Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 59-63)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تشبيه عيسى بآدم في كونه مخلوقاً من غير أب كآدم ، ولا يقدح في التشبيه اشتمال المشبه به على زيادة ، وهو كونه لا أمّ له كما أنه لا أب له ، فذلك أمر خارج عن الأمر المراد بالتشبيه ، وإن كان المشبه به أشد غرابة من المشبه ، وأعظم عجباً ، وأغرب أسلوباً . وقوله { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } جملة مفسرة لما أبهم في المثل ، أي أن آدم لم يكن له أب ، ولا أم ، بل خلقه الله من تراب . وفي ذلك دفع لإنكار من أنكر خلق عيسى من غير أب مع اعترافه بأنّ آدم خلق من غير أب ، وأمّ . قوله { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } أي كن بشراً ، فكان بشراً . وقوله { فَيَكُونُ } حكاية حال ماضية ، وقد تقدّم تفسير هذا . وقوله { ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } قال الفراء هو مرفوع بإضمار هو . وقال أبو عبيدة هو استئناف كلام ، وخبره قوله { مِن رَبّكَ } وقيل هو فاعل فعل محذوف ، أي جاءك الحق من ربك . قوله { فَلاَ تَكُنْ مّن ٱلْمُمْتَرِينَ } الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس ، أي لا يكن أحد منكم ممترياً ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم ، ويكون النهي له لزيادة التثبيت لأنه لا يكون منه شك في ذلك . قوله { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ } هذا وإن كان عاماً ، فالمراد به الخاص ، وهم النصارى الذين وفدوا إليه صلى الله عليه وسلم من نجران ، كما سيأتي بيانه ، ويمكن أن يقال هو على عمومه ، وإن كان السبب خاصاً ، فيدل على جواز المباهلة منه صلى الله عليه وسلم لكل من حاجه في عيسى عليه السلام ، وأمته أسوته ، وضمير { فيه } لعيسى والمراد بمجيء العلم هنا مجيء سببه ، وهو الآيات البينات ، والمحاجة المخاصمة ، والمجادلة . وقوله { تَعَالَوْاْ } أي هلموا ، وأقبلوا ، وأصله الطلب لإقبال الذوات ، ويستعمل في الرأي إذا كان المخاطب حاضراً ، كما تقول لمن هو حاضر عندك تعال ننظر في هذا الأمر . قوله { نَدْعُ أَبْنَاءنَا } الخ اكتفى بذكر البنين عن البنات ، إما لدخولهن في النساء ، أو لكونهم الذين يحضرون . مواقف الخصام دونهن ، ومعنى الآية ليدع كل منا ومنكم أبناءه ، ونساءه ، ونفسه إلى المباهلة . وفيه دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء لكونه صلى الله عليه وسلم أراد بالأبناء الحسنين ، كما سيأتي . قوله { نَبْتَهِلْ } أصل الابتهال الاجتهاد في الدعاء باللعن ، وغيره ، يقال بهله الله ، أي لعنه ، والبهل اللعن . قال أبو عبيد ، والكسائي نبتهل نلتعن ، ويطلق على الاجتهاد في الهلاك ، ومنه قول لبيد @ فِي كُهُول سَادَةٍ مِنْ قَوْمِه نَظَرَ الدَّهْرُ إلَيهم فابْتَهَلْ @@ أي فاجتهد في هلاكهم . قال في الكشاف ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه ، وإن لم يكن التعانا . قوله { فَنَجْعَل لَّعْنَتُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَـٰذِبِينَ } عطف على نبتهل مبين لمعناه { إِنَّ هَذَا } أي الذي قصه الله على رسوله من نبأ عيسى { لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } القصص التتابع ، يقال فلان يقص أثر فلان ، أي يتبعه ، فأطلق على الكلام الذي يتبع ، بعضه بعضاً ، وضمير الفصل للحصر ، ودخول اللام عليه لزيادة تأكيده ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره ، وزيادة " من " في قوله { مِنْ إِلَـهٍ } لتأكيد العموم ، وهو ردّ على من قال بالتثليث من النصارى . وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديث حذيفة أن العاقب ، والسيد أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يلاعنهما ، فقال أحدهما لصاحبه لا نلاعنه ، فوالله لئن كان نبياً ، فلاعننا لا نفلح أبداً نحن ، ولا عقبنا من بعدنا ، فقالوا له نعطيك ما سألت ، فابعث معنا رجلاً أميناً ، فقال " قم يا أبا عبيدة ، " فلما قام قال " هذا أمين هذه الأمة " . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس أن رهطاً من أهل نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم السيد والعاقب ، فقالوا ما شأنك تذكر صاحبنا ؟ قال من هو ؟ قالوا عيسى تزعم أنه عبد الله ، قالوا فهل رأيت مثل عيسى ، وأنبئت به ، ثم خرجوا من عنده ، فجاء جبريل ، فقال قل لهم إذا أتوك { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ } إلى آخر الآية . وقد رويت هذه القصة على وجوه ، عن جماعة من التابعين . وأخرج الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن جابر قال قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب ، والسيد ، فدعاهما إلى الإسلام ، فقالا أسلمنا يا محمد ، فقال " كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام ، " قالا فهات . قال " حبّ الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير " . قال جابر فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه على الغد ، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ بيد عليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، ثم أرسل إليهما ، فأبيا أن يجيباه ، وأقرّا له ، فقال والذي بعثني بالحق لو فعلا ، لأمطر الوادي عليهما ناراً . قال جابر فيهم نزلت { تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وأبناءكم } الآية . قال جابر { أَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ } رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليّ ، وأبناءنا الحسن ، والحسين ، ونساءنا فاطمة . ورواه أيضاً الحاكم ، من وجه آخر عن جابر وصححه ، وفيه أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هل لك أن نلاعنك ؟ وأخرج مسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي ، عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الآية { قُلْ تَعَالَوْاْ } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ، وفاطمة ، وحسناً ، وحسيناً ، فقال " اللهم هؤلاء أهلي " . وأخرج ابن عساكر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه { تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا } الآية ، قال فجاء بأبي بكر ، وولده ، وبعمر ، وولده ، وبعثمان ، وولده ، وبعليّ ، وولده . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج ، عن ابن عباس { ثُمَّ نَبْتَهِلْ } نجتهد . وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام ، " وهذا الدعاء " ، فرفع يديه حذو منكبيه ، وهذا الابتهال ، فرفع يديه مدّاً .