Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 28-33)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في انتصاب { كَافَّةً } وجوه ، فقيل إنه منتصب على الحال من الكاف في { أَرْسَلْنَـٰكَ } قال الزجاج أي وما أرسلناك إلاّ جامعاً للناس بالإنذار ، والإبلاغ ، والكافة بمعنى الجامع ، والهاء فيه للمبالغة كعلامة . قال أبو حيان أما قول الزجاج إن كافّة بمعنى جامعاً ، والهاء فيه للمبالغة ، فإن اللغة لا تساعد عليه لأن كفّ ليس معناه جمع ، بل معناه منع . يقال كف يكف ، أي منع يمنع . والمعنى إلاّ مانعاً لهم من الكفر ، ومنه الكفّ لأنها تمنع من خروج ما فيه . وقيل إنه منتصب على المصدرية ، والهاء للمبالغة كالعاقبة ، والعافية ، والمراد أنها صفة مصدر محذوف ، أي إلاّ رسالة كافّة . وقيل إنه حال من الناس ، والتقدير وما أرسلناك إلاّ للناس كافّة ، وردّ بأنه لا يتقدّم الحال من المجرور عليه كما هو مقرّر في علم الإعراب . ويجاب عنه بأنه قد جوّز ذلك أبو عليّ الفارسيّ ، وابن كيسان ، وابن برهان ، ومنه قول الشاعر @ إذا المرء أعيته السيادة ناشئا فمطلبها كهلاً عليه عسير @@ وقول الآخر @ تسليت طرّاً عنكم بعد بينكم بذكراكم حتى كأنكم عندي @@ وقول الآخر @ غافلاً تعرض المنية للمر ء فيدعى ولات حين إباء @@ وممن رجح كونها حالاً من المجرور بعدها ابن عطية ، وقال قدمت للاهتمام ، والتقوّي . وقيل المعنى إلاّ ذا كافّة ، أي ذا منع ، فحذف المضاف . قيل واللام في { لِلنَّاسِ } بمعنى إلى ، أي وما أرسلناك إلى الناس إلاّ جامعاً لهم بالإنذار ، والإبلاغ ، أو مانعاً لهم من الكفر ، والمعاصي ، وانتصاب { بَشِيراً وَنَذِيراً } على الحال ، أي مبشراً لهم بالجنة ، ومنذراً لهم من النار { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ما عند الله ، وما لهم من النفع في إرسال الرسل . { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي متى يكون هذا الوعد الذي تعدونا به ، وهو قيام الساعة أخبرونا به إن كنتم صادقين . قالوا هذا على طريقة الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن معه من المؤمنين ، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عنهم ، فقال { قُل لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ } أي ميقات يوم ، وهو يوم البعث . وقيل وقت حضور الموت . وقيل أراد يوم بدر لأنه كان يوم عذابهم في الدنيا ، وعلى كل تقدير ، فهذه الإضافة للبيان ، ويجوز في ميعاد أن يكون مصدراً مراداً به الوعد ، وأن يكون اسم زمان . قال أبو عبيدة الوعد ، والوعيد ، والميعاد بمعنى . وقرأ ابن أبي عبلة بتنوين ميعاد ورفعه ، ونصب يوم على أن يكون ميعاد مبتدأ ، ويوماً ظرف ، والخبر لكم . وقرأ عيسى بن عمر برفع ميعاد منوّناً ، ونصب يوم مضافاً إلى الجملة بعده . وأجاز النحويون ميعاد يوم برفعهما منوّنين على أن ميعاد مبتدأ ، ويوم بدل منه ، وجملة { لاَّ تَسْتَـئَخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } صفة لميعاد ، أي هذا الميعاد المضروب لكم لا تتأخرون عنه ، ولا تتقدّمون عليه ، بل يكون لا محالة في الوقت الذي قد قدّر الله وقوعه فيه . ثم ذكر سبحانه طرفاً من قبائح الكفار ، ونوعاً من أنواع كفرهم ، فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ وَلاَ بِٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } وهي الكتب القديمة ، كالتوراة ، والإنجيل ، والرسل المتقدّمون . وقيل المراد بالذي بين يديه الدار الآخرة . ثم أخبر سبحانه عن حالهم في الآخرة ، فقال { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ } الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له ، ومعنى { موقوفون عند ربهم } محبوسون في موقف الحساب { يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } أي يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب ، بعد أن كانوا في الدنيا متعارضين متناصرين متحابين . ثم بيّن سبحانه تلك المراجعة ، فقال { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } ، وهم الأتباع { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } ، وهم الرؤساء المتبوعون { لَوْلاَ أَنتُمْ } صددتمونا عن الإيمان بالله ، والاتباع لرسوله { لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } بالله مصدّقين لرسوله ، وكتابه . { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } مجيبين عليهم مستنكرين لما قالوه { أَنَحْنُ صَدَدنَـٰكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ } أي منعناكم عن الإيمان { بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ } الهدى ، قالوا هذا منكرين لما ادّعوه عليهم من الصدّ لهم ، وجاحدين لما نسبوه إليهم من ذلك ، ثم بينوا لهم أنهم الصادّون لأنفسهم ، الممتنعون من الهدى بعد إذ جاءهم ، فقالوا { بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } أي مصرّين على الكفر ، كثيري الإجرام ، عظيمي الآثام . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } ردّاً لما أجابوا به عليهم ، ودفعاً لما نسبوه إليهم من صدّهم لأنفسهم { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أصل المكر في كلام العرب الخديعة ، والحيلة ، يقال مكر به إذا خدعه ، واحتال عليه . والمعنى بل مكركم بنا الليل والنهار ، فحذف المضاف إليه ، وأقيم الظرف مقامه اتساعاً . وقال الأخفش هو على تقدير هذا مكر الليل ، والنهار . قال النحاس المعنى والله أعلم ، بل مكركم في الليل ، والنهار ، ودعاؤكم لنا إلى الكفر هو الذي حملنا على هذا . وقال سفيان الثوري بل عملكم في الليل والنهار ، ويجوز أن يجعل الليل ، والنهار ماكرين على الإسناد المجازي كما تقرّر في علم المعاني . قال المبرّد كما تقول العرب نهاره صائم ، وليله قائم ، وأنشد قول جرير @ لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السرى ونمت وما ليل المطيّ بنائم @@ وأنشد سيبويه @ قيام ليلي وتجلي همي @@ وقرأ قتادة ، ويحيـى بن يعمر برفع مكر منوّناً ، ونصب " الليل والنهار " ، والتقدير بل مكر كائن في الليل والنهار . وقرأ سعيد بن جبير ، وأبو رزين بفتح الكاف ، وتشديد الراء مضافاً بمعنى الكرور ، من كرّ يكرّ إذا جاء ، وذهب ، وارتفاع { مكر } على هذه القراءات على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي مكر الليل والنهار صدّنا ، أو على أنه فاعل لفعل محذوف ، أي صدّنا مكر الليل والنهار ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف كما تقدّم عن الأخفش . وقرأ طلحة بن راشد كما قرأ سعيد بن جبير ، ولكنه نصب مكر على المصدرية ، أي بل تكرّرت الإغواء مكرًّا دائماً لا تفترون عنه ، وانتصاب { إِذْ تَأْمُرُونَنَا } على أنه ظرف للمكر ، أي بل مكركم بنا وقت أمركم لنا { أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } أي أشباهاً ، وأمثالاً . قال المبرد يقال ندّ فلان فلان ، أي مثله ، وأنشد @ أتيما تجعلون إليّ ندًّا وما تيم بذي حسب نديد @@ والضمير في قوله { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } راجع إلى الفريقين أي أضمر الفريقان الندامة على ما فعلوا من الكفر ، وأخفوها عن غيرهم ، أو أخفاها كل منهم عن الآخر مخافة الشماتة . وقيل المراد بأسرّوا هنا أظهروا لأنه من الأضداد يكون ، تارة بمعنى الإخفاء ، وتارة بمعنى الإظهار ، ومنه قول امرىء القيس @ تجاوزت أحراساً وأهوال معشر عليّ حراص لو يسرون مقتلي @@ وقيل معنى { أسروا الندامة } تبينت الندامة في أسرّة وجوههم { وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلَـٰلَ فِى أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الأغلال جمل غلّ ، يقال في رقبته غلّ من حديد ، أي جعلت الأغلال من الحديد في أعناق هؤلاء في النار ، والمراد بالذين كفروا هم المذكورون سابقاً ، والإظهار لمزيد الذمّ ، أو للكفار على العموم ، فيدخل هؤلاء فيهم دخولاً أوّلياً { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي إلاّ جزاء ما كانوا يعملونه من الشرك بالله ، أو إلاّ بما كانوا يعملون على حذف الخافض . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ } قال إلى الناس جميعاً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة قال أرسل الله محمداً إلى العرب ، والعجم ، فأكرمهم على الله أطوعهم له . وأخرج هؤلاء عنه في قوله { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ } قال هذا قول مشركي العرب كفروا بالقرآن ، وبالذي بين يديه من الكتب ، والأنبياء .