Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 82-83)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الهمزة في قوله { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } للإنكار ، والفاء للعطف على مقدّر ، أي أيعرضون عن القرآن ، فلا يتدبرونه . يقال تدبرت الشيء تفكرت في عاقبته وتأملته ، ثم استعمل في كل تأمل ، والتدبير أن يدبر الإنسان أمره كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته ، ودلت هذه الآية ، وقوله تعالى { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد 24 على وجوب التدبر للقرآن ليعرف معناه . والمعنى أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفاً غير مختلف ، صحيح المعاني ، قوي المباني ، بالغاً في البلاغة إلى أعلى درجاتها { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } أي تفاوتاً وتناقضاً ، ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات ، والسور لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت ، وعدم المطابقة للواقع ، وهذا شأن كلام البشر لا سيما إذا طال ، وتعرّض قائله للإخبار بالغيب ، فإنه لا يوجد منه صحيحاً مطابقاً للواقع إلا القليل النادر . قوله { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلأمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } يقال أذاع الشيء وأذاع به إذا أفشاه ، وأظهره ، وهؤلاء هم جماعة من ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئاً من أمر المسلمين فيه أمن نحو ظفر المسلمين ، وقتل عدوّهم ، أو فيه خوف نحو هزيمة المسلمين وقتلهم أفشوه ، وهم يظنون أنه لا شيء عليهم في ذلك . قوله { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْهُمْ } وهم أهل العلم والعقول الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم أو هم الولاة عليهم { لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } أي يستخرجونه بتدبيرهم وصحة عقولهم . والمعنى أنهم لو تركوا الإذاعة للأخبار حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يذيعها ، أو يكون أولي الأمر منهم هم الذين يتولون ذلك لأنهم يعلمون ما ينبغي أن يفشى ، وما ينبغي أن يكتم . والاستنباط مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته . والنبط الماء المستنبط أوّل ما يخرج من ماء البئر عند حفرها . وقيل إن هؤلاء الضعفة كانوا يسمعون إرجافات المنافقين على المسلمين فيذيعونها ، فتحصل بذلك المفسدة . قوله { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لولا ما تفضل الله به عليكم من إرسال رسوله ، وإنزال كتابه لاتبعتم الشيطان ، فبقيتم على كفركم إلا قليلاً منكم ، أو إلا اتباعاً قليلاً منكم ، وقيل المعنى أذاعوا به إلا قليلاً منهم ، فإنه لم يذع ولم يفش . قاله الكسائي ، والأخفش ، والفراء ، وأبو عبيدة ، وأبو حاتم ، وابن جرير . وقيل المعنى لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلاً منهم ، قاله الزجاج . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } يقول إن قول الله لا يختلف ، وهو حق ليس فيه باطل ، وإن قول الناس يختلف . وأخرج عبد بن حميد ، ومسلم ، وابن أبي حاتم ، من طريق ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد ، فوجدت الناس ينكتون بالحصا ، ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، فقمت على باب المسجد ، فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه ، ونزلت هذه الآية { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلأمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يستنبطونه منهم } فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في الآية ، قال هذا في الإخبار إذا غزت سرية من المسلمين أخبر الناس عنها ، فقالوا أصاب المسلمون من عدوهم كذا وكذا ، وأصاب العدوّ من المسلمين كذا وكذا ، فأفشوه بينهم من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو يخبرهم به . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك { وَإِذَا جَاءهُمْ } قال هم أهل النفاق . وأخرج ابن جرير ، عن أبي معاذ مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ } قال فانقطع الكلام . وقوله { إِلاَّ قَلِيلاً } فهو في أوّل الآية يخبر عن المنافقين قال { وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلأمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } { إِلاَّ قَلِيلاً } يعني بالقليل المؤمنين .