وقوله { أنه } بفتح الهمزة . قال المبرد أي بأنه ثم حذفت الباء ، كما في أمرتك الخير ، أي بالخير . وقرأ ابن عباس « إنه » بكسر الهمزة بتضمين { شهد } معنى " قال " . وقرأ أبو المهلب « شهداء لله » بالنصب على أنه حال من الصابرين ، وما بعده ، أو على المدح { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } عطف على الاسم الشريف ، وشهادتهم إقرارهم بأنه لا إلٰه إلا الله . وقوله { وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } معطوف أيضاً على ما قبله ، وشهادتهم بمعنى الإيمان منهم ، وما يقع من البيان للناس على ألسنتهم ، وعلى هذا لا بدّ من حمل الشهادة على معنى يشمل شهادة الله ، وشهادة الملائكة ، وأولي العلم . وقد اختلف في أولي العلم هؤلاء من هم ؟ فقيل هم الأنبياء وقيل المهاجرون ، والأنصار ، قاله ابن كيسان . وقيل مؤمنو أهل الكتاب ، قاله مقاتل . وقيل المؤمنون كلهم ، قاله السدي ، والكلبي ، وهو الحق إذ لا وجه للتخصيص . وفي ذلك فضيلة لأهل العلم جليلة ، ومنقبة نبيلة لقربهم باسمه ، واسم ملائكته ، والمراد بأولي العلم هنا علماء الكتاب ، والسنة ، وما يتوصل به إلى معرفتهما ، إذ لا اعتداد بعلم لا مدخل له في العلم الذي اشتمل عليه الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة . وقوله { قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ } أي العدل ، أي قائماً بالعدل في جميع أموره ، أو مقيماً له ، وانتصاب { قائماً } على الحال من الاسم الشريف . قال في الكشاف إنها حال مؤكدة كقوله { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقًا } البقرة 91 وجاز إفراده سبحانه بذلك دون ما هو معطوف عليه من الملائكة ، وأولي العلم لعدم اللبس ، وقيل إنه منصوب على المدح . وقيل إنه صفة لقوله { إِلَـهٍ } أي لا إلٰه قائماً بالقسط ، إلا هو ، أو هو حال من قوله { إِلاَّ هُوَ } والعامل فيه معنى الجملة . وقال الفراء هو منصوب على القطع لأن أصله الألف ، واللام ، فلما قطعت نصب كقوله { وَلَهُ ٱلدّينُ وَاصِبًا } النحل 52 ويدل عليه قراءة عبد الله بن مسعود " القائم بالقسط " . وقوله { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } تكرير لقصد التأكيد وقيل إن قوله { أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } كالدعوى ، والأخيرة كالحكم . وقال جعفر الصادق الأولى وصف ، وتوحيد ، والثانية رسم ، وتعليم . وقوله { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } مرتفعان على البدلية من الضمير ، أو الوصفية لفاعل شهد لتقرير معنى الوحدانية . قوله { إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } . قرأه الجمهور بكسر إن على أن الجملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى ، وقريء بفتح أن . قال الكسائي أنصبهما جميعاً يعني قوله { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ } وقوله { إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } بمعنى شهد الله أنه كذا ، وأن الدين عند الله الإسلام . قال ابن كيسان إن الثانية بدل من الأولى . وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان ، وإن كانا في الأصل متغايرين ، كما في حديث جبريل الذي بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم معنى الإسلام ، ومعنى الإيمان ، وصدقه جبريل ، وهو في الصحيحين ، وغيرهما ولكنه قد يسمى كل واحد منهما باسم الآخر ، وقد ورد ذلك في الكتاب والسنة . قوله { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود ، والنصارى كان لمجرد البغي بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم . قال الأخفش وفي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغياً بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم . والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو خلافهم في كون نبينا صلى الله عليه وسلم نبياً أم لا ؟ وقيل اختلافهم في نبوّة عيسى ، وقيل اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء . قوله { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } أي بالآيات الدالة على أن الدين عند الله الإسلام { فَإِنَّ ٱللَّهِ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } فيجازيه ، ويعاقبه على كفره بآياته ، والإظهار في قوله { فإن الله } مع كونه مقام الإضمار للتهويل عليهم ، والتهديد لهم . قوله { فَإنْ حَاجُّوكَ } أي جادلوك بالشبه الباطلة ، والأقوال المحرّفة ، { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ } أي أخلصت ذاتي لله ، وعبر بالوجه عن سائر الذات لكونه أشرف أعضاء الإنسان ، وأجمعها للحواس ، وقيل الوجه هنا بمعنى القصد . وقوله { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } عطف على فاعل أسلمت ، وجاز للفصل . وأثبت نافع ، وأبو عمرو ، ويعقوب الياء في { اتبعن } على الأصل ، وحذفها الآخرون اتباعاً لرسم المصحف ، ويجوز أن تكون " الواو " بمعنى " مع " والمراد بالأميين هنا مشركو العرب . وقوله { ءأَسْلَمْتُمْ } استفهام تقريري يتضمن الأمر ، أي أسلموا ، كذا قاله ابن جرير ، وغيره . وقال الزجاج { ءأَسْلَمْتُمْ } تهديد ، والمعنى أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإسلام ، فهل علمتم بموجب ذلك أم لا ؟ تبكيتا لهم ، وتصغيراً لشأنهم في الإنصاف ، وقبول الحق . وقوله { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } أي ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر ، وفازوا بخير الدنيا ، والآخرة { وَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن قبول الحجة ، ولم يعملوا بموجبها { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ } أي فإنما عليك أن تبلغهم ما أنزل إليك ، ولست عليهم بمسيطر ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، والبلاغ مصدر . وقوله { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } فيه وعد ووعيد لتضمنه أنه عالم بجميع أحوالهم . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ } قال بالعدل . وأخرج أيضاً ، عن ابن عباس مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } قال الإسلام شهادة أن لا إلٰه إلا الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وهو دين الله الذي شرع لنفسه ، وبعث به رسله ، ودلّ عليه أولياءه لا يقبل غيره . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال لم يبعث الله رسولاً إلا بالإسلام . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير قال كان حول البيت ستون وثلثمائة صنم لكل قبيلة من قبائل العرب صنم ، أو صنمان ، فأنزل الله { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } الآية ، فأصبحت الأصنام كلها قد خرّت ، سجداً للكعبة . وأخرج ابن السني في عمل اليوم ، والليلة ، وأبو منصور الشحامي في الأربعين ، عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، والآيتين من آل عمران { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ . إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء } إلى قوله { بِغَيْرِ حِسَابٍ } آل عمران 26 ، 27 هن معلقات بالعرش ما بينهن ، وبين الله حجاب ، يقلن يا ربّ تهبطنا إلى أرضك ، وإلى من يعصيك ؟ قال الله إني حلفت لا يقرؤكن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مأواه على ما كان منه ، وإلا أسكنته حظيرة القدس ، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين نظرة ، وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلا أعذته من كل عدو ، ونصرته منه " وأخرج الديلمي في مسند الفردوس ، عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً نحوه ، وفيه " لا يتلوكن عبد دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان منه ، وأسكنته جنة الفردوس ، ونظرت إليه كل يوم سبعين مرة ، وقضيت له سبعين حاجة أدناها المغفرة " وأخرج أحمد ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن السني ، عن الزبير بن العوام قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بعرفة يقرأ هذه الآية { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } فقال " وأنا على ذلك من الشاهدين " ولفظ الطبراني « وأنا أشهد أن لا إلٰه إلا أنت العزيز الحكيم » . وأخرج ابن عدي ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وضعفه ، والخطيب في تاريخه ، وابن النجار عن غالب القطان قال أتيت الكوفة في تجارة ، فنزلت قريباً من الأعمش . فلما كان ليلة أردت أن أنحدر قام ، فتهجد من الليل ، فمرّ بهذه الآية { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إلى قوله { إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ } فقال وأنا أشهد بما شهد به الله ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي وديعة عند الله ، قالها مراراً ، فقلت لقد سمع فيها شيئاً ، فسألته فقال حدثني أبو وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجاء بصاحبها يوم القيامة ، فيقول الله عبدي عهد إليَّ ، وأنا أحق من وفيَّ بالعهد أدخلوا عبدي الجنة " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } قال بنو إسرائيل . وأخرج ابن جرير ، عن أبي العالية في قوله { بَغْياً بَيْنَهُمْ } يقول بغياً على الدنيا ، وطلب ملكها ، وسلطانها . فقتل بعضهم بعضاً على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { فَإنْ حَاجُّوكَ } قال إن حاجك اليهود ، والنصارى . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج ، ونحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } قال اليهود ، والنصارى { وَٱلأمّيّينَ } قال هم الذين لا يكتبون .