Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 71-76)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يا أيها الذين آمنوا } هذا خطاب لخلص المؤمنين ، وأمر لهم بجهاد الكفار ، والخروج في سبيل الله ، والحذر ، والحذر لغتان كالمثل ، والمثل . قال الفراء أكثر الكلام الحذر ، والحذر مسموع أيضاً ، يقال خذ حذرك أي احذر ، وقيل معنى الآية الأمر لهم بأخذ السلاح حذراً لأن به الحذر . قوله { فَٱنفِرُواْ } نفر ينفر بكسر الفاء نفيراً ، ونفرت الدابة تنفر بضم الفاء نفوراً . والمعنى انهضوا لقتال العدوّ . أو النفير اسم للقوم الذين ينفرون ، وأصله من النفار ، والنفور ، وهو الفزع ، ومنه قوله تعالى { وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً } الإسراء 46 أي نافرين ، قوله { ثُبَاتٍ } جمع ثبة ، أي جماعة ، والمعنى انفروا جماعات متفرقات . قوله { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } أي مجتمعين جيشاً واحداً . ومعنى الآية الأمر لهم بأن ينفروا على أحد الوصفين ليكون ذلك أشدّ على عدوّهم ، وليأمنوا من أن يتخطفهم الأعداء ، إذا نفر كل واحد منهم وحده أو نحو ذلك ، وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } التوبة 41 وبقوله { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ } التوبة 39 والصحيح أن الآيتين جميعاً محكمتان إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى نفور الجميع ، والأخرى عند الاكتفاء بنفور البعض دون البعض . قوله { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ } التبطئة والإبطاء التأخر ، والمراد المنافقون كانوا يقعدون عن الخروج ، ويقعدون غيرهم . والمعنى أن من دخلائكم وجنسكم ومن أظهر إيمانه لكم نفاقاً من يبطيء المؤمنين ويثبطهم ، واللام في قوله " لِمَنْ " لام توكيد ، وفي قوله { لَّيُبَطّئَنَّ } لام جواب القسم ، و « من » في موضع نصب ، وصلتها الجملة . وقرأ مجاهد ، والنخعي ، والكلبي { لَّيُبَطّئَنَّ } بالتخفيف { فَإِنْ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } من قتل أو هزيمة أو ذهاب مال . قال هذا المنافق قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم حتى يصيبني ما أصابهم { وَلَئِنْ أَصَـٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ } غنيمة أو فتح { لَّيَقُولَنَّ } هذا المنافق قول نادم حاسد { يٰلَيتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } . قوله { كَأَن لَّمْ يَكُنِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } جملة معترضة بين الفعل الذي هو { ليقولن } وبين مفعوله ، وهو { يا لَيْتَنِى } وقيل إن في الكلام تقديماً وتأخيراً . وقيل المعنى ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة أي كأن لم يعاقدكم على الجهاد . وقيل هو في موضع نصب على الحال . وقرأ الحسن " لَّيَقُولَنَّ " بضم اللام على معنى من . وقرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم " كَأَن لَّمْ تَكُنْ " بالتاء على الفظ المودّة . قوله { فَأَفُوزَ } بالنصب على جواب التمني . وقرأ الحسن " فَأَفُوزَ " بالرفع . قوله { فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذا أمر للمؤمنين ، وقدّم الظرف على الفاعل للاهتمام به . و { ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ } معناه يبيعون ، وهم المؤمنون ، والفاء في قوله { فَلْيُقَاتِلْ } جواب الشرط مقدّر ، أي لم يقاتل هؤلاء المذكورون سابقاً الموصوفون بأن منهم لمن ليبطئن ، فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم البائعون للحياة الدنيا بالآخرة ، ثم وعد المقاتلين في سبيل الله بأنه سيؤتيهم أجراً عظيماً لا يقادر قدره ، وذلك أنه إذا قتل فاز بالشهادة التي هي أعلى درجات الأجور ، وإن غلب ، وظفر كان له أجر من قاتل في سبيل الله مع ما قد ناله من العلوّ في الدنيا والغنيمة ، وظاهر هذا يقتضي التسوية بين من قتل شهيداً ، أو انقلب غانماً ، وربما يقال إن التسوية بينهما إنما هي في إيتاء الأجر العظيم ، ولا يلزم أن يكون أجرهما مستوياً ، فإن كون الشيء عظيماً هو من الأمور النسبية التي يكون بعضها عظيماً بالنسبة إلى ما هو دونه ، وحقيراً بالنسبة إلى ما هو فوقه . قوله { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } خطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريق الالتفات . قوله { ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } مجرور عطفاً على الاسم الشريف ، أي ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ، وسبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من الأسر ، وتريحوهم مما هم فيه من الجهد . ويجوز أن يكون منصوباً على الاختصاص ، أي وأخص المستضعفين ، فإنهم من أعظم ما يصدق عليه سبيل الله ، واختار الأوّل الزجاج ، والأزهري . وقال محمد بن يزيد أختار أن يكون المعنى ، وفي المستضعفين ، فيكون عطفاً على السبيل ، والمراد بالمستضعفين هنا من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال الكفار ، وهم الذين كان يدعو لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول " اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعيّاش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين " كما في الصحيح . ولا يبعد أن يقال إن لفظ الآية أوسع ، والاعتبار بعموم اللفظ لولا تقييده بقوله { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا } فإنه يشعر باختصاص ذلك بالمستضعفين الكائنين في مكة لأنه قد أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية الظالم أهلها مكة . وقوله { مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } بيان للمستضعفين . قوله { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذا ترغيب للمؤمنين ، وتنشيط لهم بأن قتالهم لهذا المقصد لا لغيره { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّـٰغُوتِ } أي سبيل الشيطان ، أو الكهان ، أو الأصنام ، وتفسير الطاغوت هنا بالشيطان أولى لقوله { فَقَـٰتِلُواْ أَوْلِيَاء ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفاً } أي مكره ، ومكر من اتبعه من الكفار . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ } قال عصباً ، يعني سرايا متفرقين { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } يعني كلكم . وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عنه قال في سورة النساء { خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } نسختها { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } التوبة 122 . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد في قوله { ثُبَاتٍ } أي فرقاً قليلاً . وأخرج عن قتادة في قوله { أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } أي إذا نفر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فليس لأحد أن يتخلف عنه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ } إلى قوله { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } ما بين ذلك في المنافقين . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان في الآية قال هو فيما بلغنا عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد ابن جبير { فَلْيُقَاتِلْ } يعني يقاتل المشركين { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } في طاعة الله { وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ } يعني يقتله العدوّ { أَو يَغْلِبْ } يعني يغلب العدوّ من المشركين { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } يعني جزاءً وافراً في الجنة ، فجعل القاتل والمقتول من المسلمين في جهاد المشركين شريكين في الأجر . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } قال وفي المستضعفين . وأخرج ابن جرير ، عن الزهري قال وسبيل المستضعفين . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه من طريق العوفي عن ابن عباس قال المستضعفون أناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا منها . وأخرج البخاري ، عنه قال " أنا وأمي من المستضعفين " وأخرج ابن جرير ، عنه قال القرية الظالم أهلها مكة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عائشة مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال إذا رأيتم الشيطان ، فلا تخافوه ، واحملوا عليه { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَـٰنِ كَانَ ضَعِيفاً } . قال مجاهد كان الشيطان يتراءى لي في الصلاة ، فكنت أذكر قول ابن عباس ، فأحمل عليه ، فيذهب عني .