Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 5-6)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا رجوع إلى بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى . وقد تقدّم الأمر بدفع أموالهم إليهم في قوله تعالى { وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ } النساء 2 فبين سبحانه هاهنا أن السفيه ، وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه . وقد تقدّم في البقرة معنى السفيه لغة . واختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم ؟ فقال سعيد بن جبير هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم . قال النحاس ، وهذا من أحسن ما قيل في الآية . وقال مالك هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم ، فيفسدوها ، وتبقوا بلا شيء . وقال مجاهد هم النساء . قال النحاس ، وغيره وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب سفائه أو سفيهات . واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين ، وهي للسفهاء ، فقيل أضافها إليهم لأنها بأيديهم ، وهم الناظرون فيها ، كقوله { فَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } النور 61 ، وقوله { فَٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } البقرة 54 أي ليسلم بعضكم على بعض ، وليقتل بعضكم بعضاً ، وقيل أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم ، فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل . وقيل المراد أموال المخاطبين حقيقة . وبه قال أبو موسى الأشعري ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة . والمراد النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء ، والصبيان ، ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تصلح المال ، ولا يتجنب ، وجوه الضرر التي تهلكه ، وتذهب به . قوله { ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قياما } المفعول الأوّل محذوف ، والتقدير التي جعلها الله لكم ، و « قيما » قراءة أهل المدينة ، وأبي عامر ، وقرأ غيرهم « قياماً » وقرأ عبد الله بن عمر « قواما » والقيام والقوام ما يقيمك ، يقال فلان قيام أهله ، وقوام بيته ، وهو الذي يقيم شأنه ، أي يصلحه ، ولما انكسرت القاف في قوام أبدلوا الواو ياء . قال الكسائي والفراء قيماً وقواماً بمعنى قياماً ، وهو منصوب على المصدر أي لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم ، فتقومون بها قياماً ، وقال الأخفش المعنى قائمة بأموركم ، فذهب إلى أنها جمع . وقال البصريون قيماً جمع قيمة كديمة وديم ، أي جعلها الله قيمة للأشياء . وخطأ أبو علي الفارسي هذا القول ، وقال هي مصدر ، كقيام وقوام . والمعنى أنها صلاح للحال ، وثبات له ، فأما على قول من قال إن المراد أموالهم على ما يقتضيه ظاهر الإضافة ، فالمعنى واضح . وأما على قول من قال إنها أموال اليتامى ، فالمعنى أنها من جنس ما تقوم به معايشكم ، ويصلح به حالكم من الأموال . وقرأ الحسن ، والنخعي « اللاتي جعل » قال الفراء الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي ، والأموال التي ، وكذلك غير الأموال ، ذكره النحاس . قوله { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } أي اجعلوا لهم فيها رزقاً ، أو افرضوا لهم ، وهذا فيمن تلزم نفقته ، وكسوته من الزوجات ، والأولاد ، ونحوهم . وأما على قول من قال إن الأموال هي أموال اليتامى ، فالمعنى اتجروا فيها حتى تربحوا ، وتنفقوهم من الأرباح ، أو اجعلوا لهم من أموالهم رزقاً ينفقونه على أنفسهم ، ويكتسون به . وقد استدل بهذه الآية على جواز الحجر على السفهاء ، وبه قال الجمهور . وقال أبو حنيفة لا يحجر على من بلغ عاقلاً ، واستدل بها أيضاً على وجوب نفقة القرابة ، والخلاف في ذلك معروف في مواطنه . قوله { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } قيل ادعوا لهم بارك الله فيكم ، وحاطكم ، وصنع لكم . وقيل معناه عدوهم وعداً حسناً قولوا لهم إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم ، ويقول الأب لابنه مالي سيصير إليك ، وأنت إن شاء الله صاحبه ، ونحو ذلك . والظاهر من الآية ما يصدق عليه مسمى القول الجميل ، ففيه إرشاد إلى حسن الخلق مع الأهل ، والأولاد ، أو مع الأيتام المكفولين . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه " خيركم خيركم أهله ، وأنا خيركم لأهلي " قوله { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } الابتلاء الاختبار . وقد تقدّم تحقيقه . وقد اختلفوا في معنى الاختبار ، فقيل هو أن يتأمل الوصي أخلاق يتيمه ، ليعلم بنجابته ، وحسن تصرفه ، فيدفع إليه ماله إذا بلغ النكاح ، وآنس منه الرشد ، وقيل معنى الاختبار أن يدفع إليه شيئاً من ماله ، ويأمره بالتصرف فيه حتى يعلم حقيقة حاله ، وقيل معنى الاختبار أن يرد النظر إليه في نفقة الدار ليعرف كيف تدبيره ، وإن كانت جارية ردّ إليها ما يردّ إلى ربة البيت من تدبير بيتها . والمراد ببلوغ النكاح بلوغ النكاح بلوغ الحلم كقوله تعالى { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } النور 59 ومن علامات البلوغ الإنبات ، وبلوغ خمس عشرة سنة . وقال مالك ، وأبو حنيفة ، وغيرهما لا يحكم لمن لم يحتلم بالبلوغ إلا بعد مضي سبع عشرة سنة ، وهذه العلامات تعم الذكر ، والأنثى ، وتختص الأنثى بالحبل ، والحيض . قوله { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } أي أبصرتم ، ورأيتم ، ومنه قوله { مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } القصص 29 . قال الأزهري تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحداً ، معناه تبصر . وقيل هو هنا بمعنى وجد وعلم ، أي فإن وجدتم ، وعلمتم منهم رشداً . وقراءة الجمهور { رشدا } بضم الراء وسكون الشين . وقرأ ابن مسعود ، والسلمي ، وعيسى الثقفي بفتح الراء ، والشين ، قيل هما لغتان ، وقيل هو بالضم مصدر رشد ، وبالفتح مصدر رشد . واختلف أهل العلم في معنى الرشد هاهنا ، فقيل الصلاح في العقل والدين ، وقيل في العقل خاصة . قال سعيد بن جبير ، والشعبي إنه لا يدفع إلى اليتيم ماله إذا لم يؤنس رشده ، وإن كان شيخاً . قال الضحاك وإن بلغ مائة سنة . وجمهور العلماء على أن الرشد لا يكون إلا بعد البلوغ ، وعلى أنه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم لا يزول عنه الحجر . وقال أبو حنيفة ، لا يحجر على الحرّ البالغ ، وإن كان أفسق الناس ، وأشدهم تبذيراً ، وبه قال النخعي ، وزفر ، وظاهر النظم القرآني أنها لا تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ غاية هي بلوغ النكاح مقيدة هذه الغاية بإيناس الرشد ، فلا بد من مجموع الأمرين ، فلا تدفع إلى اليتامى أموالهم قبل البلوغ ، وإن كانوا معروفين بالرشد ، ولا بعد البلوغ إلا بعد إيناس الرشد منهم . والمراد بالرشد نوعه ، وهو المتعلق بحسن التصرف في أمواله ، وعدم التبذير بها ، ووضعها في مواضعها . قوله { وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } الإسراف في اللغة الإفراط ، ومجاوزة الحدّ . وقال النضر بن شميل السرف التبذير ، والبدار المبادرة { أَن يَكْبَرُواْ } في موضع نصب بقوله { بداراً } أي لا تأكلوا أموال اليتامى أكل إسراف ، وأكل مبادرة لكبرهم ، أو لا تأكلوا لأجل السرف ، ولأجل المبادرة أو لا تأكلوها مسرفين ، ومبادرين لكبرهم ، وتقولوا ننفق أموال اليتامى . فيما نشتهي قبل أن يبلغوا ، فينتزعوها من أيدينا . قوله { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } بين سبحانه ما يحل لهم من أموال اليتامى ، فأمر الغنيّ بالاستعفاف وتوفير مال الصبي عليه ، وعدم تناوله منه ، وسوّغ للفقير أن يأكل بالمعروف . واختلف أهل العلم في الأكل بالمعروف ما هو ؟ فقال قوم هو القرض إذا احتاج إليه ، ويقضي متى أيسر الله عليه ، وبه قال عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وعبيدة السلماني ، وابن جبير ، والشعبي ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والأوزاعي ، وقال النخعي ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة لا قضاء على الفقير فيما يأكل بالمعروف ، وبه قال جمهور الفقهاء . وهذا بالنظم القرآني ألصق ، فإن إباحة الأكل للفقير مشعرة بجواز ذلك له من غير قرض . والمراد بالمعروف المتعارف به بين الناس ، فلا يترفه بأموال اليتامى ، ويبالغ في التنعم بالمأكول ، والمشروب ، والملبوس ، ولا يدع نفسه عن سدّ الفاقة ، وستر العورة . والخطاب في هذه الآية لأولياء الأيتام القائمين بما يصلحهم كالأب ، والجدّ ، ووصيهما . وقال بعض أهل العلم المراد بالآية اليتيم إن كان غنياً ، وسع عليه ، وعفّ من ماله ، وإن كان فقيراً كان الإنفاق عليه بقدر ما يحصل له ، وهذا القول في غاية السقوط . قوله { فإذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ } أي إذا حصل مقتضى الدفع ، فدفعتم إليهم أموالهم ، فأشهدوا عليهم أنهم قد قبضوها منكم لتندفع عنكم التهم ، وتأمنوا عاقبة الدعاوى الصادرة منهم ، وقيل إن الإشهاد المشروع هو ما أنفقه عليهم الأولياء قبل رشدهم ، وقيل هو على ردّ ما استقرضه إلى أموالهم ، وظاهر النظم القرآني مشروعية الإشهاد على ما دفع إليهم من أموالهم ، وهو يعمّ الإنفاق قبل الرشد ، والدفع للجميع إليهم بعد الرشد { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي حاسباً لأعمالكم شاهداً عليكم في كل شيء تعملونه ، ومن جملة ذلك معاملتكم لليتامى في أموالهم ، وفيه وعيد عظيم ، والباء زائدة ، أي كفى الله . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ } يقول لا تعمد إلى مالك ، وما خولك الله ، وجعله لك معيشة ، فتعطيه امرأتك ، أو بنتك ، ثم تضطر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك ، وأصلحه ، وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ، ورزقهم ، ومؤونتهم . قال وقوله { قَياما } يعني قوامكم من معايشكم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه من طريق العوفي في الآية يقول لا تسلط السفيه من ولدك على مالك ، وأمره أن يرزقه منه ، ويكسوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه قال هم بنوك ، والنساء . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة قال هم الخدم ، وهم شياطين الإنس . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن مسعود قال هم النساء ، والصبيان . وأخرج ابن جرير ، عن حضرمي أن رجلاً عمد ، فدفع ماله إلى امرأته ، فوضعته في غير الحق ، فقال الله { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن سعيد بن جبير قال هم اليتامى والنساء . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن عكرمة قال هو مال اليتيم ، يكون عندك ، يقول لا تؤتوه إياه ، وأنفق عليه حتى يبلغ . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { وَٱرْزُقُوهُمْ } يقول أنفقوا عليهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } قال أمروا أن يقولوا لهم قولاً معروفاً في البرّ ، والصلة . وأخرج ابن جرير ، عن ابن جريج { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } قال عدة تعدونهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس في قوله { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } يعني اختبروا اليتامى عند الحلم { فإن آنستم } عرفتم { مّنْهُمْ رُشْداً } في حالهم ، والإصلاح في أموالهم { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً } يعني تأكل مال اليتيم ببادرة قبل أن يبلغ ، فتحول بينه ، وبين ماله . وأخرج البخاري ، وغيره ، عن عائشة قالت أنزلت هذه الآية في وليّ اليتيم { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } بقدر قيامه عليه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } قال بغناه { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } قال يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم ، وأخرج ابن جرير عنه قال هو القرض . وأخرج عبد بن حميد ، والبيهقي ، عن ابن عباس قال إن كان فقيراً أخذ من فضل اللبن ، وأخذ من فضل القوت ، ولا يجاوزه ، وما يستر عورته من الثياب ، فإن أيسر قضاه ، وإن أعسر ، فهو في حل . وأخرج عبد الرزاق ، وابن سعد ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه من طرق عن عمر بن الخطاب قال إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة وليّ اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن احتجت أخذت منه بالمعروف ، فإذا أيسرت قضيت . وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمرو أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ليس لي مال ، ولي يتيم فقال " " كل من مال يتيمك غير مسرف ، ولا مبذر ، ولا متأثل مالاً ، ومن غير أن تقي مالك بماله " وأخرج أبو داود ، والنحاس كلاهما في الناسخ ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } قال نسختها { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } النساء 10 الآية .