Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 19-28)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } أي كثير اللطف بهم بالغ الرأفة لهم . قال مقاتل لطيف بالبارّ ، والفاجر حيث لم يقتلهم جوعاً بمعاصيهم . قال عكرمة بارّ بهم . وقال السدي رفيق بهم . وقيل حفيّ بهم . وقال القرطبي لطيف بهم في العرض ، والمحاسبة . وقيل غير ذلك . والمعنى أنه يجري لطفه على عباده في كل أمورهم ، ومن جملة ذلك الرزق الذي يعيشون به في الدنيا ، وهو معنى قوله { يَرْزُقُ مَن يَشَاء } منهم كيف يشاء ، فيوسع على هذا ، ويضيق على هذا { وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ } العظيم القوّة الباهرة القادرة { ٱلْعَزِيزُ } الذي يغلب كل شيء ، ولا يغلبه شيء { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ } الحرث في اللغة الكسب ، يقال هو يحرث لعياله ، ويحترث ، أي يكتسب . ومنه سمي الرجل حارثاً ، وأصل معنى الحرث إلقاء البذر في الأرض ، فأطلق على ثمرات الأعمال ، وفوائدها بطريق الاستعارة والمعنى من كان يريد بأعماله ، وكسبه ثواب الآخرة يضاعف الله له ذلك الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف . وقيل معناه يزيد في توفيقه ، وإعانته ، وتسهيل سبل الخير له { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي من كان يريد بأعماله ، وكسبه ثواب الدنيا ، وهو متاعها ، وما يرزق الله به عباده منها نعطه منها ما قضت به مشيئتنا ، وقسم له في قضائنا . قال قتادة معنى { نُؤْتِهِ مِنْهَا } نقدّر له ما قسم له كما قال { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء } الإسراء 18 ، وقال قتادة أيضاً إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا ، ولا يعطي على نية الدنيا إلاّ الدنيا . قال القشيري والظاهر أن الآية في الكافر ، وهو تخصيص بغير مخصص . ثم بيّن سبحانه أن هذا الذي يريد بعمله الدنيا لا نصيب له في الآخرة ، فقال { وَمَا لَهُ فِى ٱلأَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } لأنه لم يعمل للآخرة ، فلا نصيب له فيها ، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الإسراء . { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } لما بين سبحانه القانون في أمر الدنيا ، والآخرة أردفه ببيان ما هو الذنب العظيم الموجب للنار ، والهمزة لاستفهام التقرير والتقريع ، وضمير { شرعوا } عائد إلى الشركاء ، وضمير { لهم } إلى الكفار . وقيل العكس ، والأوّل أولى . ومعنى { مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } ما لم يأذن به من الشرك ، والمعاصي { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } ، وهي تأخير عذابهم حيث قال { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } القمر 46 { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } في الدنيا ، فعوجلوا بالعقوبة ، والضمير في بينهم راجع إلى المؤمنين ، والمشركين ، أو إلى المشركين ، وشركائهم { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي المشركين ، والمكذبين لهم عذاب أليم في الدنيا ، والآخرة . قرأ الجمهور { وإن الظالمين } بكسر الهمزة على الاستئناف . وقرأ مسلم ، والأعرج ، وابن هرمز بفتحها عطفاً على { كلمة الفصل } . { تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ } أي خائفين وجلين مما كسبوا من السيئات ، وذلك الخوف ، والوجل يوم القيامة { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } الضمير راجع إلى ما كسبوا بتقدير مضاف قاله الزجاج ، أي وجزاء ما كسبوا واقع منهم نازل عليهم لا محالة أشفقوا ، أو لم يشفقوا ، والجملة في محل نصب على الحال . ولما ذكر حال الظالمين ذكر حال المؤمنين ، فقال { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فِى رَوْضَـٰتِ ٱلْجَنَّـٰتِ } روضات جمع روضة . قال أبو حيان اللغة الكثيرة تسكين الواو ، ولغة هذيل فتحها ، والروضة الموضع النزه الكثير الخضرة ، وقد مضى بيان هذا في سورة الروم ، وروضة الجنة أطيب مساكنها كما أنها في الدنيا لأحسن أمكنتها { لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ } من صنوف النعم ، وأنواع المستلذّات ، والعامل في عند ربهم " يشاءون " ، أو العامل في " روضات الجنات " ، وهو الاستقرار ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما ذكر للمؤمنين قبله ، وخبره الجملة المذكورة بعده ، وهي { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } أي الذي لا يوصف ، ولا تهتدي العقول إلى معرفة حقيقته . والإشارة بقوله { ذَلِكَ ٱلَّذِى يُبَشّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ } إلى الفضل الكبير ، أي يبشرهم به . ثم وصف العباد بقوله { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } ، فهؤلاء الجامعون بين الإيمان ، والعمل بما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه هم المبشرون بتلك البشارة . قرأ الجمهور { يبشر } مشدّداً من بشر . وقرأ مجاهد ، وحميد بن قيس بضم التحتية ، وسكون الموحدة ، وكسر الشين من أبشر . وقرأ بفتح التحتية ، وضم الشين بعض السبعة ، وقد تقدّم بيان القراءات في هذه اللفظة . ثم لما ذكر سبحانه ما أخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم من هذه الأحكام الشريفة التي اشتمل عليها كتابه ، أمره بأنه يخبرهم بأنه لا يطلب منهم بسبب هذا التبليغ ثواباً منهم ، فقال { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي قل يا محمد لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلا ، ولا نفعاً { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } هذا الاستثناء يجوز أن يكون متصلاً ، أي إلاّ أن تودّوني لقرابتي بينكم ، أو تودّوا أهل قرابتي . ويجوز أن يكون منقطعاً . قال الزجاج { إلاّ المودّة } استثناء ليس من الأوّل ، أي إلاّ أن تودّوني لقرابتي ، فتحفظوني ، والخطاب لقريش . وهذا قول عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك ، والشعبي ، فيكون المعنى على الانقطاع لا أسألكم أجراً قط ، ولكن أسألكم المودّة في القربى التي بيني وبينكم ، ارقبوني فيها ، ولا تعجلوا إليّ ، ودعوني والناس ، وبه قال قتادة ، ومقاتل ، والسدّي ، والضحاك ، وابن زيد ، وغيرهم ، وهو الثابت عن ابن عباس كما سيأتي . وقال سعيد بن جبير ، وغيره هم آل محمد ، وسيأتي ما استدل به القائلون بهذا . وقال الحسن ، وغيره معنى الآية إلاّ التودّد إلى الله عزّ وجلّ ، والتقرّب بطاعته . وقال الحسن بن الفضل ورواه ابن جرير عن الضحاك إن هذه الآية منسوخة ، وإنما نزلت بمكة ، وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم الله بمودّته ، فلما هاجر أوته الأنصار ونصروه ، فأنزل الله عليه { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الشعراء 109 ، وأنزل عليه { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } سبأ 47 . وسيأتي في آخر البحث ما يتضح به الثواب ، ويظهر به معنى الآية إن شاء الله { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } أصل القرف الكسب ، يقال فلان يقرف لعياله ، أي يكتسب . والاقتراف الاكتساب ، مأخوذ من قولهم رجل قرفة إذا كان محتالاً . والمعنى من يكتسب حسنة نزد له هذه الحسنة حسناً بمضاعفة ثوابها . قال مقاتل المعنى من يكتسب حسنة واحدة نزد له فيها حسناً نضاعفها بالواحدة عشراً فصاعداً . وقيل المراد بهذه الحسنة هي المودّة في القربى ، والحمل على العموم أولى ، ويدخل تحته المودّة في القربى دخولاً أوّلياً { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } أي كثير المغفرة للمذنبين كثير الشكر للمطيعين . قال قتادة غفور للذّنوب شكور للحسنات . وقال السدّي غفور لذنوب آل محمد . { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أم هي المنقطعة ، أي بل أيقولون افترى محمد على الله كذباً بدعوى النبوّة ، والإنكار للتوبيخ . ومعنى افتراء الكذب اختلاقه . ثم أجاب سبحانه عن قولهم هذا ، فقال { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } أي لو افترى على الله الكذب لشاء عدم صدوره منه ، وختم على قلبه بحيث لا يخطر بباله شيئاً مما كذب فيه كما تزعمون . قال قتادة يختم على قلبك ، فينسيك القرآن ، فأخبرهم أنه لو افترى عليه لفعل به ما أخبرهم به في هذه الآية . وقال مجاهد ، ومقاتل إن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يدخل قلبك مشقة من قولهم . وقيل الخطاب له ، والمراد الكفار ، أي إن يشأ يختم على قلوب الكفار ، ويعاجلهم بالعقوبة ، ذكره القشيري . وقيل المعنى لو حدّثتك نفسك أن تفتري على الله كذباً لطبع على قلبك ، فإنه لا يجترىء على الكذب إلاّ من كان مطبوعاً على قلبه ، والأوّل أولى ، وقوله { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَـٰطِلَ } استئناف مقرّر لما قبله من نفي الافتراء . قال ابن الأنباري { يختم على قلبك } تامّ ، يعني وما بعده مستأنف . وقال الكسائي فيه تقديم ، وتأخير ، أي والله يمحو الباطل . وقال الزجاج أم يقولون افترى على الله كذباً تامّ . وقوله { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَـٰطِلَ } احتجاج على من أنكر ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، أي لو كان ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم باطلاً لمحاه كما جرت به عادته في المفترين { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ } أي الإسلام ، فيبينه { بِكَلِمَـٰتِهِ } أي بما أنزل من القرآن { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } عالم بما في قلوب العباد ، وقد سقطت الواو من " ويمحو " في بعض المصاحف كما حكاه الكسائي . { وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } أي يقبل من المذنبين من عباده توبتهم إليه مما عملوا من المعاصي ، واقترفوا من السيئات ، والتوبة الندم على المعصية ، والعزم على عدم المعاودة لها . وقيل يقبل التوبة عن أوليائه ، وأهل طاعته . والأوّل أولى ، فإن التوبة مقبولة من جميع العباد مسلمهم ، وكافرهم إذا كانت صحيحة صادرة عن خلوص نية ، وعزيمة صحيحة { وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيّئَـٰتِ } على العموم لمن تاب عن سيئته { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } من خير ، وشرّ ، فيجازي كلا بما يستحقه . قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف { تفعلون } بالفوقية على الخطاب . وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر ، واختار القراءة الثانية أبو عبيد ، وأبو حاتم لأن هذا الفعل وقع بين خبرين { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } الموصول في موضع نصب ، أي يستجيب الله الذين آمنوا ، ويعطيهم ما طلبوه منه ، يقال أجاب ، واستجاب بمعنى . وقيل المعنى يقبل عبادة المخلصين . وقيل التقدير ، ويستجيب لهم ، فحذف اللام كما حذف في قوله { وَإِذَا كَالُوهُمْ } المطففين 3 أي كالوا لهم . وقيل إن الموصول في محل رفع ، أي يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ } الأنفال 24 قال المبرد معنى { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } ويستدعي الذين آمنوا الإجابة ، هكذا حقيقة معنى استفعل ، فالذين في موضع رفع ، والأوّل أولى . { وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } أي يزيدهم على ما طلبوه منه ، أو على ما يستحقونه من الثواب تفضلاً منه . وقيل يشفعهم في إخوانهم { وَٱلْكَـٰفِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } هذا للكافرين مقابلاً ما ذكره للمؤمنين فيما قبله . { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ } أي لو وسع الله لهم رزقهم لبغوا في الأرض لعصوا فيها ، وبطروا النعمة ، وتكبروا ، وطلبوا ما ليس لهم طلبه . وقيل المعنى لو جعلهم سواء في الرزق لما انقاد بعضهم لبعض ، ولتعطلت الصنائع ، والأوّل أولى . والظاهر عموم أنواع الرزق . وقيل هو المطر خاصة { وَلَـٰكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء } أي ينزل من الرزق لعباده بتقدير على حسب مشيئته ، وما تقتضيه حكمته البالغة . { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ } بأحوالهم { بَصِيرٌ } بما يصلحهم من توسيع الرزق ، وتضييقه ، فيقدر لكل أحد منهم ما يصلحه ، ويكفه عن الفساد بالبغي في الأرض . { وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ } أي المطر الذي هو أنفع أنواع الرزق ، وأعمها فائدة ، وأكثرها مصلحة { مّن بَعْدِ مَا } أي من بعد ما أيسوا عن ذلك ، فيعرفون بهذا الإنزال للمطر بعد القنوط مقدار رحمته لهم ، ويشكرون له ما يجب الشكر عليه { وَهُوَ ٱلْوَلِىُّ } للصالحين من عباده بالإحسان إليهم ، وجلب المنافع لهم ، ودفع الشرور عنهم { ٱلْحَمِيدِ } المستحق للحمد منهم على إنعامه خصوصاً وعموماً . وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ } قال عيش الآخرة { نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } الآية . قال من يؤثر دنياه على آخرته لم يجعل الله له نصيباً في الآخرة إلاّ النار ، ولم يزدد بذلك من الدنيا شيئاً إلاّ رزقاً فرغ منه ، وقسم له . وأخرج أحمد ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، وابن حبان عن أبيّ بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بشر هذه الأمة بالسناء ، والرفعة ، والنصر ، والتمكين في الأرض ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الآخرة ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ } الآية ، ثم قال " يقول الله ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسدّ فقرك ، وإن لا تفعل ملأت صدرك شغلاً ، ولم أسدّ فقرك " وأخرج ابن أبي الدنيا ، وابن عساكر عن عليّ قال الحرث حرثان ، فحرث الدنيا المال ، والبنون ، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه من طريق طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } قال سعيد بن جبير قربى آل محمد . قال ابن عباس عجلت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلاّ كان له فيهم قرابة ، فقال إلاّ أن تصلوا ما بيني ، وبينكم من القرابة . وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عنه قال قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أسألكم عليه أجراً إلاّ أن تودوني في نفسي لقرابتي ، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم " وأخرج سعيد بن منصور ، وابن سعد ، وعبد بن حميد ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن الشعبي قال أكثر الناس علينا في هذه الآية { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } ، فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك ، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش ليس بطن من بطونهم إلاّ ، وله فيه قرابة ، فقال الله { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } على ما أدعوكم إليه { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } أن تودوني لقرابتي منكم ، وتحفظوني بها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في الآية قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة من جميع قريش ، فلما كذبوه ، وأبوا أن يبايعوه قال " يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني ، فاحفظوا قرابتي فيكم ، ولا يكون غيركم من العرب أولى بحفظي ، ونصرتي منكم " وأخرج عبد بن حميد ، وابن مردويه عنه نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عنه أيضاً نحوه . وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً نحوه . وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً من طريق أخرى نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طريق مقسم عن ابن عباس قال قالت الأنصار فعلنا ، وفعلنا ، وكأنهم فخروا . فقال العباس لنا الفضل عليكم . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم في مجالسهم ، فقال " يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة ، فأعزكم الله ؟ " قالوا بلى يا رسول الله ، قال " أفلا تجيبون ؟ " قالوا ما نقول يا رسول الله ؟ قال " ألا تقولون ألم يخرجك قومك ، فآويناك ؟ ألم يكذّبوك ، فصدّقناك ؟ ألم يخذلوك ، فنصرناك ؟ " فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا أموالنا ، وما في أيدينا لله ، ورسوله ، فنزلت { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } » ، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف ، والأولى أن الآية مكية لا مدنية ، وقد أشرنا في أوّل السورة إلى قول من قال إن هذه الآية ، وما بعدها مدنية ، وهذا متمسكهم . وأخرج أبو نعيم ، والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } أي تحفظوني في أهل بيتي ، وتودونهم بي " وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه . قال السيوطي بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟ قال " عليّ ، وفاطمة ، وولداهما " وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية بمكة ، وكان المشركون يودّون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { قل } لهم يا محمد { لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ } يعني على ما أدعوكم إليه { أَجْراً } عرضاً من الدنيا { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } إلاّ الحفظ لي في قرابتي فيكم ، فلما هاجر إلى المدينة أحبّ أن يلحقه بإخوته من الأنبياء ، فقال { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } سبأ 47 يعني ثوابه ، وكرامته في الآخرة كما قال نوح { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الشعراء 109 ، وكما قال هود ، وصالح ، وشعيب لم يستثنوا أجراً كما استثنى النبي صلى الله عليه وسلم ، فردّه عليهم ، وهي منسوخة . وأخرج أحمد ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه من طريق مجاهد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قل لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات ، والهدى أجراً إلاّ أن تودوا الله ، وأن تتقرّبوا إليه بطاعته . هذا حاصل ما روي عن حبر الأمة ابن عباس رضي اللهعنه في تفسير هذه الآية . والمعنى الأوّل هو الذي صح عنه ، ورواه عنه الجمع الجمّ من تلامذته ، فمن بعدهم ، ولا ينافيه ما روي عنه من النسخ ، فلا مانع من أن يكون قد نزل القرآن في مكة بأن يودّه كفار قريش لما بينه ، وبينهم من القربى ، ويحفظوه بها ، ثم ينسخ ذلك ، ويذهب هذا الاستثناء من أصله كما يدلّ عليه ما ذكرنا مما يدلّ على أنه لم يسأل على التبليغ أجراً على الإطلاق ، ولا يقوي ما روي من حملها على آل محمد على معارضة ما صح عن ابن عباس من تلك الطرق الكثيرة ، وقد أغنى الله آل محمد عن هذا بما لهم من الفضائل الجليلة ، والمزايا الجميلة ، وقد بينا بعض ذلك عند تفسيرنا لقوله { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } الأحزاب 33 ، وكما لا يقوي هذا على المعارضة ، فكذلك لا يقوي ما روي عنه أن المراد بالمودّة في القربى أن يودوا الله ، وأن يتقرّبوا إليه بطاعته ، ولكنه يشدّ من عضد هذا أنه تفسير مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده عند أحمد في المسند هكذا حدّثنا حسن بن موسى ، حدّثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي … فذكره . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن قزعة به . وأخرج ابن المبارك ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الشعب . قال السيوطي بسند صحيح عن أبي هانىء الخولاني قال سمعت عمر بن حريث ، وغيره يقولون إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ } ، وذلك أنهم قالوا لو أن لنا ، فتمنوا الدنيا . و أخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب عن عليّ مثله .