Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 84-87)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الفاء في قوله { فَقَاتِلْ } قيل هي متعلقة بقوله { وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } النساء 74 الخ ، أي من أجل هذا فقاتل ، وقيل متعلقة بقوله { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } النساء 75 فقاتل وقيل هي جواب شرط محذوف يدل عليه السياق تقديره إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل ، أو إذا أفردوك وتركوك فقاتل . قال الزجاج أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد ، وإن قاتل وحده لأنه قد ضمن له النصر . قال ابن عطية هذا ظاهر اللفظ ، إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة . فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ ، وفي المعنى له ولأمته ، أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أي لا تكلف إلا نفسك ، ولا تلزم فعل غيرك ، وهو استئناف مقرّر لما قبله لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده . وقريء { لاَ تُكَلَّفُ } بالجزم على النهي ، وقريء بالنون . قوله { وَحَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي حضهم على القتال ، والجهاد ، يقال حرّضت فلاناً على كذا إذا أمرته به ، وحارض فلان على الأمر وأكبّ عليه وواظب عليه بمعنى واحد . قوله { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فيه إطماع للمؤمنين بكفّ بأس الذين كفروا عنهم ، والاطماع من الله عز وجلّ واجب ، فهو وعد منه سبحانه ، ووعده كائن لا محالة { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً } أي أشدّ صول وأعظم سلطاناً { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي عقوبة ، يقال نكلت بالرجل تنكيلاً من النكال وهو العذاب . والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان . { مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا } أصل الشفاعة والشفعة ونحوهما من الشفع وهو الزوج ، ومنه الشفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعاً ، ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة ، وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها . والشفع ضمّ واحد إلى واحد ، والشفعة ضم ملك الشريك إلى ملكك ، فالشفاعة ضمّ غيرك إلى جاهك ووسيلتك ، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع ، واتصال منفعة إلى المشفوع له . والشفاعة الحسنة هي في البرّ والطاعة . والشفاعة السيئة في المعاصي ، فمن شفع في الخير لينفع فله نصيب منها ، أي من أجرها ، ومن شفع في الشر ، كمن يسعى بالنميمة والغيبة كان له كفل منها ، أي نصيب من وزرها . والكفل الوزر والإثم ، واشتقاقه من الكساء الذي يجعله الراكب على سنام البعير لئلا يسقط ، يقال اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه كساء وركبت عليه لأنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيباً منه ، ويستعمل في النصيب من الخير والشرّ . ومن استعماله في الخير قوله تعالى { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } الحديد 28 { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء مُّقِيتاً } أي مقتدراً ، قاله الكسائي . وقال الفراء المقيت الذي يعطي كل إنسان قوته يقال قته أقوته قوتاً ، وأقته أقيته إقاتة ، فأنا قائت ومقيت ، وحكى الكسائي أقات يقيت . وقال أبو عبيدة المقيت الحافظ . قال النحاس وقول أبي عبيدة أولى لأنه مشتق من القوت ، والقوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان . وقال ابن فارس في المجمل المقيت المقتدر ، والمقيت الحافظ والشاهد . وأما قول الشاعر @ ألي الفضل أم عليّ إذا حو سبت إني على الحساب مقيت @@ فقال ابن جرير الطبري إنه من غير هذا المعنى . قوله { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } التحية تفعلة من حييت ، والأصل تحيية مثل ترضية وتسمية فأدغموا الياء في الياء ، وأصلها الدعاء بالحياة . والتحية السلام ، وهذا المعنى هو المراد هنا ، ومثله قوله تعالى { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ } المجادلة 8 وإلى هذا ذهب جماعة المفسرين ، وروي عن مالك أن المراد بالتحية هنا تشميت العاطس . وقال أصحاب أبي حنيفة ، التحية هنا الهدية لقوله { أَوْ رُدُّوهَا } ولا يمكن ردّ السلام بعينه ، وهذا فاسد لا ينبغي الالتفات إليه . والمراد بقوله { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا } أن يزيد في الجواب على ما قاله المبتدىء بالتحية ، فإذا قال المبتدىء السلام عليكم ، قال المجيب وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا زاد المبتدىء لفظاً زاد المجيب على جملة ما جاء به المبتدىء لفظاً أو ألفاظاً نحو وبركاته ، ومرضاته ، وتحياته . قال القرطبي أجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها ، وردّه فريضة لقوله { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } واختلفوا إذا ردّ واحد من جماعة هل يجزىء أو لا ؟ فذهب مالك ، والشافعي إلى الإجزاء ، وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجزىء عن غيره ، ويردّ عليهم حديث عليّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يجزىء عن الجماعة إذا مرّوا أن يسلم أحدهم ، ويجزىء عن الجلوس أن يردّ أحدهم " أخرجه أبو داود ، وفي إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني ، وليس به بأس ، وقد ضعفه بعضهم . وقد حسن الحديث ابن عبد البرّ . ومعنى قوله { أَوْ رُدُّوهَا } الاقتصار على مثل اللفظ الذي جاء به المبتدىء ، فإذا قال السلام عليكم ، قال المجيب وعليكم السلام . وقد ورد في السنة المطهرة في تعيين من يبتدىء بالسلام ، ومن يستحق التحية ومن لا يستحقها ما يغني عن البسط هاهنا . قوله { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَسِيباً } يحاسبكم على كل شيء وقيل معناه حفيظاً وقيل كافياً ، قولهم أحسبني كذا أي كفاني ، ومثله { حَسْبَكَ ٱللَّهُ } الأنفال 62 ، 64 . قوله { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } مبتدأ وخبر ، واللام في قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } جواب قسم محذوف ، أي والله ليجمعنكم الله بالحشر إلى يوم القيامة ، أي إلى حساب يوم القيامة وقيل " إلى " بمعنى في ، وقيل إنها زائدة . والمعنى ليجمعنكم يوم القيامة ، و { يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يوم القيام من القبور { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي في يوم القيامة ، أو في الجمع ، أي جمعاً لا ريب فيه { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } إنكار لأن يكون أحد أصدق منه سبحانه . وقرأ حمزة ، والكسائي ، « ومن أزدق » بالزاي . وقرأ الباقون بالصاد ، والصاد الأصل . وقد تبدل زاياً لقرب مخرجها منها . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي سنان في قوله { وَحَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال عظهم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً } الآية ، قال شفاعة الناس بعضهم لبعض . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا } قال حظ منها . وقوله { كِفْلٌ مَّنْهَا } قال الكفل هو الإثم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي قال الكفل الحظ . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن ابن عباس في قوله { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء مُّقِيتاً } قال حفيظاً . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن رواحة أنه سأله رجل ، عن قول الله { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء مُّقِيتاً } قال يقيت كل إنسان بقدر عمله . وفي إسناده رجل مجهول . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { مُّقِيتاً } قال شهيداً . وأخرج ابن جرير عنه { مُّقِيتاً } قال شهيداً حسيباً حفيظاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { مُّقِيتاً } قال قادراً . وأخرج ابن جرير ، عن السدّي قال المقيت القدير . وأخرج أيضاً ، عن ابن زيد مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال المقيت الرزاق . وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري في الأدب المفرد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال من سلم عليك من خلق الله ، فاردد عليه ، وإن كان يهودياً ، أو نصرانياً ، أو مجوسياً ، ذلك بأن الله يقول { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ } الآية . وأخرج أحمد في الزهد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه . قال السيوطي بسند حسن عن سلمان الفارسي قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال السلام عليك يا رسول الله ، فقال " وعليك ورحمة الله " ، ثم أتى آخر ، فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ، فقال وعليك ورحمة الله وبركاته ، ثم جاء آخر ، فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال له " وعليك " ، فقال له الرجل يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي أتاك فلان وفلان فسلما عليك ، فرددت عليهما أكثر مما رددت علي ؟ فقال " إنك لم تدع لنا شيئاً ، قال الله { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } فرددناها عليك " وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، عن أبي هريرة أن رجلاً مرّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في مجلس ، فقال سلام عليكم ، فقال " عشر حسنات " ، فمرّ رجل آخر ، فقال السلام عليكم ورحمة الله ، فقال عشرون حسنة ، فمرّ رجل آخر ، فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال " ثلاثون حسنة " وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر مرفوعاً نحوه . وأخرج البيهقي ، عن سهل بن حنيف مرفوعاً نحوه أيضاً . وأخرج أحمد ، والدارمي ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، والبيهقي ، عن عمران بن حصين مرفوعاً نحوه أيضاً ، وزاد بعد كل مرّة أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ عليه ، ثم قال " عشر " إلى آخره . وأخرج أبو داود ، والبيهقي عن معاذ بن أنس الجهني مرفوعاً نحوه . وزاد بعد قوله وبركاته ومغفرته ، فقال " أربعون " ، يعني حسنة .