Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 77-81)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } الآية ، قيل هم جماعة من الصحابة أمروا بترك القتال في مكة بعد أن تسرعوا إليه . فلما كتب عليهم بالمدينة تثبطوا عن القتال من غير شك في الدين بل خوفاً من الموت ، وفرقاً من هول القتل ، وقيل إنها نزلت في اليهود ، وقيل في المنافقين أسلموا قبل فرض القتال ، فلما فرض كرهوه ، وهذا أشبه بالسياق لقوله { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } وقوله { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } الآية . ويبعد صدور مثل هذا من الصحابة . وقوله { كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } صفة مصدر محذوف ، أي خشية كخشية الله ، أو حال ، أي تخشونهم مشبهين أهل خشية الله ، والمصدر مضاف إلى المفعول ، أي كخشيتهم الله . وقوله { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } معطوف على { كخشية الله } في محل جر ، أو معطوف على الجار والمجرور جميعاً ، فيكون في محل الحال كالمعطوف عليه ، " وأو " للتنويع على أن خشية بعضهم كخشية الله ، وخشية بعضهم أشد منها . قوله { وَقَالُواْ } عطف على ما يدل عليه قوله { إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ } أي فلما كتب عليهم القتال ، فاجأ فريق منهم خشية الناس { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا } أي هلا أخرتنا ، يريدون المهلة إلى وقت آخر قريب من الوقت الذي فرض عليهم فيه القتال ، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم ، فقال { قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } سريع الفناء لا يدوم لصاحبه ، وثواب الآخرة خير لكم من المتاع القليل { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } منكم ، ورغب في الثواب الدائم { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي شيئاً حقيراً يسيراً ، وقد تقدّم تفسير الفتيل قريباً ، وإذا كنتم توفرون أجوركم ، ولا تنقصون شيئاً منها ، فكيف ترغبون عن ذلك ، وتشتغلون بمتاع الدنيا مع قلته وانقطاعه . وقوله { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } كلام مبتدأ ، وفيه حثّ لمن قعد عن القتال خشية الموت ، وبيان لفساد ما خالطه من الجبن ، وخامره من الخشية ، فإن الموت إذا كان كائناً لا محالة فمن لم يمت بالسيف مات بغيره . والبروج جمع برج وهو البناء المرتفع ، والمشيدة المرفعة من شاد القصر إذا رفعه ، وطلاه بالشيد ، وهو الجصّ ، وجواب " لولا " محذوف لدلالة ما قبله عليه . وقد اختلف في هذه البروج ما هي ؟ فقيل الحصون التي في الأرض ، وقيل هي القصور . قال الزجاج ، والقتيبي ومعنى مشيدة مطوّلة . وقيل معناه مطلية بالشيد ، وهو الجص ، وقيل المراد بالبروج بروج في سماء الدنيا مبنية ، حكاه مكيّ عن مالك ، وقال ألا ترى إلى قوله { وَٱلسَّمَاء ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } البروج 1 { جَعَلَ فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجاً } الفرقان 61 { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجًا } الحجر 16 وقيل إن المراد بالبروج المشيدة هنا قصور من حديد . وقرأ طلحة بن سليمان { يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } بالرفع على تقدير الفاء ، كما في قوله @ وقال رائدهم أرسوا نزاولها @@ قوله { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } هذا ، وما بعده مختص بالمنافقين ، أي إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى ، وإن تصبهم بلية ، ونقمة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فردّ الله ذلك عليهم بقوله { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } ليس ، كما تزعمون ، ثم نسبهم إلى الجهل ، وعدم الفهم ، فقال { فَمَالِ هَـؤُلاء ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } أي ما بالهم هكذا . قوله { مَّا أَصَـٰبَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس ، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعريضاً لأمته ، أي ما أصابك من خصب ، ورخاء ، وصحة ، وسلامة ، فمن الله بفضله ، ورحمته ، وما أصابك من جهد ، وبلاء وشدّة ، فمن نفسك بذنب أتيته ، فعوقبت عليه . وقيل إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثاً ، أي فيقولون ما أصابك من حسنة ، فمن الله . وقيل إن ألف الاستفهام مضمرة ، أي أفمن نفسك ، ومثله قوله تعالى { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ } الشعراء 22 والمعنى ، أو تلك نعمة ، ومثله قوله { فَلَمَّا رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبّى } الأنعام 77 أي أهذا ربي ، ومنه قول أبي خراش الهذلي @ رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم @@ أي أهم هم ؟ وهذا خلاف الظاهر ، وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد مفاد هذه الآية ، كقوله تعالى { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } الشورى 30 ، وقوله { أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } آل عمران 165 . وقد يظن أن قوله { وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } مناف لقوله { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } ولقوله { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } آل عمران 166 ، وقوله { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } الأنبياء 35 وقوله { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ } الرعد 11 وليس الأمر كذلك ، فالجمع ممكن ، كما هو مقرّر في مواطنه . قوله { وَأَرْسَلْنَـٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً } فيه البيان لعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجميع ، كما يفيده التأكيد بالمصدر ، والعموم في الناس ، ومثله قوله { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ } سبأ 28 ، وقوله { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } الأعراف 158 { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } الفتح 28 على ذلك . قوله { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } فيه أن طاعة الرسول طاعة لله ، وفي هذا من النداء بشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلوّ شأنه ، وارتفاع مرتبته ما لا يقادر قدره ، ولا يبلغ مداه ، ووجهه أن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به ، ولا ينهي إلا عما نهى الله عنه { وَمَن تَوَلَّىٰ } أي أعرض { فَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } أي حافظاً لأعمالهم ، إنما عليك البلاغ ، وقد نسخ هذا بآية السيف { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي أمرنا طاعة ، أو شأننا طاعة . وقرأ الحسن ، والجحدري ، ونصر بن عاصم بالنصب على المصدر ، أي نطيع طاعة ، وهذه في المنافقين في قول أكثر المفسرين ، أي يقولون إذا كانوا عندك طاعة { وَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ } أي خرجوا من عندك . { بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ } أي زوّرت طائفة من هؤلاء القائلين غير الذي تقول لهم أنت ، وتأمرهم به ، أو غير الذي تقول لك هي من الطاعة لك وقيل معناه غيروا وبدّلوا وحرّفوا قولك فيما عهدت إليهم ، والتبييت التبديل ، ومنه قول الشاعر @ أتونـي فلـم أرض ما بيتوا وكانوا أتوني بأمر نكـر @@ يقال بيت الرجل الأمر إذا دبره ليلاً ، ومنه قوله تعالى { إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ } النساء 108 { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ } أي يثبته في صحائف أعمالهم ليجازيهم عليه . وقال الزجاج المعنى ينزله عليك في الكتاب . قوله { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي دعهم وشأنهم حتى يمكن الانتقام منهم وقيل معناه لا تخبر بأسمائهم . وقيل معناه لا تعاقبهم . ثم أمره بالتوكل عليه ، والثقة به في النصر على عدوه ، قيل وهذا منسوخ بآية السيف . وقد أخرج النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف ، وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا يا نبي الله كنا في عزة ، ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلة ؟ فقال " إني أمرت بالعفو ، فلا تقاتلوا القوم " ، فلما حوّله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا ، فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } الآية . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في تفسير الآية نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد أنها نزلت في اليهود . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ } الآية ، قال نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ في قوله { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } قال هو الموت . وأخرجا نحوه ، عن ابن جريج . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة { فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } قال في قصور محصنة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال هي قصور في السماء . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن سفيان نحوه . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } يقول نعمة { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } قال مصيبة { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } قال النعم والمصائب . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } قال هذه في السرّاء والضرّاء ، وفي قوله { مَّا أَصَـٰبَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } قال هذه في الحسنات والسيئات ، وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } يقول الحسنة والسيئة من عند الله ، أما الحسنة فأنعم بها عليك ، وأما السيئة فابتلاك بها ، وفي قوله { وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ } قال ما أصابه يوم أحد أن شجّ وجهه ، وكسرت رباعيته . وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق العوفي عنه في قوله { وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } قال هذا يوم أحد يقول ما كانت من نكبة فبذنبك ، وأنا قدّرت ذلك . وأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد أن ابن عباس كان يقرأ " وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَنَا كتبتها عَلَيْكَ " قال مجاهد وكذلك قراءة أبيّ ، وابن مسعود . وأخرج نحو قول مجاهد هذا ابن الأنباري في المصاحف . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } قال هم أناس كانوا يقولون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم { فَإِذَا بَرَزُواْ } من عند رسول الله { بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ } يقول خالفوا إلى غير ما قالوا عنده ، فعابهم الله . وأخرج ابن جرير ، عنه قال غير أولئك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم .