Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-91)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الاستفهام في قوله { مَالَكُمْ } للإنكار ، واسم الاستفهام مبتدأ ، وما بعده خبره . والمعنى أي شيء كائن لكم { فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } أي في أمرهم وشأنهم حال كونكم { فِئَتَيْنِ } في ذلك . وحاصله الإنكار على المخاطبين أن يكون لهم شيء يوجب اختلافهم في شأن المنافقين . وقد اختلف النحويون في انتصاب فئتين ، فقال الأخفش ، والبصريون على الحال ، كقولك مالك قائماً . وقال الكوفيون انتصابه على أنه خبر لكان ، وهي مضمرة ، والتقدير فما لكم في المنافقين كنتم فئتين . وسبب نزول الآية ما سيأتي وبه يتضح المعنى . وقوله { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } معناه ردّهم إلى الكفر { بِمَا كَسَبُواْ } وحكى الفراء ، والنضر بن شميل ، والكسائي أركسهم وركسهم ، أي ردّهم إلى الكفر ، ونكسهم ، فالركس والنكس قلب الشيء على رأسه ، أو ردّ أوله إلى آخره ، والمنكوس المركوس ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وأبيّ " وَٱللَّهُ ركسهم ومنه قول عبد الله بن رواحة @ اركسوا في فئة مظلمة كسواد الليل يتلوها فتن @@ والباء في قوله { بِمَا } سببية ، أي أركسهم بسبب كسبهم ، وهو لحوقهم بدار الكفر . والاستفهام في قوله { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } للتقريع والتوبيخ ، وفيه دليل على أن من أضله الله لا تنجع فيه هداية البشر { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء } القصص 56 قوله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي طريقاً إلى الهداية . قوله { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هؤلاء المنافقين ، وإيضاح أنهم يودّون أن يكفر المؤمنون كما كفروا ، ويتمنوا ذلك عناداً وغلوّاً في الكفر وتمادياً في الضلال ، فالكاف في قوله { كَمَا } نعت مصدر محذوف ، أي كفراً مثل كفرهم ، أو حال ، كما روي عن سيبويه . قوله { فَتَكُونُونَ سَوَاء } عطف على قوله { تَكْفُرُونِ } داخل في حكمه ، أي ودّوا كفركم ككفرهم ، وودّوا مساواتكم لهم . قوله { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء } جواب شرط محذوف ، أي إذا كان حالهم ما ذكر فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا ، ويحققوا إيمانهم بالهجرة { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن ذلك { فَخُذُوهُمْ } إذا قدرتم عليهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } في الحلّ والحرم { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً } توالونه { وَلاَ نَصِيراً } تستنصرون به . قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } هو مستثنى من قوله { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ } أي إلا الذين يتصلون ، ويدخلون في قوم بينكم وبينهم ميثاق بالجوار والحلف ، فلا تقتلوهم لما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد وميثاق ، فإن العهد يشملهم . هذا أصح ما قيل في معنى الآية . وقيل الاتصال هنا هو اتصال النسب . والمعنى إلا الذين ينتسبون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، قاله أبو عبيدة ، وقد أنكر ذلك أهل العلم عليه لأن النسب لا يمنع من القتال بالإجماع ، فقد كان بين المسلمين وبين المشركين أنساب ، ولم يمنع ذلك من القتال . وقد اختلف في هؤلاء القوم الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ميثاق ، فقيل هم قريش كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } إلى قريش هم بنو مدلج . وقيل نزلت في هلال بن عويمر ، وسراقة بن جعشم ، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف ، كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد . وقيل خزاعة . وقيل بنو بكر بن زيد . قوله { أَوْ جَاءوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } عطف على قوله { يَصِلُونَ } داخل في حكم الاستثناء ، أي إلا الذين يصلون ، والذين جاءوكم ، ويجوز أن يكون عطفاً على صفة قوم ، أي إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، والذين يصلون إلى قوم جاءوكم حصرت صدورهم ، أي ضاقت صدورهم ، عن القتال ، فأمسكوا عنه والحصر الضيق ، والانقباض . قال الفراء وهو أي { حصرت صدورهم } حال من المضمر المرفوع في جاءوكم ، كما تقول جاء فلان ذهب عقله ، أي قد ذهب عقله . وقال الزجاج هو خبر بعد خبر ، أي جاءوكم . ثم أخبر ، فقال { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } فعلى هذا يكون حصرت بدلا من جاءوكم ، وقيل حصرت في موضع خفض على النعت لقوم . وقيل التقدير أو جاءوكم رجال ، أو قوم حصرت صدورهم . وقرأ الحسن " أَوْ جَاءوكُمْ حصرةً صُدُورُهُمْ " نصباً على الحال . وقرىء " حصرات ، وحاصرات " . وقال محمد بن يزيد المبرّد حصرت صدورهم هو دعاء عليهم ، كما تقول لعن الله الكافر ، وضعفه بعض المفسرين ، وقيل " أو " بمعنى " الواو " . وقوله { أن يقاتلونكم أَوْ يُقَـٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ } هو متعلق بقوله { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } أي حصرت صدورهم عن قتالكم ، والقتال معكم لقومهم ، فضاقت صدورهم عن قتال الطائفتين ، وكرهوا ذلك { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ } ابتلاء منه لكم ، واختباراً ، كما قال سبحانه { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَـٰرَكُمْ } محمد 31 أو تمحيصاً لكم ، أو عقوبة بذنوبكم ، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك ، واللام في قوله { فَلَقَـٰتَلُوكُمْ } جواب لو على تكرير الجواب ، أي لو شاء الله لسلطهم ولقاتلوكم ، والفاء للتعقيب { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ } ولم يتعرضوا لقتالكم { وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي استسلموا لكم ، وانقادوا { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أي طريقاً ، فلا يحلّ لكم قتلهم ، ولا أسرهم ولا سلب أموالهم ، فهذا الاستسلام يمنع من ذلك ويحرّمه { سَتَجِدُونَ ءاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } فيظهرون لكم الإسلام ، ويظهرون لقومهم الكفر ليأمنوا من كلا الطائفتين ، وهم قوم من أهل تهامة طلبوا الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمنوا عنده ، وعند قومهم . وقيل هي في قوم من أهل مكة . وقيل في نعيم بن مسعود ، فإنه كان يأمن المسلمين والمشركين . وقيل في قوم من المنافقين . وقيل في أسد وغطفان { كُلَّمَا رُدُّواْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ } أي دعاهم قومهم إليها ، وطلبوا منهم قتال المسلمين { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي قلبوا فيها ، فرجعوا إلى قومهم ، وقاتلوا المسلمين ، ومعنى الارتكاس الانتكاس { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ } يعني هؤلاء الذين يريدون أن يأمنوكم ، ويأمنوا قومهم { وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي يستسلمون لكم ، ويدخلون في عهدكم وصلحكم ، وينسلخون عن قومهم { وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ } عن قتالكم { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ } أي حيث وجدتموهم وتمكنتم منهم { وَأُوْلَـئِكُمْ } الموصوفون بتلك الصفات { جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً مُّبِيناً } أي حجة واضحة تتسلطون بها عليهم ، وتقهرونهم بها بسبب ما في قلوبهم من المرض ، وما في صدورهم من الدغل ، وارتكاسهم في الفتنة بأيسر عمل ، وأقلّ سعي . وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد ، فرجع ناس خرجوا معه ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين ، فرقة تقول نقتلهم ، وفرقة تقول لا ، فأنزل الله { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } الآية كلها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإنها طيبة ، وإنها تنفي الخبث ، كما تنفي النار خبث الفضة " هذا أصح ما روي في سبب نزول الآية ، وقد رويت أسباب غير ذلك . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } يقول أوقعهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه قال ردهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } قال نزلت في هلال بن عويمر ، وسراقة بن مالك المدلجي ، وفي بني خزيمة بن عامر بن عبد مناف . وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، والبيهقي في سننه عنه في قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } الآية ، قال نسختها براءة { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلاشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 . وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، وابن أبـي حاتم ، عن السديّ { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } يقول ضاقت صدورهم . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الربيع { وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } قال الصلح . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ } الآية ، قال نسختها { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 وأخرج ابن جرير ، عن الحسن ، وعكرمة في هذه الآية قال نسختها براءة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { سَتَجِدُونَ ءاخَرِينَ } الآية ، قال ناس من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ، ثم يرجعون إلى قومهم ، فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا ، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصالحوا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة أنهم ناس كانوا بتهامة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ أنها نزلت في نعيم ابن مسعود .