Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 7-10)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر سبحانه حكم أموال اليتامى ، وصله بأحكام المواريث ، وكيفية قسمتها بين الورثة . وأفرد سبحانه ذكر النساء بعد ذكر الرجال ، ولم يقل للرجال والنساء نصيب ، للإيذان بأصالتهنّ في هذا الحكم ، ودفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء ، وفي ذكر القرابة بيان لعلة الميراث مع التعميم لما يصدق عليه مسمى القرابة من دون تخصيص . وقوله { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ } بدل من قوله { مّمَّا تَرَكَ } بإعادة الجار ، والضمير في قوله { مِنْهُ } راجع إلى المبدل منه . وقوله { نَصِيباً } منتصب على الحال ، أو على المصدرية ، أو على الاختصاص ، وسيأتي ذكر السبب في نزول هذه الآية إن شاء الله ، وقد أجمل الله سبحانه في هذه المواضع قدر النصيب المفروض ، ثم أنزل قوله { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } النساء 11 فبين ميراث كل فرد . قوله { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } المراد بالقرابة هنا غير الوارثين ، وكذا اليتامى ، والمساكين ، شرع الله سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق ، فيرضخ لهم المتقاسمون شيئاً منها . وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة ، وأن الأمر للندب . وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } النساء 11 والأوّل أرجح ، لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس هو من جملة الميراث حتى يقال إنها منسوخة بآية المواريث ، إلا أن يقولوا إن أولى القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه . وقالت طائفة إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة ، وهو معنى الأمر الحقيقي ، فلا يصار إلى الندب إلا لقرينة ، والضمير في قوله { مِنْهُ } راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة ، وقيل راجع إلى ما ترك . والقول المعروف هو القول الجميل الذي ليس فيه منّ بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى . قوله { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ } هم الأوصياء ، كما ذهب إليه طائفة من المفسرين ، وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم . وقالت طائفة المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام ، وأولاد الناس ، وإن لم يكونوا في حجورهم وقال آخرون إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته ، أمروا بتقوى الله ، بأن يقولوا للمحتضر قولاً سديداً من إرشادهم إلى التخلص عن حقوق الله ، وحقوق بني آدم ، وإلى الوصية بالقرب المقرّبة إلى الله سبحانه ، وإلى ترك التبذير بماله ، وإحرام ورثته ، كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم ، فقراء عالة يتكففون الناس وقال ابن عطية الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر ، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ، ويحمل على أن يقدّم لنفسه ، وإذا ترك ورثة ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط ، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين . قال القرطبي وهذا التفصيل صحيح . قوله { لَوْ تَرَكُواْ } صلة الموصول ، والفاء في قوله { فَلْيَتَّقُواّ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها . والمعنى وليخش الذين صفتهم ، وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافاً ، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم ، وكاسبهم ، ثم أمرهم بتقوى الله ، والقول السديد للمحتضرين ، أو لأولادهم من بعدهم على ما سبق . قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } استئناف يتضمن النهي عن ظلم الأيتام من الأولياء ، والأوصياء ، وانتصاب قوله { ظُلْماً } على المصدرية ، أي أكل ظلم ، أو على الحالية ، أي ظالمين لهم . وقوله { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } أي ما يكون سبباً للنار ، تعبيراً بالمسبب عن السبب ، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية . وقوله { وَسَيَصْلَوْنَ } قراءة عاصم ، وابن عامر بضم الياء على ما لم يسم فاعله . وقرأ أبو حيوة بضم الياء ، وفتح الصاد ، وتشديد اللام من التصلية بكثرة الفعل مرة بعد أخرى . وقرأ الباقون بفتح الياء من صلى النار يصلاها ، والصلى هو التسخن بقرب النار ، أو مباشرتها ، ومنه قول الحارث بن عباد @ لم أكن من جناتها علم اللـ ـه وإني لحرّها اليوم صالي @@ والسعير الجمر المشتعل . وقد أخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ، ولا الصغار حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت ، وترك ابنتين ، وابناً صغيراً ، فجاء ابنا عمه ، وهما عصبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذا ميراثه كله ، فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية ، فأرسل إليهما رسول الله فقال " لا تحركا من الميراث شيئاً ، فإنه قد أنزل عليّ شيء احترت فيه أن للذكر ، والأنثى نصيباً " ، ثم نزل بعد ذلك { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنّسَاء } النساء 127 ، ثم نزل { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } النساء 11 فدعا بالميراث ، فأعطى المرأة الثمن ، وقسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في الآية قال نزلت في أم كلثوم ابنة أم كحلة ، أو أم كجَّة ، وثعلبة بن أوس ، وسويد ، وهم من الأنصار ، كان أحدهم زوجها ، والآخر عم ولدها ، فقالت يا رسول الله توفي زوجي ، وتركني وابنته ، فلم نورث من ماله ، فقال عمّ ولدها يا رسول الله لا يركب فرساً ، ولا ينكى عدواً ويكسب عليها ، ولا يكتسب ، فنزلت . وأخرج البخاري ، وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } قال هي محكمة ، وليست بمنسوخة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن خطاب بن عبد الله في هذه الآية قال قضى بها أبو موسى . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في الآية قال هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، عن الحسن ، والزهري قالا هي محكمة ما طابت به أنفسهم . وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس قال يرضخ لهم فإن كان في ماله تقصير اعتذر إليهم ، فهو قولاً معروفاً . وأخرج ابن المنذر ، عن عائشة أنها لم تنسخ . وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم أن هذه الآية منسوخة بآية الميراث . وأخرج أبو داود في ناسخه ، وعبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن المسيب قال هي منسوخة . وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير قال إن كانوا كباراً يرضخوا ، وإن كانوا صغاراً اعتذروا إليهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه في قوله { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ } قال هذا في الرجل يحضر الرجل عند موته ، فيسمعه يوصي وصية تضرّ بورثته ، فأمر الله الذي يسمعه أن يتقي الله ، ويوفقه ، ويسدده للصواب ، ولينظر لورثته ، كما يحب أن يصنع لورثته إذا خشي عليهم الضيعة . وقد روي نحو هذا من طرق . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو يعلى ، والطبراني ، وابن حبان في صحيحه ، وابن أبي حاتم ، عن أبي برزة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً ، " فقيل يا رسول الله من هم ؟ قال " ألم تر أن الله يقول { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسرى به قال " نظرت فإذا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ، ثم يجعل في أفواههم صخراً من نار ، فيقذف في فيّ أحدهم حتى يخرج من أسافلهم ، ولهم جؤار ، وصراخ ، فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال هؤلاء { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } " وأخرج ابن جرير ، عن زيد بن أسلم قال هذه الآية لأهل الشرك حين كانوا لا يورثونهم ، ويأكلون أموالهم .