Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 21-25)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { بآيات الله } ظاهره عدم الفرق بين آية وآية { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ } يعني اليهود قتلوا الأنبياء { وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي بالعدل ، وهم الذين يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، قال المبرد كان ناس من بني إسرائيل جاءهم النبيون ، فدعوهم إلى الله ، فقتلوهم ، فقام أناس من بعدهم من المؤمنين ، فأمروهم بالإسلام ، فقتلوهم . ففيهم نزلت الآية . وقوله { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } خبر { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ } الخ ، ودخلته الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط ، وذهب بعض أهل النحو إلى أن الخبر قوله { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } وقالوا إن الفاء لا تدخل في خبر إن ، وإن تضمن اسمها معنى الشرط لأنه قد نسخ بدخول " إن " عليه ، ومنهم سيبويه ، والأخفش ، وذهب غيرهما إلى أن ما يتضمنه المبتدأ من معنى الشرط لا ينسخ بدخول " إن " عليه ، ومثل المكسورة المفتوحة ، ومنه قوله تعالى { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } الأنفال 41 . وقوله { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } قد تقدم تفسير الإحباط ، ومعنى كونها حبطت في الدنيا ، والآخرة أنه لم يبق لحسناتهم أثر في الدنيا ، حتى يعاملوا فيها معاملة أهل الحسنات ، بل عوملوا معاملة أهل السيئات ، فلعنوا وحل بهم الخزي ، والصغار ، ولهم في الآخرة عذاب النار . قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } فيه تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكل من تصح منه الرؤية من حال هؤلاء ، وهم أحبار اليهود . والكتاب التوراة ، وتنكير النصيب للتعظيم ، أي نصيباً عظيماً ، كما يفيده مقام المبالغة ، ومن قال إن التنكير للتحقير ، لم يصب ، فلم ينتفعوا بذلك ، وذلك بأنهم يدعون إلى كتاب الله الذي أوتوا نصيباً منه ، وهو التوراة { لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } والحال أنهم معرضون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم به ، واعترافهم بوجوب الإجابة إليه ، و { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما مر من التولي ، والإعراض بسبب { أَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ } وهي مقدار عبادتهم العجل . وقد تقدم تفسير ذلك { وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من الأكاذيب التي من جملتها هذا القول . قوله { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَـٰهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } هو ردّ عليهم ، وإبطال لما غرهم من الأكاذيب ، أي فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ، وهو يوم الجزاء الذي لا يرتاب مرتاب في وقوعه ، فإنهم يقعون لا محالة ، ويعجزون عن دفعه بالحيل ، والأكاذيب { وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } أي جزاء ما كسبت على حذف المضاف { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بزيادة ، ولا نقص . والمراد كل الناس المدلول عليهم بكل نفس . قال الكسائي اللام في قوله { لِيَوْمِ } بمعنى " في " ، وقال البصريون المعنى لحساب يوم . وقال ابن جرير الطبري المعنى لما يحدث في يوم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي عبيدة بن الجراح قلت يا رسول الله أي الناس أشدّ عذاباً يوم القيامة ؟ قال " رجل قتل نبياً ، أو رجلاً أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر " ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ٱلَّذِينَ يقتلون ٱلنَّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } إلى قوله { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أوّل النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة رجل وسبعون رجلاً من عباد بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ، ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم ، فهم الذين ذكر الله " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس قال بعث عيسى يحيـى بن زكريا في اثني عشر رجلاً من الحواريين يعلمون الناس ، فكان ينهي عن نكاح بنت الأخ ، وكان ملك له بنت أخ تعجبه ، فأرادها ، وجعل يقضي لها كل يوم حاجة ، فقالت لها أمها إذا سألك عن حاجة ، فقولي حاجتي أن تقتل يحيـى بن زكريا ، فقال سلي غير هذا ، فقالت لا أسألك غير هذا ، فلما أبت أمر به ، فذبح في طست ، فبدرت قطرة من دمه ، فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر ، فدلت عجوز عليه ، فألقى في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم ، فقتل في يوم واحد من ضرب واحد وسن واحد سبعين ألفاً فسكن . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن معقل بن أبي مسكين في الآية قال كان الوحي يأتي بني إسرائيل ، فيذكرون قومهم ، ولم يكن يأتيهم كتاب ، فيقوم رجال ممن اتبعهم ، وصدقهم ، فيذكرون قومهم ، فيقتلون فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة ، نحوه . وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس ، قال { الذين يأمرون بالقسط من الناس } ولاة العدل . وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال « دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له النعمان بن عمرو ، والحارث بن زيد على أي دين أتيت يا محمد ؟ قال " على ملة إبراهيم ، ودينه ، " قال فإن إبراهيم كان يهودياً قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم " فهلما إلى التوراة ، فهي بيننا ، وبينكم ، " فأبيا عليه ، فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } الآية » . أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في قوله { نَصِيباً } قال حظاً { مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } قال التوراة . وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في قوله { قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ } قال يعنون الأيام التي خلق الله فيها آدم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله { وَغَرَّهُمْ فِى دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } حين قالوا { نحن أبناء الله ، وأحباؤه } المائدة 18 . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ } يعني توفي كل نفس برّ ، أو فاجر { مَّا كَسَبَتْ } ما عملت من خير ، أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني من أعمالهم .