Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 15-26)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم ذكر سبحانه افتقار خلقه إليه ، ومزيد حاجتهم إلى فضله ، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ } أي المحتاجون إليه في جميع أمور الدين والدنيا ، فهم الفقراء إليه على الإطلاق ، و { هُوَ ٱلْغَنِىُّ } على الإطلاق { ٱلْحَمِيدِ } أي المستحقّ للحمد من عباده بإحسانه إليهم . ثم ذكر سبحانه نوعاً من الأنواع التي يتحقق عندها افتقارهم إليه ، واستغناؤه عنهم ، فقال { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } أي إن يشأ يفنكم ، ويأت بدلكم بخلق جديد يطيعونه ، ولا يعصونه ، أو يأت بنوع من أنواع الخلق ، وعالم من العالم غير ما تعرفون { وَمَا ذٰلِكَ } إلاّ ذهاب لكم ، والإتيان بآخرين { عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي بممتنع ، ولا متعسر ، وقد مضى تفسير هذا في سورة إبراهيم { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي نفس وازرة ، فحذف الموصوف للعلم به ، ومعنى تزر تحمل . والمعنى لا تحمل نفس حمل نفس أخرى ، أي إثمها بل كل نفس تحمل وزرها ، ولا تخالف هذه الآية قوله { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } العنكبوت 13 لأنهم إنما حملوا أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم ، والكلّ من أوزارهم ، لا من أوزار غيرهم ، ومثل هذا حديث " من سنّ سنة سيئة ، فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " فإن الذين سنّ السنة السيئة إنما حمل وزر سنته السيئة ، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية مستوفى . { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا } قال الفرّاء أي نفس مثقلة ، قال وهذا يقع للمذكر ، والمؤنث . قال الأخفش أي وإن تدع مثقلة إنساناً إلى حملها ، وهو ذنوبها { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ } أي من حملها { شَىْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } أي ولو كان الذي تدعوه ذا قرابة لها ، لم يحمل من حملها شيئاً . ومعنى الآية وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفساً أخرى إلى حمل شيء من ذنوبها معها لم تحمل تلك المدعوّة من تلك الذنوب شيئاً ، ولو كانت قريبة لها في النسب ، فكيف بغيرها مما لا قرابة بينها ، وبين الداعية لها ؟ وقرىء ذو قربى على أن كان تامة ، كقوله { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } البقرة 280 . وجملة { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } مستأنفة مسوقة لبيان من يتعظ بالإنذار ، ومعنى { يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } أنه يخشونه حال كونهم غائبين عن عذابه ، أو يخشون عذابه ، وهو غائب عنهم ، أو يخشونه في الخلوات عن الناس . قال الزجاج تأويله أن إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم ، فكأنك تنذرهم دون غيرهم ممن لا ينفعهم الإنذار ، كقوله { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـٰهَا } النازعات 45 وقوله { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِكْرَ وَخشِىَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } يسۤ 11 . ومعنى { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أنهم احتفلوا بأمرها ، ولم يشتغلوا عنها بشيء مما يلهيهم . { وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } التزكي التطهر من أدناس الشرك ، والفواحش ، والمعنى أن من تطهر بترك المعاصي ، واستكثر من العمل الصالح ، فإنما يتطهر لنفسه ، لأن نفع ذلك مختصّ به كما أن وزر من تدنس لا يكون إلاّ عليه لا على غيره . قرأ الجمهور { ومن تزكى فإنما يتزكى } وقرأ أبو عمرو « فإنما يزكى » بإدغام التاء في الزاي ، وقرأ ابن مسعود ، وطلحة ومن أزكى فإنما يزكى . { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } لا إلى غيره ، ذكر سبحانه أوّلاً أنه لا يحمل أحد ذنب أحد ، ثم ذكر ثانياً أن المذنب إن دعا غيره ، ولو كان من قرابته إلى حمل شيء من ذنوبه لا يحمله ، ثم ذكر ثالثاً أن ثواب الطاعة مختصّ بفاعلها ليس لغيره منه شيء . ثم ضرب مثلاً للمؤمن ، والكافر ، فقال { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ } أي المسلوب حاسة البصر { وَٱلْبَصِيرُ } الذي له ملكة البصر ، فشبه الكافر بالأعمى ، وشبه المؤمن بالبصير { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } أي ولا تستوي الظلمات ولا النور ، فشبه الباطل بالظلمات ، وشبه الحقّ بالنور . قال الأخفش و " لا " في قوله { ولا النور } ، { ولا الحرور } زائدة ، والتقدير وما يستوي الظلمات والنور ، ولا الظلّ والحرور ، والحرور شدّة حرّ الشمس . قال الأخفش والحرور لا يكون إلاّ مع شمس النهار ، والسموم يكون بالليل . وقيل عكسه . وقال رؤبة بن العجاج الحرور يكون بالليل خاصة ، والسموم يكون بالنهار خاصة . وقال الفراء السموم لا يكون إلاّ بالنهار ، والحرور يكون فيهما . قال النحاس وهذا أصح . وقال قطرب الحرور الحرّ ، والظلّ البرد ، والمعنى أنه لا يستوي الظلّ الذي لا حرّ فيه ، ولا أذى ، والحرّ الذي يؤذي . قيل أراد الثواب والعقاب ، وسمي الحرّ حروراً مبالغة في شدّة الحرّ ، لأن زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى . وقال الكلبي أراد بالظلّ الجنة ، وبالحرور النار . وقال عطاء يعني ظل الليل ، وشمس النهار . قيل وإنما جمع الظلمات ، وأفرد النور لتعدّد فنون الباطل ، واتحاد الحقّ . ثم ذكر سبحانه تمثيلاً آخر للمؤمن ، والكافر ، فقال { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَحْيَاء وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } ، فشبه المؤمنين بالأحياء ، وشبه الكافرين بالأموات . وقيل أراد تمثيل العلماء ، والجهلة . وقال ابن قتيبة الأحياء العقلاء ، والأموات الجهال . قال قتادة هذه كلها أمثال ، أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن { إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء } أن يسمعه من أوليائه الذين خلقهم لجنته ، ووفقهم لطاعته { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ } يعني الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم ، أي كما لا تسمع من مات كذلك لا تسمع من مات قلبه ، قرأ الجمهور بتنوين { مسمع } وقطعه عن الإضافة . وقرأ الحسن ، وعيسى الثقفي ، وعمرو بن ميمون بإضافته { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } أي ما أنت إلاّ رسول منذر ليس عليك إلاّ الإنذار ، والتبليغ ، والهدى ، والضلالة بيد الله عزّ وجلّ . { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ } يجوز أن يكون { بالحقّ } في محل نصب على الحال من الفاعل ، أي محقين ، أو من المفعول ، أي محقاً ، أو نعت لمصدر محذوف ، أي إرسالاً ملتبساً بالحقّ ، أو هو متعلق بـ { بشيراً } ، أي بشيراً بالوعد الحقّ ، ونذيراً بالوعد الحقّ ، والأولى أن يكون نعتاً للمصدر المحذوف ، ويكون معنى بشيراً بشيراً لأهل الطاعة ، ونذيراً لأهل المعصية { وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } أي ما من أمة من الأمم الماضية إلاّ مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها ، واقتصر على ذكر النذير دون البشير ، لأنه ألصق بالمقام . ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعزّاه ، فقال { وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي كذب من قبلهم من الأمم الماضية أنبياءهم { جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي بالمعجزات الواضحة ، والدلالات الظاهرة { وَبِٱلزُّبُرِ } أي الكتب المكتوبة كصحف إبراهيم { وَبِٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ } كالتوراة ، والإنجيل ، قيل الكتاب المنير داخل تحت الزبر ، وتحت البينات ، والعطف لتغاير المفهومات ، وإن كانت متحدة في الصدق ، والأولى تخصيص البينات بالمعجزات ، والزبر بالكتب التي فيها مواعظ ، والكتاب بما فيه شرائع ، وأحكام ، { ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وضع الظاهر موضع الضمير يفيد التصريح بذمهم بما في حيز الصلة ، ويشعر بعلة الأخذ { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي فكيف كان نكيري عليهم ، وعقوبتي لهم ، وقرأ ورش عن نافع وشيبة بإثبات الياء في { نكير } وصلاً ولا وقفاً ، وقد مضى بيان معنى هذا قريباً . وقد أخرج أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع " ألا لا يجني جانٍ إلاّ على نفسه ، لا يجني والد على ولده ، ولا مولود على والده " وأخرج سعيد بن منصور ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن أبي رمثة قال انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأيته قال لأبي ابنك هذا ؟ قال أي ، وربّ الكعبة ، قال أما أنه لا يجني عليك ، ولا تجني عليه ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء } قال يكون عليه وزر لا يجد أحداً يحمل عنه من وزره شيئاً .