Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 43-48)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَاء } أم هي المنقطعة المقدّرة ببل ، والهمزة ، أي بل اتخذوا من دون الله آلهة شفعاء تشفع لهم عند الله { قُلْ أَوَلَوْ لَّوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } الهمزة للإنكار ، والتوبيخ ، والواو للعطف على محذوف مقدّر ، أي أيشفعون ، ولو كانوا الخ ، وجواب لو محذوف تقديره تتخذونهم ، أي وإن كانوا بهذه الصفة تتخذونهم ، ومعنى لا يملكون شيئاً أنهم غير مالكين لشيء من الأشياء ، وتدخل الشفاعة في ذلك دخولاً أوّلياً ، ولا يعقلون شيئاً من الأشياء لأنها جمادات لا عقل لها ، وجمعهم بالواو ، والنون لاعتقاد الكفار فيهم أنهم يعقلون . ثم أمره سبحانه بأن يخبرهم أن الشفاعة لله وحده ، فقال { قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَـٰعَةُ جَمِيعاً } ، فليس لأحد منها شيء إلا أن يكون بإذنه لمن ارتضى ، كما في قوله { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } البقرة 255 ، وقوله { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } الأنبياء 28 ، وانتصاب { جميعاً } على الحال ، وإنما أكد الشفاعة بما يؤكد به الاثنان ، فصاعداً لأنها مصدر يطلق على الواحد ، والاثنين ، والجماعة ، ثم وصفه بسعة الملك ، فقال { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي يملكهما ، ويملك ما فيهما ، ويتصرف في ذلك كيف يشاء ، ويفعل ما يريد { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } لا إلى غيره ، وذلك بعد البعث . { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ } انتصاب { وحده } على الحال عند يونس ، وعلى المصدر عند الخليل ، وسيبويه ، والاشمئزاز في اللغة النفور . قال أبو عبيدة اشمأزت نفرت ، وقال المبرد انقبضت . وبالأوّل قال قتادة ، وبالثاني قال مجاهد ، والمعنى متقارب . وقال المؤرّج أنكرت ، وقال أبو زيد اشمأزّ الرجل ذعر من الفزع ، والمناسب للمقام تفسير اشمأزت بانقبضت ، وهو في الأصل الازورار ، وكان المشركون إذا قيل لهم لا إلٰه إلا الله انقبضوا ، كما حكاه الله عنهم في قوله { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } الإسراء 46 ، ثم ذكر سبحانه استبشارهم بذكر أصنامهم ، فقال { وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي يفرحون بذلك ، ويبتهجون به ، والعامل في " إذا " في قوله { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ } الفعل الذي بعدها ، وهو اشمأزت ، والعامل في إذا في قوله { وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } الفعل العامل في إذا الفجائية ، والتقدير فاجئوا الاستبشار وقت ذكر الذين من دونه . ولما لم يقبل المتمردون من الكفار ما جاءهم به من الدعاء إلى الخير ، وصمموا على كفرهم ، أمره الله سبحانه أن يردّ الأمر إليه ، فقال { قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } ، وقد تقدّم تفسير فاطر السماوات ، وتفسير عالم الغيب ، والشهادة ، وهما منصوبان على النداء ، ومعنى { تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ } تجازي المحسن بإحسانه ، وتعاقب المسيء بإساءته ، فإنه بذلك يظهر من هو المحقّ ، ومن هو المبطل ، ويرتفع عنده خلاف المختلفين ، وتخاصم المتخاصمين . ثم لما حكى عن الكفار ما حكاه من الاشمئزاز عند ذكر الله ، والاستبشار عند ذكر الأصنام ذكر ما يدلّ على شدّة عذابهم ، وعظيم عقوبتهم ، فقال { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أي جميع ما في الدنيا من الأموال ، والذخائر { وَمِثْلَهُ مَعَهُ } أي منضماً إليه { لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوء ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي من سوء عذاب ذلك اليوم ، وقد مضى تفسير هذا في آل عمران { وَبَدَا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } أي ظهر لهم من عقوبات الله ، وسخطه ، وشدّة عذابه ما لم يكن في حسابهم ، وفي هذا وعيد عظيم ، وتهديد بالغ ، وقال مجاهد عملوا أعمالاً توهموا أنها حسنات ، فإذا هي سيئات ، وكذا قال السدّي . وقال سفيان الثوري ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم ، وقصتهم . وقال عكرمة بن عمار جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعاً شديداً ، فقيل له ما هذا الجزع ؟ قال أخاف آية من كتاب الله { وَبَدَا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } ، فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب . { وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ } أي مساوىء أعمالهم من الشرك ، وظلم أولياء الله ، و « ما » يحتمل أن تكون مصدرية ، أي سيئات كسبهم ، وأن تكون موصولة ، أي سيئات الذي كسبوه { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } أي أحاط بهم ، ونزل بهم ما كانوا يستهزئون به من الإنذار الذي كان ينذرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ } الآية قال قست ، ونفرت { قُلُوبٍ } هؤلاء الأربعة { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ } أبو جهل بن هشام ، والوليد بن عقبة ، وصفوان ، وأبيّ بن خلف { وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } اللات ، والعزى { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } . وأخرج مسلم ، وأبو داود ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته " اللَّهم ربّ جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما أختلف فيه من الحقّ بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .