Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 28-30)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { لاَّ يَتَّخِذِ } فيه النهي للمؤمنين عن موالاة الكفار لسبب من الأسباب ، ومثله قوله تعالى { لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ … } الآية آل عمران 118 ، وقوله { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } المائدة 51 ، وقوله { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الآية ، المجادلة 22 وقوله { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء } المائدة 51 ، وقوله { ٱ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } الممتحنة 1 وقوله { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } في محل الحال ، أي متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالاً ، أو اشتراكاً ، والإشارة بقوله { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } إلى الاتخاد المدلول عليه بقوله { لاَّ يَتَّخِذِ } ومعنى قوله { فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْء } أي من ولايته في شيء من الأشياء ، بل هو منسلخ عنه بكل حال . قوله { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } على صيغة الخطاب بطريق الالتفات ، أي إلا أن تخافوا منهم أمراً يجب اتقاؤه ، وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال . وتقاة مصدر واقع موقع المفعول ، وأصلها وقية على وزن فعلة قلبت الواو تاء ، والياء ألفاً ، وقرأ رجاء ، وقتادة " تقية " . وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم ، ولكنها تكون ظاهراً لا باطناً . وخالف في ذلك قوم من السلف ، فقالوا لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام . قوله { وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } أي ذاته المقدسة ، وإطلاق ذلك عليه سبحانه جائز في المشاكلة ، كقوله { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } المائدة 116 وفي غيرها . وذهب بعض المتأخرين ، إلى منع ذلك إلا مشاكلة . وقال الزجاج معناه ويحذركم الله إياه ، ثم استغنوا عن ذلك بهذا ، وصار المستعمل . قال وأما قوله { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } فمعناه تعلم ما عندي ، وما في حقيقتي ، ولا أعلم ما عندك ، ولا ما في حقيقتك . وقال بعض أهل العلم معناه ويحذركم الله عقابه مثل { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } يوسف 82 فجعلت النفس في موضع الإضمار ، وفي هذه الآية تهديد شديد ، وتخويف عظيم لعباده أن يتعرضوا لعقابه بموالاة أعدائه . قوله { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ … } الآية فيه أن كل ما يضمره العبد ، ويخفيه ، أو يظهره ، ويبديه ، فهو معلوم لله سبحانه ، لا يخفى عليه منه شيء ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة { وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } مما هو أعم من الأمور التي يخفونها ، أو يبدونها ، فلا يخفى عليه ما هو أخص من ذلك . قوله { يَوْمَ تَجِدُ } منصوب بقوله { وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } وقيل بمحذوف ، أي اذكر ، و { مُّحْضَرًا } حال ، وقوله { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء } معطوف على " ما " الأولى أي وتجد ما عملت من سوء محضراً تود لو أن بينها ، وبينه أمداً بعيداً . فحذف محضراً لدلالة الأول عليه ، وهذا إذا كان { تجد } من وجدان الضالة ، وأما إذا كان من وجد بمعنى علم كان محضراً ، هو المفعول الثاني ، ويجوز أن يكون قوله { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا } جملة مستأنفة ، ويكون « ما » في { ما عملت } مبتدأ ، ويودّ خبره . والأمد الغاية ، وجمعه آماد أي تودّ لو أن بينها ، وبين ما عملت من السوء أمداً بعيداً ، وقيل إن قوله { يَوْمَ تَجِدُ } منصوب بقوله { تَوَدُّ } والضمير في قوله { وَبَيْنَهُ } لليوم ، وفيه بُعْد ، وكرر قوله { وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } للتأكيد ، وللاستحضار ليكون هذا التهديد العظيم على ذكر منهم ، وفي قوله { وَٱللَّهُ رَءوفٌ بِٱلْعِبَادِ } دليل على أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده لطفاً بهم . وما أحسن ما يحكى عن بعض العرب أنه قيل له إنك تموت ، وتبعث ، وترجع إلى ، الله فقال أتهددونني بمن لم أر الخير قط إلا منه . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق ، وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة ابن المنذر ، وعبد الله بن جبير ، وسعد بن خيثمة ، لأولئك النفر اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود ، واحذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم ، فأبى أولئك النفر ، فأنزل الله فيهم { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } إلى قوله { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طرق عنه قال نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ، ويتخذوهم ، وليجة من دون المؤمنين ، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين ، فيظهرون لهم اللطف ، ويخالفونهم في الدين ، وذلك قوله تعالى { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْء } فقد بريء الله منه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } قال التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به ، وهو معصية لله ، فيتكلم به مخافة الناس ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، فإن ذلك لا يضره ، إنما التقية باللسان . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه عنه في الآية قال التقاة التكلم باللسان ، والقلب مطمئن بالإيمان ، ولا يبسط يده ، فيقتل ، ولا إلى إثم ، فإنه لا عذر له . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في الآية قال التقية باللسان ، وليس بالعمل . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة { إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } قال إلا أن يكون بينك ، وبينه قرابة ، فتصله لذلك . وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، عن الحسن قال التقية جائزة إلى يوم القيامة . وحكى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال إنا نبش في وجوه أقوام ، وقلوبنا تلعنهم ، ويدل على جواز التقية ، قوله تعالى { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } النحل 106 . ومن القائلين بجواز التقية باللسان أبو الشعثاء ، والضحاك ، والربيع بن أنس . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { قُلْ إِن تُخْفُواْ } الآية قال أخبرهم أنه يعلم ما أسروا ، وما أعلنوا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { محضراً } ، يقول موفراً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في الآية قال يسر أحدكم أن لا يلقى عمله ذلك أبداً ، يكون ذلك مناه . وأما في الدنيا ، فقد كانت خطيئته يستلذها . وأخرجا أيضاً ، عن السدي { أَمَدَا بَعِيدًا } قال مكاناً بعيداً . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج { أمداً } قال أجلاً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَءوفُ بِٱلْعِبَادِ } قال من رأفته بهم حذرهم نفسه .