Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 45-51)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { إِذْ قَالَتِ } بدل من قوله « وإذ قالت » المذكور قبله ، وما بينهما اعتراض ، وقيل بدل من « إذ يختصمون » وقيل منصوب بفعل مقدر . وقيل بقوله { يَخْتَصِمُونَ } وقيل بقوله { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ } . والمسيح اختلف فيه مماذا أخذ ؟ فقيل من المسح لأنه مسح الأرض ، أي ذهب فيها ، فلم يستكن بكن ، وقيل إنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا بريء ، فسمي مسيحاً ، فهو على هذين فعيل بمعنى فاعل ، وقيل لأنه كان يمسح بالدهن الذي كانت الأنبياء تمسح به ، وقيل لأنه كان ممسوح الأخمصين ، وقيل لأن الجمال مسحه ، وقيل لأنه مسح بالتطهير من الذنوب ، وهو على هذه الأربعة الأقوال فعيل بمعنى مفعول . وقال أبو الهيتم المسيح ضد المسيخ بالخاء المعجمة . وقال ابن الأعرابي المسيح الصديق . وقال أبو عبيد أصله بالعبرانية مشيخاً بالمعجمتين فعرّب ، كما عرّب موشى بموسى . وأما الدجال ، فسمي مسيحاً لأنه ممسوح إحدى العينين ، وقيل لأنه يمسح الأرض أي يطوف بلدانها إلا مكة ، والمدينة وبيت المقدس . وقوله { عِيسَى } عطف بيان ، أو بدل ، وهو اسم أعجمي ، وقيل هو عربي مشتق من عاسه يعوسه إذا ساسه . قال في الكشاف هو معرّب من أيشوع . انتهى . والذي رأيناه في الإنجيل في مواضع أن اسمه يشوع بدون همزة ، وإنما قيل ابن مريم مع كون الخطاب معها تنبيهاً على أنه يولد من غير أب ، فنسب إلى أمه . والوجيه ذو الوجاهة وهي القوّة والمنعة ، ووجاهته في الدنيا النبوّة ، وفي الآخرة الشفاعة ، وعلوّ الدرجة ، وهو منتصب على الحال من كلمة ، وإن كانت نكرة ، فهي موصوفة ، وكذلك قوله { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } في محل نصب على الحال . قال الأخفش هو معطوف على { وجيها } . والمهد مضجع الصبيّ في رضاعه ، ومهدت الأمر هيأته ، ووطأته . والكهل هو من كان بين سن الشباب ، والشيخوخة ، أي يكلم الناس حال كونه رضيعاً في المهد ، وحال كونه كهلاً بالوحي ، والرسالة ، قاله الزجاج . وقال الأخفش ، والفراء إن كهلاً معطوف على وجيهاً . قال الأخفش { وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } عطف على وجيهاً ، أي هو من العباد الصالحين . قوله { أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ } أي كيف يكون على طريقة الاستبعاد العادي { وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ } جملة حالية ، أي والحال أنه على حالة منافية للحالة المعتادة من كون له أب { قَالَ كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء } هو من كلام الله سبحانه . وأصل القضاء الأحكام ، وقد تقدّم ، وهو هنا الإرادة ، أي إذا أراد أمراً من الأمور { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } من غير عمل ولا مزاولة ، وهو تمثيل لكمال قدرته . قوله { وَيُعَلّمُهُ ٱلْكِتَـٰبَ } قيل هو معطوف على { يُبَشّرُكِ } أي إن الله يبشرك وإنّ الله يعلمه ، وقيل على { يَخْلُقُ } أي وكذلك يعلمه الله ، أو كلام مبتدأ سيق تطييباً لقلبها . والكتاب الكتابة . والحكمة العلم ، وقيل تهذيب الأخلاق ، وانتصاب رسولاً على تقدير ، ويجعله رسولاً ، أو ويكلمهم رسولاً ، أو وأرسلت رسولاً ، وقيل هو معطوف على قوله { وَجِيهاً } فيكون حالاً لأن فيه معنى النطق ، أي وناطقاً ، قال الأخفش وإن شئت جعلت الواو في قوله { ورسولاً } مقحمة ، والرسول حالاً . وقوله { أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ } معمول لرسول لأن فيه معنى النطق كما مر ، وقيل أصله بأني قد جئتكم ، فحذف الجار ، وقيل منصوب بمضمر أي تقول أني قد جئتكم ، وقيل معطوف على الأحوال السابقة . وقوله { بِـئَايَةٍ } في محل نصب على الحال ، أي متلبساً بعلامة كائنة { مّن رَّبّكُمْ } . وقوله { أَنِى أَخْلُقُ } أي أصوّر ، وأقدّر { لَكُمْ مّنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } وهذه الجملة بدل من الجملة الأولى ، وهي { أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ } أو بدل من آية ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هي أني ، وقريء بكسر الهمزة على الاستئناف . وقرأ الأعرج ، وأبو جعفر ، " كهيئة الطير " بالتشديد ، والكاف في قوله { كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } نعت مصدر محذوف ، أي أخلق لكم خلقاً ، أو شيئاً مثل هيئة الطير . وقوله { فَأَنفُخُ فِيهِ } أي في ذلك الخلق ، أو ذلك الشيء ، فالضمير راجع إلى الكاف في قوله كهيئة الطير ، وقيل الضمير راجع إلى الطير ، أي الواحد منه ، وقيل إلى الطين ، وقريء " فيكون طائراً ، وطيراً ، " مثل تاجر وتجر ، وقيل إنه لم يخلق غير الخفاش لما فيه من عجائب الصنعة ، فإن له ثدياً ، وأسناناً ، وأذناً ، ويحيض ، ويطهر ، وقيل إنهم طلبوا خلق الخفاش لما فيه من العجائب المذكورة ، ولكونه يطير بغير ريش ، ويلد ، كما يلد سائر الحيوانات مع كونه من الطير ، ولا يبيض ، كما يبيض سائر الطيور ، ولا يبصر في ضوء النهار ، ولا في ظلمة الليل ، وإنما يرى في ساعتين بعد غروب الشمس ساعة ، وبعد طلوع الفجر ساعة ، وهو يضحك ، كما يضحك الإنسان وقيل إن سؤالهم له كان على وجه التعنت ، قيل كان يطير ما دام الناس ينظرونه ، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً ليتميز فعل الله من فعل غيره ، وقوله { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } فيه دليل على أنه لولا الإذن من الله عزّ وجلّ لم يقدر على ذلك ، وأن خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه أجراه على يد عيسى عليه السلام . قيل كانت تسوية الطين ، والنفخ من عيسى ، والخلق من الله عزّ وجلّ . قوله { وَأُبْرِىء ٱلأكْمَهَ } الأكمه الذي يولد أعمى ، كذا قال أبو عبيدة . وقال ابن فارس الكمه العمي يولد به الإنسان ، وقد يعرض ، يقال كمه يكمه كمها إذا عمي ، وكمهت عينه إذا أعميتها وقيل الأكمه الذي يبصر بالنهار ، ولا يبصر بالليل ، وقيل هو الممسوح العين . والبرص معروف ، وهو بياض يظهر في الجلد . وقد كان عيسى عليه السلام يبريء من أمراض عدّة ، كما اشتمل عليه الإنجيل ، وإنما خص الله سبحانه هذين المرضين بالذكر لأنهما لا يبرآن في الغالب بالمداواة ، وكذلك إحياء الموتى قد اشتمل الإنجيل على قصص من ذلك . قوله { وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ } أي أخبركم بالذي تأكلونه ، وبالذي تدّخرونه . قوله { وَمُصَدّقًا } عطف على قوله { وَرَسُولاً } وقيل المعنى وجئتكم مصدّقاً . قوله { وَلأِحِلَّ } أي ولأجل أن أحلّ ، أي جئتكم بآية من ربكم ، وجئتكم لأحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم من الأطعمة في التوراة ، كالشحوم ، وكل ذي ظفر ، وقيل إنما أحلّ لهم ما حرّمته عليهم الأحبار ، ولم تحرّمه التوراة . وقال أبو عبيدة يجوز أن يكون { بعض } بمعنى كلّ ، وأنشد @ تَرّاكُ أمكنَةٍ إذَا لم أرْضها أو يرْتِبَطْ بعضَ النفوسِ حِمامُها @@ قال القرطبي وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة لأن البعض ، والجزء لا يكونان بمعنى الكل ، ولأن عيسى لم يحلل لهم جميع ما حرّمته عليهم التوراة ، فإنه لم يحلل القتل ، ولا السرقة ، ولا الفاحشة ، وغير ذلك من المحرّمات الثابتة في الإنجيل مع كونها ثابتة في التوراة ، وهي كثيرة يعرف ذلك من يعرف الكتابين ، ولكنه قد يقع البعض موقع الكل مع القرينة ، كقول الشاعر @ أبَا مُنْذِرٍ أفْنَيتَ فاستبق بَعْضنَا حَنَانْيك بعضُ الشَّرِ أهوَنُ مِن بَعْضِ @@ أي بعض الشرّ أهون من كله . قوله { بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } هي قوله { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ } وإنما كان ذلك آية ، لأن من قبله من الرسل كانوا يقولون ذلك ، فمجيئه بما جاءت به الرسل يكون علامة على نبوّته . ويحتمل أن تكون هذه الآية هي الآية المتقدّمة ، فتكون تكريراً لقوله { أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ ٱلطّينِ } الآية . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { بِكَلِمَةٍ } قال عيسى هو الكلمة من الله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال المهد مضجع الصبيّ في رضاعه . وقد ثبت في الصحيح أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي ، فجاءته أمه فدعته فقال أجيبها ، أو أصلي ؟ فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ، وكان جريج في صومعة ، فتعرضت له امرأة ، وكلمته ، فأبى ، فأتت راعياً ، فأمكنته من نفسها ، فولدت غلاماً ، فقالت من جريج ، فأتوه فكسروا صومعته ، وأنزلوه ، وسبوه ، فتوضأ ، وصلى ، ثم أتى الغلام ، فقال من أبوك يا غلام ؟ قال الراعي ، قالوا نبني صومعتك من ذهب ؟ قال لا إلا من طين . وكانت امرأة من بني إسرائيل ترضع ابناً لها ، فمرّ بها رجل راكب ذو شارة ، فقالت اللهم اجعل ابني مثله ، فترك ثديها ، وأقبل على الراكب ، فقال اللهم لا تجعلني مثله ، ثم أقبل على ثديها يمصه ، ثم مرّ بأمة تجرجر ، ويلعب بها ، فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه ، فترك ثديها ، فقال اللهمّ اجعلني مثلها ، فقالت لم ذاك ؟ فقال الراكب جبار من الجبابرة ، وهذه الأمة يقولون لها زَنيتِ ، وتقول حسبي الله ، ونعم الوكيل ، ويقولون سرقت ، وتقول حسبي الله . وأخرج أبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم يتكلم في المهد إلا عيسى ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وابن ماشطة فرعون " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة في قوله { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } قال يكلمهم صغيراً ، وكبيراً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال الكهل هو من في سن الكهولة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال الكهل الحليم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَيُعَلّمُهُ ٱلْكِتَـٰبَ } قال الخط بالقلم . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريح ، نحوه . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس قال إنما خلق عيسى طائراً واحداً ، وهو الخفاش . وأخرج ابن جريج ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق الضحاك ، عن ابن عباس قال الأكمه الذي يولد أعمى . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه قال الأكمه الأعمى الممسوح العينين . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال الأكمه الذي يبصر بالنهار ، ولا يبصر بالليل . وأخرجوا عن عكرمة قالوا الأكمه الأعمش . وأخرج أحمد في الزهد ، عن خالد الحذاء قال كان عيسى ابن مريم إذا سرح رسله يحيون الموتى يقول لهم قولوا كذا ، فإذا وجدتم قشعريرة ، ودمعة ، فادعوا عند ذلك . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ } قال بما أكلتم البارحة من طعام ، وما خبأتم منه . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عمار بن ياسر قال { أُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ } من المائدة { وَمَا تَدَّخِرُونَ } منها ، وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ، ولا يدّخروا ، فأكلوا ، وادّخروا ، وخانوا ، فجعلوا قردة ، وخنازير . وأخرج ابن جرير ، عن وهب أن عيسى كان على شريعة موسى ، وكان يسبت ، ويستقبل بيت المقدس ، وقال لبني إسرائيل إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا لأحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم ، وأضع عنكم من الآصار . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الربيع في الآية قال كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى ، وكان قد حرّم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل ، والثروب ، فأحلها لهم على لسان عيسى ، وحرّم عليهم الشحوم ، فأحلت لهم فيما جاء به عيسى ، وفي أشياء من السمك ، وفي أشياء من الطير ، وفي أشياء أخر حرّمها عليهم ، وشدّد عليهم فيها ، فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } قال ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها ، وما أعطاه ربه .