Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 36-42)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } قرأ الجمهور { عبده } بالإفراد . وقرأ حمزة ، والكسائي عباده بالجمع ، فعلى القراءة الأولى المراد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الجنس ، ويدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولاً أوّلياً ، وعلى القراءة الأخرى المراد الأنبياء أو المؤمنون أو الجميع ، واختار أبو عبيد قراءة الجمهور ، لقوله عقبه { ويخوّفونك } ، والاستفهام للإنكار لعدم كفايته سبحانه على أبلغ وجه كأنها بمكان من الظهور لا يتيسر لأحد أن ينكره . وقيل المراد بالعبد ، والعباد ما يعمّ المسلم ، والكافر . قال الجرجاني إن الله كاف عبده المؤمن ، وعبده الكافر هذا بالثواب ، وهذا بالعقاب . وقرىء بكافي عباده بالإضافة ، وقرىء يكافي بصيغة المضارع ، وقوله { وَيُخَوّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } يجوز أن يكون في محل نصب على الحال ، إذ المعنى أليس كافيك حال تخويفهم إياك ؟ ويجوز أن تكون مستأنفة ، والذين من دونه عبارة عن المعبودات التي يعبدونها { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } أي من حقّ عليه القضاء بضلاله ، فما له من هاد يهديه إلى الرّشد ، ويخرجه من الضلالة . { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ } يخرجه من الهداية ، ويوقعه في الضلالة { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ } أي غالب لكل شيء قاهر له { ذِى ٱنتِقَامٍ } ينتقم من عصاته بما يصبه عليهم من عذابه ، وما ينزله بهم من سوط عقابه . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } ذكر سبحانه اعترافهم إذا سئلوا عن الخالق بأن الله سبحانه مع عبادتهم للأوثان ، واتخاذهم الآلهة من دون الله ، وفي هذا أعظم دليل على أنهم كانوا في غفلة شديدة ، وجهالة عظيمة لأنهم إذا علموا أن الخالق لهم ، ولما يعبدون من دون الله هو الله سبحانه ، فكيف استحسنت عقولهم عبادة غير خالق الكل ، وتشريك مخلوق مع خالقه في العبادة ؟ وقد كانوا يذكرون بحسن العقول ، وكمال الإدراك ، والفطنة التامة ، ولكنهم لما قلدوا أسلافهم ، وأحسنوا الظنّ بهم هجروا ما يقتضيه العقل ، وعملوا بما هو محض الجهل . ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يبكتهم بعد هذا الاعتراف ، ويوبخهم ، فقال { قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ } أي أخبروني عن آلهتكم هذه هل تقدر على كشف ما أراده الله بي من الضرّ ، والضرّ هو الشدّة ، أو أعلى { أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ } عنِّي بحيث لا تصل إليّ ، والرحمة النعمة ، والرّخاء . قرأ الجمهور ممسكات ، وكاشفات في الموضعين بالإضافة ، وقرأهما أبو عمرو ، بالتنوين . قال مقاتل لما نزلت هذه الآية سألهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فسكتوا ، وقال غيره قالوا لا تدفع شيئاً من قدر الله ، ولكنها تشفع ، فنزل { قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ } في جميع أموري في جلب النفع ، ودفع الضرّ { عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكّلُونَ } أي عليه ، لا على غيره يعتمد المعتمدون ، واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم قراءة أبي عمرو ، لأن كاشفات اسم فاعل في معنى الاستقبال ، وما كان كذلك ، فتنوينه أجود ، وبها قرأ الحسن ، وعاصم . ثم أمره سبحانه أن يهدّدهم ، ويتوعدهم ، فقال { قُلْ ياقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } أي على حالتكم التي أنتم عليها ، وتمكنتم منها { إِنّى عَـٰمِلٌ } أي على حالتي التي أنا عليها ، وتمكنت منها ، وحذف ذلك للعلم به مما قبله { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي يهينه ، ويذله في الدنيا ، فيظهر عند ذلك أنه المبطل ، وخصمه المحقّ ، والمراد بهذا العذاب عذاب الدنيا ، وما حلّ بهم من القتل ، والأسر ، والقهر ، والذلة . ثم ذكر عذاب الآخرة ، فقال { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي دائم مستمرّ في الدار الآخرة ، وهو عذاب النار . ثم لما كان يعظم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إصرارهم على الكفر أخبره بأنه لم يكلف إلا بالبيان ، لا بأن يهدي من ضلّ ، فقال { إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ لِلنَّـاسِ } أي لأجلهم ، ولبيان ما كلفوا به ، و { بِٱلْحَقّ } حال من الفاعل ، أو المفعول ، أي محقين ، أو ملتبساً بالحقّ { فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ } طريق الحق ، وسلكها { فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ } عنها { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أي على نفسه ، فضرر ذلك عليه لا يتعدّى إلى غيره { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } أي بمكلف بهدايتهم مخاطب بها ، بل ليس عليك إلا البلاغ ، وقد فعلت . وهذه الآيات هي منسوخة بآية السيف ، فقد أمر الله رسوله بعد هذا أن يقاتلهم حتى يقولوا لا إلٰه إلا الله ، ويعملوا بأحكام الإسلام . ثم ذكر سبحانه نوعاً من أنواع قدرته البالغة ، وصنعته العجيبة ، فقال { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } أي يقبضها عند حضور أجلها ، ويخرجها من الأبدان { وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا } أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت ، أي لم يحضر أجلها في منامها . وقد اختلف في هذا . فقيل يقبضها عن التصرّف مع بقاء الروح في الجسد . وقال الفراء المعنى ويقبض التي لم تمت عند انقضاء أجلها قال وقد يكون توفيها نومها ، فيكون التقدير على هذا والتي لم تمت ، وفاتها نومها . قال الزجاج لكل إنسان نفسان أحدهما نفس التمييز ، وهي التي تفارقه إذا نام ، فلا يعقل ، والأخرى نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس ، والنائم يتنفس . قال القشيري في هذا بعد إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة في الحالين شيء واحد ، ولهذا قال { فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } أي النائمة { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، وهو الوقت المضروب لموته ، وقد قال بمثل قول الزجاج ابن الأنباري . وقال سعيد بن جبير إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا ، وأرواح الأحياء إذا ناموا ، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف { فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } ، فيعيدها ، والأولى أن يقال إن توفي الأنفس حال النوم بإزالة الإحساس ، وحصول الآفة به في محل الحسّ ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، ولا يردّها إلى الجسد الذي كانت فيه ، ويرسل الأخرى بأن يعيد عليها إحساسها . قيل ومعنى { يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ عِندَ مَوْتِهَا } هو على حذف مضاف ، أي عند موت أجسادها . وقد اختلف العقلاء في النفس ، والروح هل هما شيء واحد ، أو شيئان ؟ والكلام في ذلك يطول جدًّا ، وهو معروف في الكتب الموضوعة لهذا الشأن . قرأ الجمهور { قضى } مبنياً للفاعل ، أي قضى الله عليها الموت ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، والأعمش ، ويحيـى بن وثاب على البناء للمفعول ، واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم القراءة الأولى لموافقتها لقوله { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } ، والإشارة بقوله { إِنَّ فِى ذَلِكَ } إلى ما تقدّم من التوفي ، والإمساك ، والإرسال للنفوس { لآيَاتٍ } أي لآيات عجيبة بديعة دالة على القدرة الباهرة ، ولكن ليس كون ذلك آيات يفهمه كل أحد بل { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } في ذلك ، ويتدبرونه ، ويستدلون به على توحيد الله ، وكمال قدرته . فإن في هذا التوفي ، والإمساك ، والإرسال موعظة للمتعظين ، وتذكرة للمتذكرين . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } الآية قال نفس ، وروح بينهما مثل شعاع الشمس ، فيتوفى الله النفس في منامه ، ويدع الروح في جوفه تتقلب ، وتعيش ، فإن بدا له أن يقبضه قبض الروح ، فمات . وإن أخر أجله ردّ النفس إلى مكانها من جوفه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه ، والضياء في المختارة عنه في الآية قال تلتقي أرواح الأحياء ، وأرواح الأموات في المنام ، فيتساءلون بينهم ما شاء الله ، ثم يمسك الله أرواح الأموات ، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } لا يغلط بشيء منها ، فذلك قوله { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . وأخرج عبد بن حميد عنه أيضاً في الآية قال كل نفس لها سبب تجري فيه ، فإذا قضى عليها الموت نامت حتى ينقطع السبب ، والتي لم تمت في منامها تترك . وأخرج البخاري ، ومسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أوى أحدكم إلى فراشه ، فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي ، وباسمك أرفعه ، إن أمسكت نفسي ، فارحمها ، وإن أرسلتها ، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " .