Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 28-40)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما وقع ما وقع منهم مع حبيب النجار غضب الله له ، وعجل لهم النقمة ، وأهلكهم بالصيحة ، ومعنى { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } أي على قوم حبيب النجار من بعد قتلهم له ، أو من بعد رفع الله له إلى السماوات على الاختلاف السابق { مِن جُندٍ مّنَ ٱلسَّمَاء } لإهلاكهم ، وللانتقام منهم أي لم تحتج إرسال جنود من السماء لإهلاكهم كما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر من إرسال الملائكة لنصرته ، وحرب أعدائه { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } أي وما صحّ في قضائنا ، وحكمتنا أن ننزل لإهلاكهم جنداً لسبق قضائنا ، وقدرنا بأن إهلاكهم بالصيحة لا بإنزال الجند . وقال قتادة ، ومجاهد ، والحسن أي ما أنزلنا عليهم من رسالة من السماء ، ولا نبيّ بعد قتله . وروي عن الحسن أنه قال هم الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء ، والظاهر أن معنى النظم القرآني تحقير شأنهم ، وتصغير أمرهم أي ليسوا بأحقاء بأن ننزل لإهلاكهم جنداً من السماء ، بل أهلكناهم بصيحة واحدة كما يفيده قوله { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } أي إن كانت العقوبة ، أو النقمة ، أو الأخذة إلاّ صيحة واحدة صاح بها جبريل ، فأهلكهم . قال المفسرون أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ، ثم صاح بهم صيحة ، فإذا هم ميتون لا يسمع لهم حسّ كالنار إذا طفئت ، وهو معنى قوله { فَإِذَا هُمْ خَـٰمِدُونَ } أي قوم خامدون ميتون ، شبههم بالنار إذا طفئت لأن الحياة كالنار الساطعة ، والموت كخمودها . قرأ الجمهور { صيحة } بالنصب على أن كان ناقصة ، واسمها ضمير يعود إلى ما يفهم من السياق كما قدّمنا . وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، ومعاذ القارئ برفعها على أن كان تامة أي وقع ، وحدث ، وأنكر هذه القراءة أبو حاتم ، وكثير من النحويين بسبب التأنيث في قوله { إِن كَانَتْ } قال أبو حاتم فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال " إن كان إلاّ صيحة " ، وقدّر الزجاج هذه القراءة بقوله إن كانت عليهم صيحة إلاّ صيحة واحدة ، وقدّرها غيره ما وقعت عليهم إلاّ صيحة واحدة . وقرأ عبد الله بن مسعود « إن كانت إلاّ زقية واحدة » ، والزقية الصيحة ، قال النحاس وهذا مخالف للمصحف ، وأيضاً . فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح . ومنه المثل « أثقل من الزواقي » ، فكان يجب على هذا أن تكون زقوة ، ويجاب عنه بما ذكره الجوهري قال الزقو والزقي مصدر ، وقد زقا الصدا يزقو . زقا أي صاح وكل صائح زاق ، والزقية الصيحة . { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } قرأ الجمهور بنصب { حسرة } ، على أنها منادى منكر ، كأنه نادى الحسرة ، وقال لها هذا أوانك فاحضري . وقيل إنها منصوبة على المصدرية ، والمنادى محذوف ، والتقدير يا هؤلاء تحسروا حسرة . وقرأ قتادة ، وأبيّ في رواية عنه بضم حسرة على النداء . قال الفراء في توجيه هذه القراءة إن الاختيار النصب ، وإنها لو رفعت النكرة لكان صواباً ، واستشهد بأشياء نقلها عن العرب منها أنه سمع من العرب يا مهتم بأمرنا لا تهتم ، وأنشد @ يا دار غيّرها البلى تغييرا @@ قال النحاس وفي هذا إبطال باب النداء ، أو أكثره . قال وتقدير ما ذكره يأيها المهتم لا تهتم بأمرنا ، وتقدير البيت يا أيتها الدار . وحقيقة الحسرة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيراً . قال ابن جرير المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم ، وتندّما وتلهفا في استهزائهم برسل الله ، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس ، وعليّ بن الحسين " يا حسرة العباد " على الإضافة ، ورويت هذه القراءة عن أبيّ . وقال الضحاك إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل . وقيل هي من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة . وقيل إن القائل يا حسرة على العباد هم الكفار المكذبون ، والعباد الرسل ، وذلك أنهم لما رأوا العذاب تحسروا على قتلهم ، وتمنوا الإيمان قاله أبو العالية ، ومجاهد ، وقيل إن التحسر عليهم هو من الله عزّ وجلّ بطريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه . وقرأ ابن هرمز ، ومسلم بن جندب ، وعكرمة ، وأبو الزناد " يا حسره " بسكون الهاء إجراء للوصل مجرى الوقف . وقرىء " يا حسرتا " كما قرىء بذلك في سورة الزمر ، وجملة { مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } مستأنفة مسوقة لبيان ما كانوا عليه من تكذيب الرسل ، والاستهزاء بهم ، وأن ذلك هو سبب التحسر عليهم . ثم عجب سبحانه من حالهم حيث لم يعتبروا بأمثالهم من الأمم الخالية ، فقال { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ } أي ألم يعلموا كثرة من أهلكنا قبلهم من القرون التي أهلكناها من الأمم الخالية ، وجملة { أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } بدل من كم أهلكنا على المعنى . قال سيبويه أنّ بدل من كم ، وهي الخبرية ، فلذلك جاز أن يبدل منها ما ليس باستفهام ، والمعنى ألم يروا أن القرون الذين أهلكناهم أنهم إليهم لا يرجعون . وقال الفراء " كم " في موضع نصب من وجهين أحدهما بـ { يروا } ، واستشهد على هذا بأنه في قراءة ابن مسعود " ألم يروا من أهلكنا " ، والوجه الآخر أن تكون " كم " في موضع نصب بـ { أهلكنا } . قال النحاس القول الأوّل محال ، لأن كم لا يعمل فيها ما قبلها لأنها استفهام ، ومحال أن يدخل الاستفهام في حيز ما قبله ، وكذا حكمها إذا كانت خبراً ، وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا ، فجعل أنهم بدلاً من كم ، وقد ردّ ذلك المبرد أشدّ ردّ { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } أي محضرون لدينا يوم القيامة للجزاء . قرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة { لما } بتشديدها ، وقرأ الباقون بتخفيفها . قال الفراء من شدّد جعل لما بمعنى إلاّ ، وإن بمعنى ما ، أي ما كلّ إلاّ جميع لدينا محضرون ، ومعنى { جميع } مجموعون ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، ولدينا ظرف له ، وأما على قراءة التخفيف ، فإن هي المخففة من الثقيلة ، وما بعدها مرفوع بالابتداء ، وتنوين { كل } عوض عن المضاف إليه ، وما بعده الخبر ، واللام هي الفارقة بين المخففة والنافية . قال أبو عبيدة وما على هذه القراءة زائدة ، والتقدير عنده وإن كلّ لجميع . وقيل معنى { محضرون } معذبون ، والأولى أنه على معناه الحقيقي من الإحضار للحساب . ثم ذكر سبحانه البرهان على التوحيد ، والحشر مع تعداد النعم ، وتذكيرها ، فقال { وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ } ، فآية خبر مقدّم ، وتنكيرها للتفخيم ، ولهم صفتها ، أو متعلقة بآية لأنها بمعنى علامة ، والأرض مبتدأ ، ويجوز أن تكون { آية } مبتدأ لكونها قد تخصصت بالصفة ، وما بعدها الخبر . قرأ أهل المدينة « الميتة » بالتشديد ، وخففها الباقون ، وجملة { أَحْيَيْنَـٰهَا } مستأنفة مبينة لكيفية كونها آية ، وقيل هي صفة للأرض ، فنبههم الله بهذا على إحياء الموتى ، وذكرهم نعمه ، وكمال قدرته ، فإنه سبحانه أحيا الأرض بالنبات وأخرج منها الحبوب التي يأكلونها ، ويتغذون بها ، وهو معنى قوله { وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } ، وهو ما يقتاتونه من الحبوب ، وتقديم { منه } للدلالة على أن الحبّ معظم ما يؤكل ، وأكثر ما يقوم به المعاش . { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّـٰتٍ مّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ } أي جعلنا في الأرض جنات من أنواع النخل ، والعنب ، وخصصهما بالذكر لأنهما أعلى الثمار ، وأنفعها للعباد { وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } أي فجرنا في الأرض بعضاً من العيون ، فحذف الموصوف ، وأقيمت الصفة مقامه ، أو المفعول العيون ، ومن مزيدة على رأي من جوّز زيادتها في الإثبات ، وهو الأخفش ، ومن وافقه ، والمراد بالعيون عيون الماء . قرأ الجمهور { فجرنا } بالتشديد ، وقرأ جناح بن حبيش بالتخفيف ، والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظاً ومعنى ، واللام في { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } متعلق بجعلنا ، والضمير في { من ثمره } يعود إلى المذكور من الجنات ، والنخيل ، وقيل هو راجع إلى ماء العيون لأن الثمر منه ، قاله الجرجاني . قرأ الجمهور { ثمره } بفتح الثاء ، والميم ، وقرأ حمزة ، والكسائي بضمهما ، وقرأ الأعمش بضم الثاء ، وإسكان الميم ، وقد تقدّم الكلام في هذا في الأنعام ، وقوله { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } معطوف على { ثمره } أي ليأكلوا من ثمره ، ويأكلوا مما عملته أيديهم كالعصير ، والدبس ، ونحوهما ، وكذلك ما غرسوه وحفروه على أن " ما " موصولة ، وقيل هي نافية ، والمعنى لم يعملوه ، بل العامل له هو الله ، أي وجدوها معمولة ، ولا صنع لهم فيها ، وهو قول الضحاك ، ومقاتل . قرأ الجمهور { عملته } وقرأ الكوفيون « عملت » بحذف الضمير ، والاستفهام في قوله { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } للتقريع ، والتوبيخ لهم لعدم شكرهم للنعم . وجملة { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى خَلَق ٱلأَزْوٰجَ كُلَّهَا } مستأنفة مسوقة لتنزيهه سبحانه عما وقع منهم من ترك الشكر لنعمه المذكورة ، والتعجب من إخلالهم بذلك . وقد تقدّم الكلام مستوفى في معنى سبحان ، وهو في تقدير الأمر للعباد بأن ينزهوه عما لا يليق به ، والأزواج الأنواع ، والأصناف ، لأن كل صنف مختلف الألوان ، والطعوم ، والأشكال ، و { مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ } بيان للأزواج ، والمراد كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة ، وغيرها { وَمِنْ أَنفُسِهِمْ } أي خلق الأزواج من أنفسهم ، وهم الذكور ، والإناث { وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } من أصناف خلقه في البرّ ، والبحر ، والسماء ، والأرض { وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } الكلام في هذا كما قدّمنا في قوله { وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَـٰهَا } ، والمعنى أن ذلك علامة دالة على توحيد الله ، وقدرته ، ووجوب إلٰهيته ، والسلخ الكشط ، والنزع ، يقال سلخه الله من بدنه ، ثم يستعمل بمعنى الإخراج ، فجعل سبحانه ذهاب الضوء ومجيء الظلمة كالسلخ من الشيء ، وهو استعارة بليغة { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } أي داخلون في الظلام مفاجأة وبغتة ، يقال أظلمنا أي دخلنا في ظلام الليل ، وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر ، وكذلك أصبحنا ، وأمسينا ، وقيل « منه » بمعنى عنه ، والمعنى نسلخ عنه ضياء النهار . قال الفراء يرمى بالنهار على الليل ، فيأتي بالظلمة ، وذلك أن الأصل هي الظلمة ، والنهار داخل عليه ، فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل ، أي كشط ، وأزيل ، فتظهر الظلمة . { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا } يحتمل أن تكون الواو للعطف على الليل ، والتقدير وآية لهم الشمس ، ويجوز أن تكون الواو ابتدائية ، والشمس مبتدأ ، وما بعدها الخبر ، ويكون الكلام مستأنفاً مشتملاً على ذكر آية مستقلة . قيل وفي الكلام حذف ، والتقدير تجري لمجرى مستقرّ لها ، فتكون اللام للعلة أي لأجل مستقرّ لها ، وقيل اللام بمعنى إلى وقد قرىء بذلك . قيل والمراد بالمستقرّ يوم القيامة ، فعنده تستقرّ ، ولا يبقى لها حركة ، وقيل مستقرها هو أبعد ما تنتهي إليه ، ولا تجاوزه ، وقيل نهاية ارتفاعها في الصيف ، ونهاية هبوطها في الشتاء ، وقيل مستقرها تحت العرش لأنها تذهب إلى هنالك ، فتسجد ، فتستأذن في الرجوع ، فيؤذن لها ، وهذا هو الرّاجح . وقال الحسن إن للشمس في السنة ثلثمائة مطلعاً تنزل في كل يوم مطلعاً ، ثم لا تنزل إلى الحول ، فهي تجري في تلك المنازل ، وهو مستقرّها ، وقيل غير ذلك . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وعكرمة ، وزين العابدين ، وابنه الباقر ، والصادق بن الباقر " لا مستقرّ لها " بلا التي لنفي الجنس ، وبناء مستقرّ على الفتح . وقرأ ابن أبي عبلة " لا مستقرّ " بلا التي بمعنى ليس ، ومستقرّ اسمها ، ولها خبرها ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى جري الشمس أي ذلك الجري { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } أي الغالب القاهر { ٱلْعَلِيمُ } أي المحيط علمه بكل شيء ، ويحتمل أن تكون الإشارة راجعة إلى المستقرّ أي ذلك المستقرّ تقدير الله . { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ } . قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو برفع القمر على الابتداء . وقرأ الباقون بالنصب على الاشتغال ، وانتصاب { منازل } على أنه مفعول ثانٍ ، لأن " قدرنا " بمعنى صيرنا ، ويجوز أن يكون منتصباً على الحال أي قدّرنا سيره حال كونه ذا منازل ، ويجوز أن يكون منتصباً على الظرفية أي في منازل . واختار أبو عبيد النصب في القمر لأن قبله فعلاً ، وهو { نسلخ } ، وبعده فعلاً ، وهو " قدّرنا " . قال النحاس أهل العربية جميعاً فيما علمت على خلاف ما قال . منهم الفراء قال الرفع أعجب إليّ ، قال وإنما كان الرفع عندهم أولى لأنه معطوف على ما قبله ، ومعناه وآية لهم القمر . قال أبو حاتم الرفع أولى ، لأنك شغلت الفعل عنه بالضمير ، فرفعته بالابتداء ، والمنازل هي الثمانية والعشرون التي ينزل القمر في كل ليلة في واحد منها ، وهي معروفة ، وسيأتي ذكرها ، فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أوّلها ، فيقطع الفلك في ثمان وعشرين ليلة ، ثم يستتر ليلتين ، ثم يطلع هلالاً ، فيعود في قطع تلك المنازل من الفلك { حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } قال الزجاج العرجون هو عود العذق الذي فيه الشماريخ ، وهو فعلون من الانعراج ، وهو الانعطاف أي سار في منازله ، فإذا كان في آخرها دقّ ، واستقوس ، وصغر حتى صار كالعرجون القديم ، وعلى هذا فالنون زائدة . قال قتادة وهو العذق اليابس المنحني من النخلة . قال ثعلب العرجون الذي يبقى في النخلة إذا قطعت ، والقديم البالي . وقال الخليل العرجون أصل العذق ، وهو أصفر عريض ، يشبه به الهلال إذا انحنى ، وكذا قال الجوهري إنه أصل العذق الذي يعوج ، ويقطع منه الشماريخ ، فيبقى على النخل يابساً ، وعَرَجْتُه ضربته بالعرجون ، وعلى هذا فالنون أصلية . قرأ الجمهور { العرجون } بضم العين ، والجيم وقرأ سليمان التيمي بكسر العين ، وفتح الجيم ، وهما لغتان ، والقديم العتيق . { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } الشمس مرفوعة بالابتداء ، لأنه لا يجوز أن تعمل لا في المعرفة أي لا يصح ، ولا يمكن للشمس أن تدرك القمر في سرعة السير ، وتنزل في المنزل الذي فيه القمر لأن لكل واحد منهما سلطاناً على انفراده ، فلا يتمكن أحدهما من الدخول على الآخر ، فيذهب سلطانه إلى أن يأذن الله بالقيامة ، فتطلع الشمس من مغربها . وقال الضحاك معناه إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء ، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء . وقال مجاهد أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر . وقال الحسن إنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، وكذا قال يحيـى بن سلام . وقيل معناه إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منزل لا يشتركان فيه . وقيل القمر في سماء الدنيا ، والشمس في السماء الرابعة . ذكره النحاس ، والمهدوي . قال النحاس وأحسن ما قيل في معناه ، وأبينه أن سير القمر سير سريع ، والشمس لا تدركه في السير . وأما قوله { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } القيامة 9 ، فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدّم بيانه في الأنعام ، ويأتي في سورة القيامة أيضاً ، وجمعهما علامة لانقضاء الدنيا ، وقيام الساعة { وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } أي يسبقه ، فيفوته ، ولكن يعاقبه ، ويجيء كل واحد منهما في وقته ، ولا يسبق صاحبه ، وقيل المراد من الليل ، والنهار آيتاهما ، وهما الشمس والقمر ، فيكون عكس قوله { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } أي ولا القمر سابق الشمس ، وإيراد السبق مكان الإدراك لسرعة سير القمر { وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } التنوين في كلّ عوض عن المضاف إليه أي وكل واحد منهما ، والفلك هو الجسم المستدير ، أو السطح المستدير ، أو الدائرة ، والخلاف في كون السماء مبسوطة ، أو مستديرة معروف ، والسبح السير بانبساط ، وسهولة ، والجمع في قوله { يَسْبَحُونَ } باعتبار اختلاف مطالعهما ، فكأنهما متعدّدان بتعدّدها ، أو المراد الشمس ، والقمر ، والكواكب . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ } الآية يقول ما كابدناهم بالجموع أي ، الأمر أيسر علينا من ذلك . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } يقول يا ويلاً للعباد . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله { يا حسرة على العباد } قال الندامة على العباد الذين { مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } يقول الندامة عليهم يوم القيامة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } قال وجدوه معمولاً لم تعمله أيديهم يعني الفرات ، ودجلة ، ونهر بلخ ، وأشباهها { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } لهذا . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أبي ذرّ قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا } قال " مستقرّها تحت العرش " وفي لفظ للبخاري ، وغيره من حديثه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس ، فقال " يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس ؟ " قلت الله ، ورسوله أعلم ، قال " إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فذلك قوله { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا } " وفي لفظ من حديثه أيضاً عند أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم قال " يا أبا ذرّ ، أتدري أين تذهب هذه ؟ قلت الله ، ورسوله أعلم ، قال فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها ، فتستأذن في الرجوع ، فيأذن لها ، وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها " . ثم قرأ " ذٰلك مستقرّ لها " وذلك قراءة عبد الله . وأخرج الترمذي ، والنسائي ، وغيرهما من قول ابن عمر نحوه . وأخرج الخطيب في كتاب النجوم عن ابن عباس في قوله { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ مَنَازِلَ } الآية قال هي ثمانية وعشرون منزلاً ينزلها القمر في كلّ شهر أربعة عشر منها شامية ، وأربعة عشر منها يمانية ، أولها الشرطين ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والدبرة ، والصرفة ، والعوّاء ، والسماك . وهو آخر الشامية ، والغفر ، والزبانا ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، ومقدّم الدلو ، ومؤخر الدلو ، والحوت ، وهو آخر اليمانية ، فإذا سار هذه الثمانية وعشرين منزلاً { عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } كما كان في أوّل الشهر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } يعني أصل العذق العتيق .