Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 105-109)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ } إما بوحي أو بما هو جار على سنن ما قد أوحي الله به . وليس المراد هنا رؤية العين لأن الحكم لا يرى ، بل المراد بما عرّفه الله به وأرشده إليه . قوله { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ } أي لأجل الخائنين خصيماً ، أي مخاصماً عنهم مجادلاً للمحقين بسببهم . وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق . قوله { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهِ } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستغفار . قال ابن جرير إن المعنى استغفر الله من ذنبك في خصامك للخائنين ، وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله الآية ، وبه يتضح المراد . وقيل المعنى واستغفر الله للمذنبين من أمتك ، والمخاصمين بالباطل . قوله { وَلاَ تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } أي لا تحاجج عن الذين يخونون أنفسهم ، والمجادلة مأخوذة من الجدل ، وهو القتل ، وقيل مأخوذة من الجدالة ، وهي وجه الأرض لأن كل واحد من الخصمين يريد أن يلقي صاحبه عليها ، وسمي ذلك خيانة لأنفسهم لأن ضرر معصيتهم راجع إليهم . والخوّان كثير الخيانة ، والأثيم كثير الإثم ، وعدم المحبة كناية عن البغض . قوله { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي يستترون منهم كقوله { ومن هو مستخف بالليل } الرعد 10 أي مستتر . وقيل معناه يستخفون من الناس ، ولا يستخفون من الله ، أي لا يستترون منه أو لا يستحيون منه ، والحال أنه معهم في جميع أحوالهم عالم بما هم فيه ، فكيف يستخفون منه ؟ { إِذْ يُبَيّتُونَ } أي يديرون الرأي بينهم ، وسماه تبييتاً ، لأن الغالب أن تكون إدارة الرأي بالليل { مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أي من الرأي الذي أداروه بينهم ، وسماه قولاً لأنه لا يحصل إلا بعد المداولة بينهم . قوله { ها أَنتُمْ هَـٰؤُلاء } يعني القوم الذين جادلوا عن صاحبهم السارق ، كما سيأتي ، والجملة مبتدأ وخبر . قال الزجاج { أُوْلاء } بمعنى الذين و { جَـٰدَلْتُمْ } بمعنى حاججتم { فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَـٰدِلُ الله عنهم يوم القيامة } الاستفهام للإنكار والتوبيخ ، أي فمن يخاصم ويجادل الله عنهم يوم القيامة عند تعذيبهم بذنوبهم ؟ { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } أي مجادلاً ومخاصماً ، والوكيل في الأصل القائم بتدبير الأمور . والمعنى من ذاك يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه . وقد أخرج الترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، عن قتادة بن النعمان ، قال كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر ، وبشير ، ومبشر ، وكان بشر رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ينحله بعض العرب ، ثم يقول قال فلان كذا وكذا . قال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث ، فقال @ أو كلما قال الرجال قصيدة أضمِوُا فقالوا ابن الأبيرق قالها @@ قال وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير ، وكان الرجل إذا كان له يسار ، فقدمت ضافطة ، أي حمولة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخصّ بها نفسه ، وأما العيال ، فإنما طعامهم التمر والشعير ، فقدمت ضافطة من الشام ، فابتاع عمي رفاعة بن رافع جملاً من الدرمك ، فجعله في مشربة ، وفي المشربة سلاح له درعان ، وسيفاهما وما يصلحهما ، فعدى عليه من تحت الليل ، فنقبت المشربة ، وأخذ الطعام والسلاح ، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة ، فقال يا ابن أخي تعلم أن قد عدي علينا في ليلتنا هذه ، فنقبت مشربتنا ، فذهب بطعامنا وسلاحنا ، قال فتحسسنا في الدار ، وسألنا ، فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا ناراً في هذه الليلة ، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم ، قال وكان بنو أبيرق قالوا ، ونحن نسأل في الدار ، والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلاً مناله صلاح وإسلام ، فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ، ثم أتى بني أبيرق وقال أنا أسرق ؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف ، أو لتبينن هذه السرقة ، قالوا إليك عنا أيها الرجل ، فوالله ما أنت بصاحبها ، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها ، فقال لي عمي يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، قال قتادة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد ، فنقبوا مشربة له ، وأخذوا سلاحه وطعامه ، فليردّوا علينا سلاحنا ، وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سأنظر في ذلك " ، فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسير بن عروة ، فكلموه في ذلك ، واجتمع إليه ناس من أهل الدار ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت ، قال قتادة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته ، فقال " عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت " ، قال قتادة فرجعت ، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ، ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأتاني عمي رفاعة فقال لي يا بن أخي ما صنعت ؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الله المستعان ، فلم نلبث أن نزل القرآن { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً } بني أبيرق { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهِ } أي مما قلت لقتادة { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً وَلاَ تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } إلى قوله { ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } النساء 110 أي لو استغفروا الله لغفر لهم { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً } النساء 111 إلى قوله { فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً } النساء 111 قولهم للبيد { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ } النساء 113 يعني أسير بن عروة ، فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح ، فرده إلى رفاعة . قال قتادة فلما أتيت عمي بالسلاح ، وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية ، أي كبر ، وكنت أرى إسلامه مدخولاً ، فلما أتيته بالسلاح قال يا ابن أخي هو في سبيل الله ، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً ، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ، فنزل على سلافة بنت سعد ، فأنزل الله { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلَّىٰ } النساء 115 إلى قوله { ضَلَـٰلاً بَعِيداً } النساء 115 - 116 فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر ، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ، ثم خرجت فرمت به في الأبطح ، ثم قالت أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير . قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحراني . ورواه يونس ابن بكير ، وغير واحد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلاً لم يذكر فيه ، عن أبيه ، عن جدّه . ورواه ابن أبي حاتم ، عن هاشم بن القاسم الحراني ، عن محمد بن سلمة به ببعضه . ورواه ابن المنذر ، في تفسيره قال حدثنا محمد بن إسماعيل يعني الصانع ، حدّثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ، حدثنا محمد بن سلمة ، فذكره بطوله . ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره ، عن محمد بن العباس بن أيوب ، والحسن بن يعقوب كلاهما ، عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني ، عن محمد ابن سلمة به ، ثم قال في آخره قال محمد بن سلمة سمع مني هذا الحديث يحيـى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن أبي إسرائيل . وقد رواه الحاكم في المستدرك عن أبي العباس الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، عن يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق بمعناه أثم منه ، ثم قال هذا صحيح على شرط مسلم . وقد أخرجه ابن سعد ، عن محمود بن لبيد قال غدا بشير فذكره مختصراً ، وقد رويت هذه القصة مختصرة ، ومطوّلة عن جماعة من التابعين .