Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 181-184)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال أهل التفسير لما أنزل الله { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } البقرة 245 ، الحديد 11 قال قوم من اليهود هذه المقالة تمويهاً على ضعفائهم ، لا أنهم يعتقدون ذلك لأنهم أهل الكتاب ، بل أرادوا أنه تعالى إن صح ما طلبه منا من القرض على لسان محمد ، فهو فقير ليشككوا على إخوانهم في دين الإسلام . وقوله { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } سنكتبه في صحف الملائكة ، أو سنحفظه ، أو سنجازيهم عليه . والمراد الوعيد لهم ، وأن ذلك لا يفوت على الله ، بل هو معدّ لهم ليوم الجزاء . وجملة سنكتب على هذا مستأنفة جواباً لسؤال مقدر ، كأنه قيل ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع ؟ فقال قال لهم { سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ } . وقرأ الأعمش ، وحمزة « سيكتب » بالمثناة التحتية مبني للمفعول . وقرأ برفع اللام من « قتلهم » و " يقول " بالياء المثناة تحت . قوله { وَقَتْلِهِمُ ٱلأنْبِيَاء } عطف على { ما قالوا } ، أي ونكتب قتلهم الأنبياء ، أي قتل أسلافهم للأنبياء ، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به ، جعل ذلك القول قريناً لقتل الأنبياء تنبيهاً على أنه من العظم ، والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء . قوله { وَنَقُولُ } معطوف على { سَنَكْتُبُ } أي ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار ، أو عند الموت ، أو عند الحساب . والحريق اسم للنار الملتهبة وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة . وقرأ ابن مسعود « ويقال ذوقوا » والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى العذاب المذكور قبله ، وأشار إلى القريب بالصيغة التي يشار بها إلى البعيد للدلالة على بعد منزلته في الفظاعة ، وذكر الأيدي لكونها المباشرة لغالب المعاصي . وقوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } معطوف على { مَّا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم } ووجه أنه سبحانه عذبهم بما أصابوا من الذنب ، وجازاهم على فعلهم ، فلم يكن ذلك ظلماً ، أو بمعنى أنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء ، وليس بظالم لمن عذبه بذنبه ، وقيل إن وجهه أن نفي الظلم مستلزم للعدل المقتضي لإثابة المحسن ، ومعاقبة المسيء ، ورد بأن ترك التعذيب مع وجود سببه ، ليس بظلم عقلاً ، ولا شرعاً ، وقيل إن جملة قوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي والأمر أن الله ليس بظلام للعبيد ، والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلاً عن كونه ظلماً بالغاً لبيان تنزهه عن ذلك ، ونفي ظلام المشعر بالكثرة ، يفيد ثبوت أصل الظلم . وأجيب عن ذلك بأن الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلماً لكان عظيماً ، فنفاه على حدّ عظمه لو كان ثابتاً . قوله { ٱلَّذِينَ قَالُواْ } هو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين قالوا ، وقيل نعت للعبيد ، وقيل منصوب على الذم ، وقيل هو في محل جر بدل من { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ } وهو ضعيف لأن البدل هو المقصود دون المبدل منه ، وليس الأمر كذلك هنا ، والقائلون هؤلاء هم جماعة من اليهود ، كما سيأتي ، وهذا المقول ، وهو أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يأتيهم بالقربان هو من جملة دعاويهم الباطلة . وقد كان دأب بني إسرائيل أنهم كانوا يقربون القربان ، فيقوم النبي ، فيدعو ، فتنزل نار من السماء ، فتحرقه ، ولم يتعبد الله بذلك كل أنبيائه ، ولا جعله دليلاً على صدق دعوى النبوة ، ولهذا ردّ الله عليهم ، فقال { قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَبِٱلَّذِى قُلْتُمْ } من القربان { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } كيحيـى بن زكريا وشعياء ، وسائر من قتلوا من الأنبياء . والقربان ما يتقرب به إلى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح ، وهو فعلان من القربة ثم سلّى الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ جَاءوا } بمثل ما جئت به من البينات . والزبر جمع زبور وهو الكتاب ، وقد تقدم تفسيره { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ } الواضح الجلي المضيء ، يقال نار الشيء ، وأنار ، ونوره ، واستناره بمعنى . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال دخل أبو بكر بيت المدراس ، فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص ، وكان من علمائهم ، وأحبارهم . فقال أبو بكر ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة ، فقال فنحاص والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير ، وما نتضرع إليه ، كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، ولو كان غنياً عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ، ينهاكم عن الربا ، ويعطينا ، ولو كان غنياً عنا ما أعطانا الربا ، فغضب أبو بكر ، فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة ، وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله ، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر " ما حملك على ما صنعت ؟ " فقال يا رسول الله قال قولاً عظيماً ، يزعم أن الله فقير ، وأنهم عنه أغنياء ، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال ، فضربت وجهه ، فجحد فنحاص فقال ما قلت ذلك ، فأنزل الله فيما قال فنحاص تصديقاً لأبي بكر { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ } الآية ، ونزل في أبي بكر ، وما بلغه في ذلك من الغضب { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذىً كَثِيراً } آل عمران 186 الآية . وقد أخرج هذه القصة ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عكرمة ، وأخرجها ابن جرير ، عن السدي بأخصر من ذلك . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والضياء في المختارة من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال أتت اليهود محمداً صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } البقرة 245 فقالوا يا محمد أفقير ربك يسأل عباده القرض ؟ فأنزل الله الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة أن القائل لهذه المقالة حيي بن أخطب ، وأنها نزلت فيه . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن العلاء بن بدر أنه سئل عن قوله { وَقَتْلِهِمُ ٱلأنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } وهم لم يدركوا ذلك ، قال بموالاتهم من قتل الأنبياء . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } قال ما أنا بمعذب من لم يجترم . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } قال هم اليهود . وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله { حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ } التوبة 30 قال يتصدق الرجل منا ، فإذا تقبل منه أنزلت عليه النار من السماء ، فأكلته . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا } قال كذبوا على الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } قال الحلال ، والحرام { وَٱلزُّبُر } قال كتب الأنبياء { والكتاب المنير } قال هو القرآن .