Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 17-20)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر سبحانه من شكر نعمة الله سبحانه عليه ، وعلى والديه ذكر من قال لهما قولاً يدلّ على التضجر منهما عند دعوتهما له إلى الإيمان ، فقال { وَٱلَّذِى قَالَ لِوٰلِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا } الموصول عبارة عن الجنس القائل ذلك القول ، ولهذا أخبر عنه بالجمع ، وأفٍّ كلمة تصدر عن قائلها عند تضجره من شيء يرد عليه . قرأ نافع وحفص و { أفٍّ } بكسر الفاء مع التنوين . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وابن محيصن بفتحها من غير تنوين ، وقرأ الباقون بكسر من غير تنوين وهي لغات . وقد مضى بيان الكلام في هذا في سورة بني إسرائيل . أي سورة الإِسراء ، واللام في قوله { لَّكُمَا } لبيان التأفيف ، أي التأفيف لكما ، كما في قوله { هَيْتَ لَكَ } يوسف 23 قرأ الجمهور { أتعدانني } بنونين مخففتين ، وفتح ياءه أهل المدينة ومكة ، وأسكنها الباقون . وقرأ أبو حيوة ، والمغيرة ، وهشام بإدغام إحدى النونين في الأخرى ، ورويت هذه القراءة عن نافع . وقرأ الحسن ، وشيبة ، وأبو جعفر ، وعبد الوارث عن أبي عمرو بفتح النون الأولى ، كأنهم فرّوا من توالي مثلين مكسورين . وقرأ الجمهور { أن أخرج } بضم الهمزة وفتح الراء مبنياً للمفعول . وقرأ الحسن ، ونصر ، وأبو العالية ، والأعمش ، وأبو معمر بفتح الهمزة وضم الراء مبنياً للفاعل . والمعنى أتعدانني أن أبعث بعد الموت ، وجملة { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِى } في محل نصب على الحال ، أي والحال أن قد مضت القرون من قبلي فماتوا ، ولم يبعث منهم أحد ، وهكذا جملة { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } في محل نصب على الحال ، أي والحال أنهما يستغيثان الله له ، ويطلبان منه التوفيق إلى الإيمان ، واستغاث يتعدّى بنفسه وبالباء يقال استغاث الله ، واستغاث به . وقال الرازي معناه يستغيثان بالله من كفره ، فلما حذف الجار وصل الفعل ، وقيل الاستغاثة الدعاء ، فلا حاجة إلى الباء . قال الفراء يقال أجاب الله دعاءه وغواثه ، وقوله { وَيْلَكَ } هو بتقدير القول ، أي يقولان له ويلك ، وليس المراد به الدعاء عليه ، بل الحثّ له على الإيمان ، ولهذا قالا له { آمن إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي آمن بالبعث إن وعد الله حقّ لا خلف فيه { فَيَقُولُ } عند ذلك مكذباً لما قالاه { مَا هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأوَّلِينَ } أي ما هذا الذي تقولانه من البعث إلاّ أحاديث الأوّلين ، وأباطيلهم التي سطّروها في الكتب . قرأ الجمهور { إن وعد الله } بكسر إن على الاستئناف ، أو التعليل ، وقرأ عمر بن فايد والأعرج بفتحها ، على أنها معمولة لآمن بتقدير الباء ، أي آمن بأن وعد الله بالبعث حقّ { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي أولئك القائلون هذه المقالات هم الذين حقّ عليهم القول ، أي وجب عليهم العذاب بقوله سبحانه لإبليس { لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } صۤ 85 كما يفيده قوله { فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } ، وجملة { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَـٰسِرِينَ } تعليل لما قبله ، وهذا يدفع كون سبب نزول الآية عبد الرحمٰن بن أبي بكر ، وأنه الذي قال لوالديه ما قال ، فإنه من أفاضل المؤمنين ، وليس ممن حقت عليه كلمة العذاب ، وسيأتي بيان سبب النزول في آخر البحث إن شاء الله . { وَلِكُلّ دَرَجَـٰتٌ مّمَّا عَمِلُواْ } أي لكلّ فريق من الفريقين المؤمنين ، والكافرين من الجنّ والإنس مراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم . قال ابن زيد درجات أهل النار في هذه الآية تذهب سفلاً ، ودرجات أهل الجنة تذهب علوًّا { وَلِيُوَفّيَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } أي جزاء أعمالهم . قرأ الجمهور لنوفيهم بالنون . وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن ، وعاصم ، وأبو عمرو ، ويعقوب بالياء التحتية . واختار أبو عبيد القراءة الأولى ، واختار الثانية أبو حاتم { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي لا يزاد مسيء ، ولا ينقص محسن ، بل يوفّى كل فريق ما يستحقه من خير وشرّ ، والجملة في محلّ نصب على الحال ، أو مستأنفة مقررة لما قبلها { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } الظرف متعلق بمحذوف ، أي اذكر لهم يا محمد يوم ينكشف الغطاء ، فينظرون إلى النار ويقربون منها ، وقيل معنى { يعرضون } يعذبون ، من قولهم عرضه على السيف ، وقيل في الكلام قلب . والمعنى تعرض النار عليهم { أَذْهَبْتُمْ طَيّبَـٰتِكُمْ فِى حَيَـٰتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } أي يقال لهم ذلك ، قيل وهذا المقدّر هو الناصب للظرف ، والأوّل أولى . قرأ الجمهور { أذهبتم } بهمزة واحدة ، وقرأ الحسن ، ونصر ، وأبو العالية ، ويعقوب ، وابن كثير بهمزتين مخففتين . ومعنى الاستفهام التقريع والتوبيخ . قال الفراء ، والزجاج العرب توبخ بالاستفهام وبغيره ، فالتوبيخ كائن على القراءتين . قال الكلبي المراد بالطيبات اللذات ، وما كانوا فيه من المعايش { وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } أي بالطيبات ، والمعنى أنهم اتبعوا الشهوات واللذات التي في معاصي الله سبحانه ، ولم يبالوا بالذنب تكذيباً منهم لما جاءت به الرّسل من الوعد بالحساب والعقاب والثواب { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي العذاب الذي فيه ذلّ لكم ، وخزي عليكم . قال مجاهد ، وقتادة الهون الهوان بلغة قريش { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } أي بسبب تكبركم عن عبادة الله ، والإيمان به وتوحيده { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } أي تخرجون عن طاعة الله ، وتعملون بمعاصيه ، فجعل السبب في عذابهم أمرين التكبر عن اتباع الحق ، والعمل بمعاصي الله سبحانه وتعالى ، وهذا شأن الكفرة ، فإنهم قد جمعوا بينهما . وقد أخرج البخاري عن يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز استعمله معاوية بن أبي سفيان ، فخطب ، فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال عبد الرحمٰن بن أبي بكر شيئًا ، فقال خذوه ، فدخل بيت عائشة ، فلم يقدروا عليه ، فقال مروان إن هذا أنزل فيه { وَٱلَّذِى قَالَ لِوٰلِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا } فقالت عائشة ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن إلاّ أن الله أنزل عُذري . وأخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن محمد بن زياد قال لما بايع معاوية لابنه ، قال مروان سنة أبي بكر ، وعمر ، فقال عبد الرحمٰن سنة هرقل ، وقيصر ، فقال مروان هذا الذي قال الله فيه { وَٱلَّذِى قَالَ لِوٰلِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا } الآية ، فبلغ ذلك عائشة فقالت كذب مروان ، والله ما هو به ، ولو شئت أن أسمي الذي نزلت فيه لسميته ، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ، ومروان في صلبه ، فمروان من لعنه الله . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في الآية قال هذا ابن لأبي بكر . وأخرج نحوه أبو حاتم عن السديّ ، ولا يصح هذا كما قدّمنا .