Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 35-37)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِذْ قَالَتِ } قال أبو عمرو « إذ » زائدة . وقال محمد بن يزيد إنه متعلق بمحذوف تقديره اذكر إذ قالت . وقال الزجاج هو متعلق بقوله { ٱصْطَفَى } وقيل متعلق بقوله { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وامرأة عمران اسمها - حنة بالحاء المهملة ، والنون - بنت فاقود بن قبيل أم مريم ، فهي جدة عيسى . وعمران هو ابن ماثان جد عيسى ، قوله { رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي } تقديم الجار ، والمجرور ، لكمال العناية ، وهذا النذر كان جائزاً في شريعتهم . ومعنى { لَكَ } أي لعبادتك { ومحرراً } منصوب على الحال ، أي عتيقاً خالصاً لله خادماً للكنيسة . والمراد هنا الحرية التي هي ضد العبودية . وقيل المراد بالمحرر هنا الخالص لله سبحانه الذي لا يشوبه شيء من أمر الدنيا . ورجح هذا بأنه لا خلاف أن عمران ، وامرأته حران . قوله { فَتَقَبَّلْ مِنّي } التقبل أخذ الشيء على وجه الرضا ، أي تقبل مني نذري بما في بطني . قوله { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } التأنيث باعتبار ما علم من المقام أن الذي في بطنها أنثى ، أو لكونه أنثى في علم الله ، أو بتأويل ما في بطنها بالنفس ، أو النسمة ، أو نحو ذلك . قوله { قَالَتْ رَبّ إِنّى وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ } إنما قالت هذه المقالة لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكر دون الأنثى ، فكأنها تحسرت ، وتحزنت لما فاتها من ذلك الذي كانت ترجوه ، وتقدره ، و { أنثى } حال مؤكدة من الضمير ، أو بدل منه . قوله { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } قرأ أبو بكر ، وابن عامر بضم التاء ، فيكون من جملة كلامها ، ويكون متصلاً بما قبله ، وفيه معنى التسليم لله ، والخضوع ، والتنزيه له أن يخفى عليه شيء . وقرأ الجمهور { وضعت } ، فيكون من كلام الله سبحانه على جهة التعظيم لما وضعته ، والتفخيم لشأنه ، والتجليل لها حيث وقع منها التحسر ، والتحزن ، مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله ، وابنها آية للعالمين ، وعبرة للمعتبرين ، ويختصها بما لم يختص به أحداً . وقرأ ابن عباس « بما وضعت » بكسر التاء على أنه خطاب من الله سبحانه لها ، أي إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب ، وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الأفهام ، وتتضافر عندها العقول . قوله { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلاْنثَىٰ } أي وليس الذكر الذي طلبت ، كالأنثى التي وضعت ، فإن غاية ما أرادت من كونه ذكراً أن يكون نذراً خادماً للكنيسة ، وأمر هذه الأنثى عظيم ، وشأنها فخيم . وهذه الجملة اعتراضية مبينة لما في الجملة الأولى من تعظيم الموضوع ، ورفع شأنه ، وعلوّ منزلته ، واللام في الذكر ، والأنثى للعهد ، هذا على قراءة الجمهور ، وعلى قراءة ابن عباس ، وأما على قراءة أبي بكر ، وابن عامر ، فيكون قوله { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلاْنثَىٰ } من جملة كلامها ، ومن تمام تحسرها ، وتحزنها ، أي ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادماً ، ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك ، وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت . قوله { وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } عطف على { إِنّى وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ } ومقصودها من هذا الإخبار بالتسمية التقرّب إلى الله سبحانه ، وأن يكون فعلها مطابقاً لمعنى اسمها ، فإن معنى مريم خادم الربّ بلغتهم ، فهي ، وإن لم تكن صالحة لخدمة الكنيسة ، فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات . قوله { وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } عطف على قوله { إِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } ، والرجيم المطرود ، وأصله المرمى بالحجارة ، طلبت الإعاذة لها ، ولولدها من الشيطان ، وأعوانه . قوله { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } أي رضي بها في النذر ، وسلك بها مسلك السعداء . وقال قوم معنى التقبل التكفل ، والتربية ، والقيام بشأنها ، والقبول مصدر مؤكد للفعل السابق ، والباء زائدة ، والأصل تقبلاً ، وكذلك قوله { وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } وأصله إنباتاً ، فحذف الحرف الزائد ، وقيل هو مصدر لفعل محذوف ، أي فنبتت نباتاً حسناً . والمعنى أنه سوّى خلقها من غير زيادة ، ولا نقصان ، قيل إنها كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام ، وقيل هو مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها ، قوله { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } أي ضمها إليه . وقال أبو عبيدة ضمن القيام بها . وقرأ الكوفيون { وَكَفَّلَهَا } بالتشديد ، أي جعله الله كافلاً لها ، وملتزماً بمصالحها ، وفي معناه ما في مصحف أبيّ ، " وأكفلها " ، وقرأ الباقون بالتخفيف على إسناد الفعل إلى زكريا ، ومعناه ما تقدّم من كونه ضمها إليه ، وضمن القيام بها . وروى عمرو بن موسى ، عن عبد الله بن كثير ، وأبي عبد الله المزني ، " وكفلها " بكسر الفاء . قال الأخفش لم أسمع كفل . وقرأ مجاهد « فتقبلها » بإسكان اللام على المسألة ، والطلب ، ونصب " ربَّها " على أنه منادى مضاف . وقرأ أيضاً « وأنبتها » بإسكان التاء « وكفلها » بتشديد الفاء المكسورة ، وإسكان اللام ، ونصب « زكريا » مع المدّ . وقرأ حفص ، وحمزة ، والكسائي « زكريا » بغير مد ، ومده الباقون ، وقال الفراء أهل الحجاز يمدون { زكريا } ، ويقصرونه . قال الأخفش فيه لغات المد ، والقصر ، و " زكريّ " بتشديد الياء ، وهو ممتنع على جميع التقادير للعجمة ، والتعريف مع ألف التأنيث . قوله { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ } قدّم الظرف للاهتمام به ، وكلمة كل ظرف ، والزمان محذوف ، و " ما " مصدرية ، أو نكرة موصوفة ، والعامل في ذلك قوله { وَجَدَ } أي كل زمان دخوله عليها ، وجد عندها رزقاً ، أي نوعاً من أنواع الرزق . والمحراب في اللغة أكرم موضع في المجلس قاله القرطبي ، وهو منصوب على التوسع ، قيل إن زكريا جعل لها محراباً لا يرتقي إليه إلا بسلم ، وكان يطلق عليها حتى كبرت ، وكان إذا دخل عليها وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، فقال { يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } أي من أين يجيء لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } فليس ذلك بعجيب ، ولا مستنكر ، وجملة قوله { إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } تعليلية لما قبلها ، وهو من تمام كلامها ، ومن قال إنه من كلام زكريا ، فتكون الجملة مستأنفة . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } قال كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد فيها ، وكانت ترجو أن يكون ذكراً . وأخرج ابن المنذر عنه قال نذرت أن تجعله محرراً للعبادة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { مُحَرَّرًا } قال خادماً للبيعة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه قال محرراً خالصاً لا يخالطه شيء من أمر الدنيا ، وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهلّ صارخاً من مس الشيطان إياه إلا مريم ، وابنها ، " ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم { وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } وللحديث ألفاظ عن أبي هريرة هذا أحدها ، وروى من حديث غيره . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس قال كفلها زكريا ، فدخل عليها المحراب ، فوجد عندها عنباً في مكتل في غير حينه ، فقال أنى لك هذا ؟ قالت هو من عند الله ، قال إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولداً { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } آل عمران 38 . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة قال كانت مريم ابنة سيدهم ، وإمامهم ، فتشاحّ عليها أحبارهم ، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها ، وكان زكريا زوج أختها ، فكفلها ، وكانت عنده ، وحضنها . وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وناس من الصحابة ، نحوه . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قال جعلها معه في محرابه .