Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 9-14)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر سبحانه عن نوع من أنواع بديع صنعه ، وعظيم قدرته ، ليتفكروا في ذلك ، وليعتبروا به ، فقال { وَٱللَّهُ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَاحَ } قرأ الجمهور { الرياح } ، وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن ، والأعمش ، ويحيـى بن وثاب ، وحمزة ، والكسائي الريح بالإفراد { فَتُثِيرُ سَحَـٰباً } جاء بالمضارع بعد الماضي استحضاراً للصورة ، لأن ذلك أدخل في اعتبار المعتبرين ، ومعنى كونها تثير السحاب أنها تزعجه من حيث هو { فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيّتٍ } قال أبو عبيدة سبيله ، فتسوقه ، لأنه قال { فتثير سحاباً } . قيل النكتة في التعبير بالماضيين بعد المضارع الدلالة على التحقق . قال المبرد ميت وميّت واحد ، وقال هذا قول البصريين ، وأنشد @ ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء @@ { فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } أي أحيينا بالمطر الأرض بإنبات ما ينبت فيها ، وإن لم يتقدّم ذكر المطر ، فالسحاب يدل عليه ، أو أحيينا بالسحاب ، لأنه سبب المطر { بَعْدَ مَوْتِهَا } أي بعد يبسها ، استعار الإحياء للنبات ، والموت لليبس { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } أي كذلك يحيـي الله العباد بعد موتهم كما أحيا الأرض بعد موتها ، والنشور البعث ، من نشر الإنسان نشوراً ، والكاف في محل رفع على الخيرية ، أي مثل إحياء موات الأرض إحياء الأموات ، فكيف تنكرونه ، وقد شاهدتم غير مرّة ما هو مثله وشبيه به ؟ { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } قال الفرّاء معناه من كان علم العزة لمن هي ؟ فإنها الله جميعاً . وقال قتادة من كان يريد العزّة ، فليتعزز بطاعة الله ، فجعل معنى فللّه العزّة الدعاء إلى طاعة من له العزّة ، كما يقال من أراد المال ، فالمال لفلان ، أي فليطلبه من عنده . وقال الزجاج تقديره من كان يريد بعبادة الله العزّة ، والعزّة له سبحانه ، فإن الله عزّ وجلّ يعزّه في الدنيا والآخرة . وقيل المراد بقوله { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } المشركون ، فإنهم كانوا يتعزّزون بعبادة الأصنام كقوله { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءالِهَةً لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } مريم 81 . وقيل المراد الذين كانوا يتعزّزون بهم من الذين آمنوا بألسنتهم { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } النساء 139 الآية . { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } أي فليطلبها منه لا من غيره ، والظاهر في معنى الآية أن من كان يريد العزّة ، ويطلبها ، فليطلبها من الله عزّ وجلّ فللّه العزّة جميعاً ، ليس لغيره منها شيء ، فتشمل الآية كل من طلب العزّة ، ويكون المقصود بها التنبيه لذوي الأقدار ، وألهمم من أين تنال العزّة ، ومن أيّ جهة تطلب ؟ { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } أي إلى الله يصعد لا إلى غيره ، ومعنى صعوده إليه قبوله له ، أو صعود الكتبة من الملائكة بما يكتبونه من الصحف ، وخصّ الكلم الطيب بالذكر لبيان الثواب عليه ، وهو يتناول كل كلام يتصف بكونه طيباً من ذكر لله ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وتلاوة ، وغير ذلك ، فلا وجه لتخصيصه بكلمة التوحيد ، أو بالتحميد ، والتمجيد . وقيل المراد بصعوده صعوده إلى سماء الدنيا . وقيل المراد بصعوده علم الله به ، ومعنى { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، كما قال الحسن ، وشهر بن حوشب ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبو العالية ، والضحاك ، ووجهه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلاّ مع العمل الصالح . وقيل إن فاعل { يرفعه } هو { الكلم الطيب } ، ومفعوله { العمل الصالح } ، ووجهه أن العمل الصالح لا يقبل إلاّ مع التوحيد ، والإيمان . وقيل إن فاعل { يرفعه } ضمير يعود إلى الله عزّ وجلّ . والمعنى أن الله يرفع العمل الصالح على الكلم الطيب ، لأن العمل يحقق الكلام . وقيل والعمل الصالح يرفع صاحبه ، وهو الذي أراد العزّة . وقال قتادة المعنى أن الله يرفع العمل الصالح لصاحبه ، أي يقبله ، فيكون قوله { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ } على هذا مبتدأ خبره يرفعه ، وكذا على قول من قال يرفع صاحبه . قرأ الجمهور { يصعد } من صعد الثلاثي . و { الكلم الطيب } بالرفع على الفاعلية . وقرأ علي ، وابن مسعود يصعد بضم حرف المضارعة من أصعد ، والكلم الطيب بالنصب على المفعولية ، وقرأ الضحاك على البناء للمفعول ، وقرأ الجمهور { الكلم } ، وقرأ أبو عبد الرحمن الكلام ، وقرأ الجمهور { والعمل الصالح } بالرفع على العطف ، أو على الابتدا ء . وقرأ ابن أبي عبلة ، وعيسى بن عمر بالنصب على الاشتغال . { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَات لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } انتصاب { السيئات } على أنها صفة لمصدر محذوف أي يمكرون المكرات السيئات ، وذلك لأن « مكر » لازم ، ويجوز أن يضمن يمكرون معنى يكسبون ، فتكون السيئات مفعولاً به . قال مجاهد ، وقتادة هم أهل الرياء . وقال أبو العالية هم الذين مكروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لما اجتمعوا في دار الندوة . وقال الكلبي هم الذين يعملون السيئات في الدنيا . وقال مقاتل هم المشركون ، ومعنى { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } لهم عذاب بالغ الغاية في الشدّة { وَمَكْرُ أُوْلَـئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي يبطل ، ويهلك ، ومنه { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } الفتح 12 . والمكر في الأصل الخديعة ، والاحتيال ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الذين مكروا السيئات على اختلاف الأقوال في تفسير مكرهم ، وجملة { يَبُورُ } خبر مكر أولئك . ثم ذكر سبحانه دليلاً آخر على البعث ، والنشور ، فقال { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ } أي خلقكم ابتداء في ضمن خلق أبيكم آدم من تراب . وقال قتادة يعني آدم ، والتقدير على هذا خلق أباكم الأوّل ، وأصلكم الذي ترجعون إليه من تراب { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } أخرجها من ظهر آبائكم { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوٰجاً } أي زوّج بعضكم ببعض ، فالذكر زوج الأنثى ، أو جعلكم أصنافاً ذكراناً وإناثاً { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } أي لا يكون حمل ، ولا وضع إلاّ والله عالم به ، فلا يخرج شيء عن علمه وتدبيره { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } أي ما يطول عمر أحد ، ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب ، أي في اللوح المحفوظ . قال الفرّاء يريد آخر غير الأوّل ، فكنى عنه بالضمير كأنه الأوّل لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأوّل كأنه قال ولا ينقص من عمر معمر ، فالكناية في عمره ترجع إلى آخر غير الأوّل ، ومثله قولك عندي درهم ونصفه ، أي نصف آخر . قيل إنما سمي معمراً باعتبار مصيره إليه . والمعنى وما يمدّ في عمر أحد ، ولا ينقص من عمر أحد ، لكن لا على معنى لا ينقص من عمره بعد كونه زائداً ، بل على معنى أنه لا يجعل من الابتداء ناقصاً إلاّ وهو في كتاب . قال سعيد بن جبير وما يعمر من معمر إلاّ كتب عمره كم هو سنة ، كم هو شهراً ، كم هو يوماً ، كم هو ساعة ، ثم يكتب في كتاب آخر نقص من عمره ساعة ، نقص من عمره يوم ، نقص من عمره شهر ، نقص من عمره سنة حتى يستوفي أجله ، فما مضى من أجله ، فهو النقصان ، وما يستقبل ، فهو الذي يعمره . وقال قتادة المعمر من بلغ ستين سنة ، والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة . وقيل المعنى إن الله كتب عمر الإنسان كذا إن أطاع ، ودونه إن عصى ، فأيهما بلغ ، فهو في كتاب ، والضمير على هذا يرجع إلى معمر . وقيل المعنى وما يعمر من معمر إلى الهرم ، ولا ينقص آخر من عمر الهرم إلاّ في كتاب ، أي بقضاء الله قاله الضحاك ، واختاره النحاس . قال وهو أشبهها بظاهر التنزيل ، والأولى أن يقال ظاهر النظم القرآني أن تطويل العمر وتقصيره هما بقضاء الله ، وقدره لأسباب تقتضي التطويل ، وأسباب تقتضي التقصير . فمن أسباب التطويل ما ورد في صلة الرّحم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك . ومن أسباب التقصير الاستكثار من معاصي الله عزّ وجلّ ، فإذا كان العمر المضروب للرجل مثلاً سبعين سنة ، فقد يزيد الله له عليها إذا فعل أسباب الزيادة ، وقد ينقصه منها إذا فعل أسباب النقصان ، والكلّ في كتاب مبين ، فلا تخالف بين هذه الآية ، وبين قوله سبحانه { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } الأعراف 34 ، ويؤيد هذا قوله سبحانه { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ } الرعد 39 ، وقد قدّمنا في تفسيرها ما يزيد ما ذكرنا هنا وضوحاً وبياناً . قرأ الجمهور { ينقص } مبنياً للمفعول . وقرأ يعقوب ، وسلام ، وروي عن أبي عمرو ينقص مبنياً للفاعل . وقرأ الجمهور { من عمره } بضمّ الميم . وقرأ الحسن ، والأعرج ، والزهري بسكونها ، والإشارة بقوله { إِنَّ ذٰلِكَ } إلى ما سبق من الخلق ، وما بعده { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } لا يصعب عليه منه شيء ، ولا يعزب عنه كثير ، ولا قليل ، ولا كبير ، ولا صغير . ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من بديع صنعه ، وعجيب قدرته ، فقال { وَمَا يَسْتَوِى ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } فالمراد بـ { البحران } العذب ، والمالح ، فالعذب الفرات الحلو ، والأجاج المرّ ، والمراد بـ { سَائِغٌ شَرَابُهُ } الذي يسهل انحداره في الحلق لعذوبته . وقرأ عيسى بن عمر سيغ بتشديد الياء ، وروي تسكينها عنه . وقرأ طلحة ، وأبو نهيك ملح بفتح الميم { وَمِن كُلّ } منهما { تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } ، وهو ما يصاد منهما من حيواناتهما التي تؤكل { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } الظاهر أن المعنى وتستخرجون منهما حلية تلبسونها . وقال المبرّد إنما تستخرج الحلية من المالح ، وروي عن الزجاج أنه قال إنما تستخرج الحلية منهما إذا اختلطا ، لا من كل واحد منهما على انفراده ، ورجح النحاس قول المبرّد . ومعنى { تَلْبَسُونَهَا } تلبسون كل شيء منها بحسبه ، كالخاتم في الأصبع ، والسوار في الذراع ، والقلادة في العنق ، والخلخال في الرجل ، ومما يلبس حلية السلاح الذي يحمل كالسيف ، والدرع ، ونحوهما { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ } أي في كل واحد من البحرين . وقال النحاس الضمير يعود إلى الماء المالح خاصة ، ولولا ذلك لقال فيهما { مَوَاخِرَ } يقال مخرت السفينة تمخر إذا شقت الماء . فالمعنى وترى السفن في البحرين شواقّ للماء بعضها مقبلة ، وبعضها مدبرة بريح واحدة ، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة النحل ، واللام في { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } متعلقة بما يدل عليه الكلام السابق أي فعل ذلك لتبتغوا ، أو بمواخر . قال مجاهد ابتغاء الفضل هو التجارة في البحر إلى البلدان البعيدة في مدّة قريبة كما تقدّم في البقرة { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله على ما أنعم عليكم به من ذلك . قال أكثر المفسرين إن المراد من الآية ضرب المثل في حقّ المؤمن والكافر ، والكفر والإيمان ، فكما لا يستوي البحران كذلك لا يستوي المؤمن والكافر ، ولا الكفر والإيمان . { يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ } أي يضيف بعض أجزائهما إلى بعض ، فيزيد في أحدهما ، بالنقص في الآخر ، وقد تقدّم تفسيره في آل عمران ، وفي مواضع من الكتاب العزيز { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } قدّره الله لجريانهما ، وهو يوم القيامة . وقيل هو المدّة التي يقطعان في مثلها الفلك ، وهو سنة للشمس ، وشهر للقمر . وقيل المراد به جري الشمس في اليوم ، والقمر في الليلة . وقد تقدّم تفسير هذا مستوفى في سورة لقمان ، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى الفاعل لهذه الأفعال ، وهو الله سبحانه ، واسم الإشارة مبتدأ ، وخبره { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ } أي هذا الذي من صنعته ما تقدّم هو الخالق المقدّر ، والقادر المقتدر المالك للعالم ، والمتصرّف فيه ، ويجوز أن يكون قوله له الملك جملة مستقلة في مقابلة قوله { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } أي لا يقدرون عليه ، ولا على خلقه ، والقطمير القشرة الرّقيقة التي تكون بين التمرة والنواة ، وتصير على النواة كاللفافة لها . وقال المبرّد هو شقّ النواة . وقال قتادة هو القمع الذي على رأس النواة . قال الجوهري ويقال هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة . ثم بيّن سبحانه حال هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله بأنم لا ينفعون ولا يضرّون ، فقال { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ } أي إن تستغيثوا بهم في النوائب لا يسمعوا دعاءكم ، لكونها جمادات لا تدرك شيئاً من المدركات { وَلَوْ سَمِعُواْ } على طريقة الفرض ، والتقدير { مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } لعجزهم عن ذلك . قال قتادة المعنى ولو سمعوا لم ينفعوكم . وقيل المعنى لو جعلنا لهم سماعاً وحياة فسمعوا دعاءكم لكانوا أطوع لله منكم ، ولم يستجيبوا لكم إلى ما دعوتموهم إليه من الكفر { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } أي يتبرّءون من عبادتكم لهم ، ويقولون { مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } يونس 28 ويجوز أن يرجع { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ } الأعراف 197 وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم الكفار ، وهم الملائكة ، والجنّ ، والشياطين . والمعنى أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقاً ، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم { وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } أي لا يخبرك مثل من هو خبير بالأشياء عالم بها ، وهو الله سبحانه ، فإنه لا أحد أخبر بخلقه ، وأقوالهم ، وأفعالهم منه سبحانه ، وهو الخبير بكنه الأمور ، وحقائقها . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض ، فينفخ فيه ، فلا يبقى خلق لله في السماوات والأرض إلاّ من شاء الله إلاّ مات ، ثم يرسل الله من تحت العرش منياً كمني الرجال ، فتنبت أجسامهم ولحومهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثرى ، ثم قرأ عبد الله { ٱللَّهِ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَـٰحَ } الآية . وأخرج أبو داود ، والطيالسي ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزين العقيلي قال « قلت يا رسول الله كيف يحيـي الله الموتى ؟ قال " أما مررت بأرض مجدبة ، ثم مررت بها مخصبة تهتزّ خضراء ؟ قلت بلى ، قال كذلك يحيـي الله الموتى ، وكذلك النشور " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال إذا حدّثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله ، إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله ، وبحمده ، والحمد لله ، ولا إلٰه إلاّ الله ، والله أكبر ، وتبارك الله ، قبض عليهنّ ملك يضمهنّ تحت جناحه ، ثم يصعد بهنّ إلى السماء ، فلا يمرّ بهنّ على جمع من الملائكة إلاّ استغفر لقائلهنّ حتى يجيء بهنّ وجه الرحمن ، ثم قرأ { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } قال أداء الفرائض ، فمن ذكر الله في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله ، فصعد به إلى الله ، ومن ذكر الله ، ولم يؤدّ فرائضه ردّ كلامه على عمله ، وكان عمله أولى به . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } الآية قال يقول ليس أحد قضيت له طول العمر ، والحياة إلاّ وهو بالغ ما قدّرت له من العمر وقد قضيت له ذلك ، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدّرت له لا يزاد عليه ، وليس أحد قضيت له أنه قصير العمر ، والحياة ببالغ العمر ، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتب له ، فذلك قوله { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } يقول كل ذلك في كتاب عنده . وأخرج أحمد ، ومسلم ، وأبو عوانة ، وابن حبان ، والطبراني ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقرّ في الرحم بأربعين ، أو بخمسة وأربعين ليلة ، فيقول أيّ ربّ أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ، ويكتبان ، ثم يكتب عمله ، ورزقه ، وأجله ، وأثره ، ومصيبته ، ثم تطوى الصحيفة ، فلا يزاد فيها ، ولا ينقص " وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، والنسائي ، وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال قالت أمّ حبيبة اللهمّ أمتعني بزوجي النبيّ ، وبأبي أبي سفيان ، وبأخي معاوية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنك سألت الله لآجال مضروبة ، وأيام معدودة ، وأرزاق مقسومة ، ولن يعجل الله شيئاً قبل حله ، أو يؤخر شيئاً ، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار ، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل " وهذه الأحاديث مخصصة بما ورد من قبول الدعاء ، وأنه يعتلج هو والقضاء ، وبما ورد في صلة الرحم أنها تزيد في العمر ، فلا معارضة بين الأدلة كما قدّمنا . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } قال القطمير القشر ، وفي لفظ الجلد الذي يكون على ظهر النواة .