Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 10-14)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم ذكر سبحانه من عباده المنيبين إليه داود ، وسليمان كما قال في داود { فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } صۤ 24 وقال في سليمان { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } صۤ 34 ، فقال { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ مِنَّا فَضْلاً } أي آتيناه بسبب إنابته فضلاً منا على سائر الأنبياء . واختلف في هذا الفضل على أقوال فقيل النبوّة . وقيل الزبور . وقيل العلم . وقيل القوّة كما في قوله { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودُ ذَا ٱلأَيْدِ } صۤ 17 . وقيل تسخير الجبال كما في قوله { يٰجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ } وقيل التوبة ، وقيل الحكم بالعدل كما في قوله { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقّ } صۤ 26 . وقيل هو إلاّنة الحديد كما في قوله { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } ، وقيل حسن الصوت ، والأولى أن يقال إن هذا الفضل المذكور هو ما ذكره الله بعده من قوله { يا جِبَالٍ } إلى آخر الآية ، وجملة { يٰجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ } مقدّرة بالقول ، أي قلنا يا جبال . والتأويب التسبيح كما في قوله { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبّحْنَ } صۤ 18 . قال أبو ميسرة هو التسبيح بلسان الحبشة . وكان إذا سبح داود سبحت معه ، ومعنى تسبيح الجبال أن الله يجعلها قادرة على ذلك ، أو يخلق فيها التسبيح معجزة لداود . وقيل معنى { أوّبي } سيري معه ، من التأويب الذي هو سير النهار أجمع ، ومنه قول ابن مقبل @ لحقنا بحيّ أوّبوا السير بعد ما دفعنا شعاع الشمس والطرف مجنح @@ قرأ الجمهور { أوّبى } بفتح الهمزة ، وتشديد الواو على صيغة الأمر ، من التأويب وهو الترجيع ، أو التسبيح ، أو السير ، أو النوح . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وابن أبي إسحاق « أوبى » بضم الهمزة أمراً من آب يئوب إذا رجع ، أي ارجعي معه . قرأ الجمهور { وَٱلطَّيْرُ } بالنصب عطفاً على { فضلاً } على معنى وسخرنا له الطير ، لأن إيتاءه إياها تسخيرها له ، أو عطفاً على محل { يا جبال } لأنه منصوب تقديراً ، إذ المعنى نادينا الجبال ، والطير . وقال سيبويه ، وأبو عمرو بن العلاء انتصابه بفعل مضمر على معنى وسخرنا له الطير . وقال الزجاج ، والنحاس يجوز أن يكون مفعولاً معه كما تقول استوى الماء ، والخشبة . وقال الكسائي إنه معطوف على { فضلاً } لكن على تقدير مضاف محذوف ، أي آتيناه فضلاً ، وتسبيح الطير . وقرأ السلمي ، والأعرج ، ويعقوب ، وأبو نوفل ، وابن أبي إسحاق ، ونصر بن عاصم ، وابن هرمز ، ومسلمة بن عبد الملك بالرفع عطفاً على لفظ الجبال ، أو على المضمر في { أوّبي } لوقوع الفصل بين المعطوف ، والمعطوف عليه { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } معطوف على { آتيناه } أي جعلناه ليناً ليعمل به ما شاء . قال الحسن صار الحديد كالشمع يعمله من غير نار . وقال السدّي كان الحديد في يده كالطين المبلول ، والعجين ، والشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار ، ولا ضرب بمطرقة ، وكذا قال مقاتل ، وكان يفرغ من عمل الدرع في بعض يوم . { أَنِ ٱعْمَلْ سَـٰبِغَـٰتٍ } في " أن " هذه وجهان أحدهما أنها مصدرية على حذف حرف الجرّ ، أي بأن اعمل ، والثاني أنها المفسرة لقوله { وَأَلَنَّا } ، وفيه نظر لأنها لا تكون إلاّ بعد القول ، أو ما هو في معناه . وقدّر بعضهم فعلاً فيه معنى القول ، فقال التقدير وأمرناه أن أعمل . وقوله { سَـٰبِغَـٰتٍ } صفة لموصوف محذوف ، أي دروعاً سابغات ، والسابغات الكوامل الواسعات ، يقال سبغ الدرع ، والثوب ، وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه ، وفضل منه فضلة . { وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } السرد نسج الدروع ، ويقال السرد والزرد كما يقال السراد ، والزراد لصانع الدروع ، والسرد أيضاً الخرز . يقال سرد يسرد إذا خرز ، ومنه سرد الكلام إذا جاء به متوالياً ، ومنه حديث عائشة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم . قال سيبويه ومنه سريد أي جري ، ومعنى سرد الدروع إحكامها ، وأن يكون نظم حلقها ولاء غير مختلف ، ومنه قول لبيد @ سرد الدروع مضاعفاً أسراده لينال طول العيش غير مروم @@ وقول أبي ذؤيب الهذلي @ وعليهما مسرودتان قضاهما داود إذ صنع السوابغ تبع @@ قال قتادة كانت الدروع قبل داود ثقالاً ، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع الخفة والحصانة ، أي قدّر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه ، فلا تقصد الحصانة فيثقل ، ولا الخفة فيزيل المنعة ، وقال ابن زيد التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة ، أي لا تعملها صغيرة فتضعف ولا يقوى الدرع على الدفاع ، ولا تعملها كبيرة فتثقل على لابسها . وقيل إن التقدير هو في المسمار ، أي لا تجعل مسمار الدرع دقيقاً فيقلق ، ولا غليظاً فيفصم الحلق . ثم خاطب داود ، وأهله ، فقال { وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً } أي عملاً صالحاً كما في قوله { ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودُ شَـٰكِراً } ، ثم علل الأمر بالعمل الصالح بقوله { إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي لا يخفى عليّ شيء من ذلك . { وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ } قرأ الجمهور { الريح } بالنصب على تقدير وسخرنا لسليمان الريح كما قال الزجاج ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه بالرفع على الابتداء ، والخبر ، أي ولسليمان الريح ثابتة أو مسخرة ، وقرأ الجمهور { الريح } ، وقرأ الحسن ، وأبو حيوة ، وخالد بن إلياس الرياح بالجمع . { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } أي تسير بالغداة مسيرة شهر ، وتسير بالعشي كذلك ، والجملة إما مستأنفة لبيان تسخير الريح ، أو في محل نصب على الحال . والمعنى أنها كانت تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين . قال الحسن كان يغدو من دمشق ، فيقيل بإصطخر ، وبينهما مسيرة شهر للمسرع ، ثم يروح من إصطخر ، فيبيت بكابل ، وبينهما مسيرة شهر { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } القطر النحاس الذائب . قال الواحدي قال المفسرون أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وإنما يعمل الناس اليوم بما أعطي سليمان ، والمعنى أسلنا له عين النحاس كما ألنا الحديد لداود ، وقال قتادة أسال الله له عيناً يستعملها فيما يريد { وَمِنَ ٱلْجِنّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبّهِ } من مبتدأ ، ويعمل خبره ، ومن الجنّ متعلق به ، أو بمحذوف على أنه حال ، أو من يعمل معطوف على الريح ، ومن الجنّ حال ، والمعنى وسخرنا له من يعمل بين يديه حال كونه من الجنّ بإذن ربه ، أي بأمره . والإذن مصدر مضاف إلى فاعله ، والجار والمجرور في محل نصب على الحال ، أي مسخراً أو ميسراً بأمر ربه { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } أي ومن يعدل من الجنّ عن أمرنا الذي أمرناه به وهو طاعة سليمان { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } قال أكثر المفسرين وذلك في الآخرة . وقيل في الدنيا . قال السدّي وكل الله بالجنّ ملكاً بيده سوط من نار ، فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه بذلك السوط ضربة فتحرقه . ثم ذكر سبحانه ما يعمله الجنّ لسليمان ، فقال { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء } ، و « من » في قوله { مِن مَّحَـٰرِيبَ } للبيان ، والمحاريب في اللغة كل موضع مرتفع ، وهي الأبنية الرفيعة ، والقصور العالية . قال المبرد لا يكون المحراب إلاّ أن يرتقى إليه بدرج ، ومنه قيل للذي يصلي فيه محراب لأنه يرفع ويعظم . وقال مجاهد المحاريب دون القصور . وقال أبو عبيدة المحراب أشرف بيوت الدار ، ومنه قول الشاعر @ وماذا عليه إن ذكرت أوانسا كغزلان رمل في محاريب أقيال @@ وقال الضحاك المراد بالمحاريب هنا المساجد ، والتماثيل جمع تمثال ، وهو كل شيء مثلته بشيء ، أي صوّرته بصورته من نحاس ، أو زجاج ، أو رخام ، أو غير ذلك . قيل كانت هذه التماثيل صور الأنبياء ، والملائكة ، والعلماء ، والصلحاء ، وكانوا يصوّرونها في المساجد ليراها الناس ، فيزدادوا عبادة واجتهاداً . وقيل هي تماثيل أشياء ليست من الحيوان . وقد استدل بهذا على أن التصوير كان مباحاً في شرع سليمان ، ونسخ ذلك بشرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . والجفان جمع جفنة ، وهي القصعة الكبيرة . { الجواب } جمع جابية ، وهي حفيرة كالحوض . وقيل هي الحوض الكبير يجبي الماء ، أي يجمعه . قال الواحدي قال المفسرون يعني قصاعاً في العظم كحياض الإبل يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها . قال النحاس الأولى إثبات الياء في الجوابي ، ومن حذف الياء قال سبيل الألف واللام أن تدخل على النكرة فلا تغيرها عن حالها ، فلما كان يقال جواب ، ودخلت الألف واللام أقرّ على حاله ، فحذف الياء . قال الكسائي يقال جبوت الماء ، وجبيته في الحوض ، أي جمعته ، والجابية الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل . وقال النحاس والجابية القدر العظيمة ، والحوض العظيم الكبير الذي يجبى فيه الشي ، أي يجمع ، ومنه جبيت الخراج ، وجبيت الجراد جمعته في الكساء { وَقُدُورٍ رسِيَـٰتٍ } قال قتادة هي قدور النحاس تكون بفارس ، وقال الضحاك هي قدور تنحت من الجبال الصمّ عملتها له الشياطين . ومعنى { راسيات } . ثابتات لا تحمل ، ولا تحرّك لعظمها . ثم أمرهم سبحانه بالعمل الصالح على العموم ، أي سليمان وأهله ، فقال { ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودُ شَـٰكِراً } أي وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكراً له على ما آتاكم ، أو اعملوا عملاً شكراً على أنه صفة مصدر محذوف ، أو اعملوا للشكر على أنه مفعول له ، أو حال ، أي شاكرين ، أو مفعول به ، وسميت الطاعة شكراً لأنها من جملة أنواعه ، أو منصوب على المصدرية بفعل مقدّر من جنسه ، أي اشكروا شكراً . ثم بين بعد أمرهم بالشكر أن الشاكرين له من عباده ليسوا بالكثير ، فقال { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ } أي العامل بطاعتي الشاكر لنعمتي قليل . وارتفاع { قليل } على أنه خبر مقدّم ، و { من عبادي } صفة له ، والشكور مبتدأ . { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ } أي حكمنا عليه به ، وألزمناه إياه { مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ } يعني الأرضة . وقرىء . الأرض بفتح الراء ، أي الأكل ، يقال أرضت الخشبة أرضاً إذا أكلتها الأرضة . ومعنى تأكل منسأته تأكل عصاه التي كان متكئاً عليها ، والمنسأة العصا بلغة الحبشة ، أو هي مأخوذة من نسأت الغنم ، أي زجرتها . قال الزجاج المنسأة التي ينسأ بها أي يطرد . قرأ الجمهور { منسأته } بهمزة مفتوحة . وقرأ ابن ذكوان بهمزة ساكنة . وقرأ نافع ، وأبو عمرو بألف محضة . قال المبرد بعض العرب يبدل من همزتها ألفاً ، وأنشد @ إذا دببت على المنسأة من كبر فقد تباعد عنك اللهو والغزل @@ ومثل قراءة الجمهور قول الشاعر @ ضربنا بمنسأة وجهه فصار بذاك مهيناً ذليلا @@ ومثله @ أمن أجل حبل لا أباك ضربته بمنسأة قد جرّ حبلك أحبلا @@ ومما يدلّ على قراءة ابن ذكوان قول طرفة @ أمون كألواح الأران نسأتها على لاحب كأنه ظهر برجد @@ { فَلَمَّا خَرَّ } أي سقط { تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ } أي ظهر لهم ، من تبينت الشيء إذا علمته ، أي علمت الجن { أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } أي لو صح ما يزعمونه من أنهم يعلمون الغيب لعلموا بموته ، ولم يلبثوا بعد موته مدة طويلة في العذاب المهين في العمل الذي أمرهم به ، والطاعة له ، وهو إذ ذاك ميت . قال مقاتل العذاب المهين الشقاء ، والنصب في العمل . قال الواحدي قال المفسرون كانت الناس في زمان سليمان يقولون إن الجنّ تعلم الغيب ، فلما مكث سليمان قائماً على عصاه حولاً ميتاً ، والجنّ تعمل تلك الأعمال الشاقة التي كانت تعمل في حياة سليمان لا يشعرون بموته حتى أكلت الأرضة عصاه ، فخرّ ميتاً ، فعلموا بموته ، وعلم الناس أن الجنّ لا تعلم الغيب ، ويجوز أن يكون تبينت الجنّ من تبين الشيء ، لا من تبينت الشيء ، أي ظهر ، وتجلى ، وأن وما في حيزها بدل اشتمال من الجنّ مع تقدير محذوف ، أي ظهر أمر الجن للناس أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ، أو ظهر أن الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب إلخ . قرأ الجمهور { تبينت } على البناء للفاعل مسنداً إلى الجنّ . وقرأ ابن عباس ويعقوب { تبينت } على البناء للمفعول ، ومعنى القراءتين يعرف مما قدّمنا . وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أَوّبِى مَعَهُ } قال سبحي معه ، وروي مثله عن أبي ميسرة ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، وابن زيد . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } قال كالعجين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طرق عنه أيضاً في قوله { وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } قال حلق الحديد . وأخرج عبد الرّزّاق ، والحاكم عنه أيضاً { وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } قال لا تدقّ المسامير ، وتوسع الحلق ، فتسلس ، ولا تغلظ المسامير ، وتضيق الحلق ، فتقصم ، واجعله قدراً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طرق عنه أيضاً في قوله { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } قال النحاس . وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال القطر النحاس لم يقدر عليها أحد بعد سليمان ، وإنما يعمل الناس بعده فيما كان أعطي سليمان . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال القطر الصفر . وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس في قوله { وَتَمَـٰثِيلَ } قال اتخذ سليمان تماثيل من نحاس فقال يا ربّ انفخ فيها الروح ، فإنها أقوى على الخدمة ، فنفخ الله فيها الروح ، فكانت تخدمه ، وكان اسفنديار من بقاياهم ، فقيل لداود وسليمان { ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودُ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ } . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { كَٱلْجَوَابِ } قال كالجوبة من الأرض { وَقُدُورٍ رسِيَـٰتٍ } قال أثافيها منها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ } يقول قليل من عبادي الموحدين توحيدهم . وأخرج هؤلاء عنه أيضاً قال لبث سليمان على عصاه حولاً بعد ما مات ، ثم خرّ على رأس الحول ، فأخذت الجنّ عصي مثل عصاه ، ودابة مثل دابته ، فأرسلوها عليها ، فأكلتها في سنة ، وكان ابن عباس يقرأ { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ } الآية ، قال سفيان وفي قراءة ابن مسعود « وهم يدأبون له حولاً » . وأخرج البزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن السني ، وابن مردويه عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كان سليمان إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه ، فيقول لها ما اسمك ؟ فتقول كذا ، وكذا ، فيقول لما أنت ؟ فتقول لكذا ، وكذا ، فإن كانت لغرس غرست ، وإن كانت لدواء كتبت ، وصلى ذات يوم ، فإذا شجرة نابتة بين يديه ، فقال لها ما اسمك ؟ قالت الخروب ؟ قال لأيّ شيء أنت ؟ قالت لخراب هذا البيت ، فقال سليمان اللهم عمّ عن الجنّ موتي حتى يعلم الإنس أن الجنّ لا يعلمون الغيب ، فهيأ عصا ، فتوكأ عليها ، وقبضه الله ، وهو متكىء عليها ، فمكث حولاً ميتاً ، والجنّ تعمل ، فأكلتها الأرضة ، فسقطت ، فعلموا عند ذلك بموته ، فتبينت الإنس { أن } الجنّ { لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } " وكان ابن عباس يقرؤها كذلك ، فشكرت الجنّ للأرضة ، فأينما كانت يأتونها بالماء . وأخرجه الحاكم وصححه عن ابن عباس موقوفاً ، وأخرج الديلمي عن زيد بن أرقم مرفوعاً يقول الله عزّ وجلّ « إني تفضلت على عبادي بثلاث ألقيت الدابة على الحبة ، ولولا ذلك لكنزها الملوك كما يكنزون الذهب ، والفضة ، وألقيت النتن على الجسد ، ولولا ذلك لم يدفن حبيب حبيبه ، واستلبت الحزن ، ولولا ذلك لذهب النسل » .