Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 22-27)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ } هذا أمر للنبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يقول لكفار قريش ، أو للكفار على الإطلاق هذا القول ، ومفعولا زعمتم محذوفان ، أي زعمتموهم آلهة لدلالة السياق عليهما . قال مقاتل يقول ادعوهم ليكشفوا عنكم الضرّ الذي نزل بكم في سنين الجوع . ثم أجاب سبحانه عنهم ، فقال { لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } أي ليس لهم قدرة على خير ، ولا شرّ ، ولا على جلب نفع ، ولا دفع ضرر في أمر من الأمور ، وذكر السماوات والأرض لقصد التعميم لكونهما ظرفاً للموجودات الخارجية { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ } أي ليس للآلهة في السماوات والأرض مشاركة لا بالخلق ، ولا بالملك ، ولا بالتصرّف { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ } أي وما لله سبحانه من تلك الآلهة من معين يعينه على شيء من أمر السمٰوات والأرض ومن فيهما . { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُ } أي شفاعة من يشفع عنده من الملائكة ، وغيرهم ، وقوله { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال ، أي لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال إلاّ كائنة لمن أذن له أن يشفع من الملائكة ، والنبيين ، ونحوهم من أهل العلم ، والعمل ، ومعلوم أن هؤلاء لا يشفعون إلاّ لمن يستحق الشفاعة ، لا للكافرين ، ويجوز أن يكون المعنى لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المتأهلين لها في حال من الأحوال إلاّ كائنة لمن أذن له ، أي لأجله ، وفي شأنه من المستحقين للشفاعة لهم ، لا من عداهم من غير المستحقين لها ، واللام في { لمن } يجوز أن تتعلق بنفس الشفاعة . قال أبو البقاء كما تقول شفعت له ، ويجوز أن تتعلق بتنفع ، والأولى أنها متعلقة بالمحذوف كما ذكرنا . قيل والمراد بقوله { لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ } أنها لا توجد أصلاً إلاّ لمن أذن له ، وإنما علق النفي بنفعها لا بوقوعها تصريحاً بنفي ما هو غرضهم من وقوعها . قرأ الجمهور { أذن } بفتح الهمزة ، أي أذن له الله سبحانه ، لأن اسمه سبحانه مذكور قبل هذا ، وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بضمها على البناء للمفعول ، والآذن هو الله سبحانه ، ومثل هذه الآية قوله تعالى { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } البقرة 255 ، وقوله { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } الأنبياء 28 ، ثم أخبر سبحانه عن خوف هؤلاء الشفعاء ، والمشفوع لهم ، فقال { حَتَّىٰ إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } قرأ الجمهور { فزّع } مبنياً للمفعول ، والفاعل هو الله ، والقائم مقام الفاعل هو الجارّ والمجرور ، وقرأ ابن عامر فزّع مبنياً للفاعل ، وفاعله ضمير يرجع إلى الله سبحانه ، وكلا القراءتين بتشديد الزاي ، وفعل معناه السلب ، فالتفزيع إزالة الفزع . وقرأ الحسن مثل قراءة الجمهور إلاّ أنه خفّف الزاي . قال قطرب معنى فزّع عن قلوبهم أخرج ما فيها من الفزع ، وهو الخوف . وقال مجاهد كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة . والمعنى أن الشفاعة لا تكون من أحد من هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة ، والأنبياء والأصنام ، إلاّ أن الله سبحانه يأذن للملائكة والأنبياء ، ونحوهم في الشفاعة لمن يستحقها ، وهم على غاية النزع من الله كما قال تعالى { وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } الأنبياء 28 ، فإذا أذن لهم في الشفاعة فزعوا لما يقترن بتلك الحالة من الأمر الهائل ، والخوف الشديد من أن يحدث شيء من أقدار الله ، فإذا سرّي عليهم { قَالُواْ } للملائكة فوقهم ، وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } أي ماذا أمر به ، فيقولون لهم قال القول { ٱلْحَقّ } ، وهو قبول شفاعتكم للمستحقين لها دون غيرهم { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ } فله أن يحكم في عباده بما يشاء ، ويفعل ما يريد . وقيل هذا الفزع يكون للملائكة في كل أمر يأمر به الربّ . والمعنى لا تنفع الشفاعة إلاّ من الملائكة الذين هم فزعون اليوم مطيعون لله ، دون الجمادات ، والشياطين . وقيل إن الذين يقولون ماذا قال ربكم هم المشفوع لهم ، والذين أجابوهم هم الشفعاء من الملائكة ، والأنبياء . وقال الحسن ، وابن زيد ، ومجاهد معنى الآية حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين في الآخرة . قالت لهم الملائكة ماذا قال ربكم في الدنيا ؟ قالوا الحقّ ، فأقرّوا حين لا ينفعهم الإقرار . وقرأ ابن عمر ، وقتادة فرّغ بالراء المهملة ، والغين المعجمة من الفراغ . والمعنى فرغ الله قلوبهم أي كشف عنها الخوف . وقرأ ابن مسعود افرنقع بعد الفاء راء مهملة ، ثم نون ، ثم قاف ، ثم عين مهملة من الافرنقاع ، وهو التفرّق . ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يبكت المشركين ، ويوبخهم ، فقال { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي من ينعم عليكم بهذه الأرزاق التي تتمتعون بها ، فإن آلهتكم لا يملكون مثقال ذرة ، والرّزق من السماء هو المطر ، وما ينتفع به منها من الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والرّزق من الأرض هو النبات ، والمعادن ، ونحو ذلك ، ولما كان الكفار لا يقدرون على جواب هذا الاستفهام ، ولم تقبل عقولهم نسبة هذا الرّزق إلى آلهتهم ، وربما يتوقفون في نسبته إلى الله مخافة أن تقوم عليهم الحجة ، فأمر الله رسوله بأن يجيب عن ذلك ، فقال { قُلِ ٱللَّهُ } أي هو الذي يرزقكم من السماوات والأرض ، ثم أمره سبحانه أن يخبرهم بأنهم على ضلالة ، لكن على وجه الإنصاف في الحجة بعد ما سبق تقرير من هو على الهدى ، ومن هو على الضلالة ، فقال { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } والمعنى أن أحد الفريقين من الذين يوحدون الله الخالق الرّازق ، ويخصونه بالعبادة ، والذين يعبدون الجمادات التي لا تقدر على خلق ، ولا رزق ، ولا نفع ، ولا ضرّ لعلى أحد الأمرين من الهدى ، والضلالة ، ومعلوم لكلّ عاقل أن من عبد الذي يخلق ، ويرزق ، وينفع ، ويضرّ هو الذي على الهدى ، ومن عبد الذي لا يقدر على خلق ، ولا رزق ، ولا نفع ، ولا ضرّ هو الذي على الضلالة ، فقد تضمن هذا الكلام بيان فريق الهدى ، وهم المسلمون ، وفريق الضلالة ، وهم المشركون على وجه أبلغ من التصريح . قال المبرّد ومعنى هذا الكلام معنى قول المتبصر في الحجة لصاحبه أحدنا كاذب ، وقد عرف أنه الصادق المصيب ، وصاحبه الكاذب المخطىء . قال و " أو " عند البصريين على بابها ، وليست للشكّ ، لكنها على ما تستعمله العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين ، وهو عالم بالمعنى . وقال أبو عبيدة ، والفرّاء هي بمعنى الواو ، وتقديره وإنا على هدى ، وإياكم لفي ضلال مبين ، ومنه قول جرير @ أثعلبة الفوارس أو رباحا عدلت بهم طهية والربابا @@ أي ثعلبة ، ورباحاً ، وكذا قول الآخر @ فلما اشتد بأس الحرب فينا تأملنا رباحاً أو رزاما @@ أي ورزاماً ، وقوله { أو إياكم } معطوف على اسم إن ، وخبرها هو المذكور ، وحذف خبر الثاني للدلالة عليه ، أي إنا لعلى هدى ، أو في ضلال مبين ، وإنكم لعلى هدى ، أو في ضلال مبين ، ويجوز العكس وهو كون المذكور خبر الثاني ، وخبر الأوّل محذوفاً ، كما تقدّم في قوله { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } التوبة 62 ، ثم أردف سبحانه هذا الكلام المنصف بكلام أبلغ منه في الإنصاف ، وأبعد من الجدل ، والمشاغبة ، فقال { قُل لاَّ تُسْـئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْـئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي إنما أدعوكم إلى ما فيه خير لكم ، ونفع ، ولا ينالني من كفركم ، وترككم لإجابتي ضرر ، وهذا كقوله سبحانه { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ } الكافرون 6 ، وفي إسناد الجرم إلى المسلمين ، ونسبة مطلق العمل إلى المخاطبين ، مع كون أعمال المسلمين من البرّ الخالص ، والطاعة المحضة ، وأعمال الكفار من المعصية البينة ، والإثم الواضح من الإنصاف ما لا يقادر قدره . والمقصود المهادنة ، والمتاركة ، وقد نسخت هذه الآية ، وأمثالها بآية السيف . ثم أمره سبحانه بأن يهدّدهم بعذاب الآخرة ، لكن على وجه لا تصريح فيه ، فقال { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا } أي يوم القيامة { ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ } أي يحكم ، ويقضي بيننا الحقّ ، فيثيب المطيع ، ويعاقب العاصي { وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ } أي الحاكم بالحقّ القاضي بالصواب { ٱلْعَلِيمُ } بما يتعلق بحكمه وقضائه من المصالح . وهذه أيضاً منسوخة بآية السيف . ثم أمره سبحانه أن يورد عليهم حجة أخرى يظهر بها ما هم عليه من الخطأ ، فقال { قُلْ أَرُونِىَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء } أي أروني الذين ألحقتموهم بالله شركاء له ، وهذه الرؤية هي القلبية ، فيكون { شركاء } هو المفعول الثالث ، لأن الفعل تعدّى بالهمزة إلى ثلاثة . الأوّل الياء في { أروني } ، والثاني الموصول ، والثالث { شركاء } ، وعائد الموصول محذوف أي ألحقتموهم ، ويجوز أن تكون هي البصرية ، وتعدّى الفعل بالهمزة إلى اثنين الأوّل الياء ، والثاني الموصول ، ويكون { شركاء } منتصباً على الحال . ثم ردّ عليهم ما يدعونه من الشركاء ، وأبطل ذلك ، فقال { كَلاَّ بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ } أي ارتدعوا عن دعوى المشاركة ، بل المنفرد بالإلٰهية ، هو الله العزيز بالقهر والغلبة ، الحكيم بالحكمة الباهرة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } قال جلّى . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه قال لما أوحى الجبار إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعا الرسول من الملائكة ليبعثه بالوحي ، فسمعت الملائكة صوت الجبار يتكلم بالوحي ، فلما كشف عن قلوبهم سألوا عما قال الله ، فقالوا الحقّ ، وعلموا أن الله لا يقول إلاّ حقاً . قال ابن عباس وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا ، فلما سمعوا خرّوا سجداً ، فلما رفعوا رءوسهم { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال ينزل الأمر إلى السماء الدنيا له وقعة كوقعة السلسلة على الصخرة ، فيفزع له جميع أهل السمٰوات ، فيقولون ماذا قال ربكم ؟ ثم يرجعون إلى أنفسهم ، فيقولون الحق وهو العليّ الكبير . وأخرج البخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وغيرهم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال الحقّ وهو العليّ الكبير " الحديث ، وفي معناه أحاديث . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } قال نحن على هدى ، وإنكم لفي ضلال مبين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال { ٱلْفَتَّاحُ } القاضي .