Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 21-28)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } أي واذكر يا محمد لقومك أخا عاد ، وهو هود بن عبد الله بن رباح ، كان أخاهم في النسب ، لا في الدين ، وقوله { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ } بدل اشتمال منه ، أي وقت إنذاره إياهم { بِٱلأحْقَافِ } وهي ديار عاد ، جمع حقف ، وهو الرمل العظيم المستطيل المعوج قاله الخليل وغيره ، وكانوا قهروا أهل الأرض بقوّتهم ، والمعنى أن الله سبحانه أمره أن يذكر لقومه قصتهم ليتعظوا ويخافوا ، وقيل أمره بأن يتذكر في نفسه قصتهم مع هود ليقتدي به ويهون عليه تكذيب قومه . قال عطاء الأحقاف رمال بلاد الشحر . وقال مقاتل هي باليمن في حضرموت ، وقال ابن زيد هي رمال مبسوطة مستطيلة كهيئة الجبال ، ولم تبلغ أن تكون جبالاً { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } أي وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده ، كذا قال الفراء وغيره . وفي قراءة ابن مسعود من بين يديه ومن بعده والجملة في محل نصب على الحال ، ويجوز أن تكون معترضة بين إنذار هود ، وبين قوله لقومه { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ } والأوّل أولى . والمعنى أعلمهم أن الرسل الذين بعثوا قبله ، والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره ، ثم رجع إلى كلام هود لقومه ، فقال حاكياً عنه { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وقيل إن جعل تلك الجملة اعتراضية أولى بالمقام ، وأوفق بالمعنى { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءالِهَتِنَا } أي لتصرفنا عن عبادتها ، وقيل لتزيلنا ، وقيل لتمنعنا ، والمعنى متقارب ، ومنه قول عروة بن أذينة @ إن تك عن حسن الصنيعة مأفو كاً ففي آخرين قد أفكوا @@ يقول إن لم توفق للإحسان ، فأنت في قوم قد صرفوا عن ذلك . { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } من العذاب العظيم { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في وعدك لنا به . { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } أي إنما العلم بوقت مجيئه عند الله لا عندي { وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ } إليكم من ربكم من الإنذار والإعذار ، فأما العلم بوقت مجيء العذاب ، فما أوحاه إليّ { وَلَـٰكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } حيث بقيتم مصرّين على كفركم ، ولم تهتدوا بما جئتكم به ، بل اقترحتم عليّ ما ليس من وظائف الرسل . { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً } الضمير يرجع إلى « ما » في قوله { بِمَا تَعِدُنَا } . وقال المبرد ، والزجاج الضمير في { رَأَوْهُ } يعود إلى غير مذكور ، وبينه قوله { عَارِضاً } ، فالضمير يعود إلى السحاب ، أي فلما رأوا السحاب عارضاً ، فـ { عارضاً } نصب على التكرير ، يعني التفسير ، وسمي السحاب عارضاً لأنه يبدو في عرض السماء . قال الجوهري العارض السحاب يعترض في الأفق ، ومنه قوله { هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } وانتصاب { عارضاً } على الحال ، أو التمييز { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } أي متوجهاً نحو أوديتهم . قال المفسرون كانت عاد قد حبس عنهم المطر أياماً ، فساق الله إليهم سحابة سوداء ، فخرجت عليهم من واد لهم يقال له المعتب ، فلما رأوه مستقبل أوديتهم استبشروا ، و { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } أي غيم فيه مطر ، وقوله { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } صفة لعارض لأن إضافته لفظية لا معنوية ، فصح وصف النكرة به ، وهكذا ممطرنا ، فلما قالوا ذلك أجاب عليهم هود ، فقال { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } يعني من العذاب حيث قالوا { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } وقوله { رِيحٌ } بدل من ما ، أو خبر مبتدأ محذوف ، وجملة { فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } صفة لريح ، والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه . { تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا } هذه الجملة صفة ثانية لريح ، أي تهلك كل شيء مرّت به من نفوس عاد وأموالها ، والتدمير الإهلاك ، وكذا الدمار ، وقرىء يدمر بالتحتية مفتوحة وسكون الدال وضم الميم ، ورفع كلّ على الفاعلية من دمر دماراً ، ومعنى { بِأَمْرِ رَبّهَا } أن ذلك بقضائه وقدره { فَأْصْبَحُواْ لاَ تَرَى إلا مَسَـٰكِنِهِمْ } أي لا ترى أنت يا محمد ، أو كل من يصلح للرؤية إلاّ مساكنهم بعد ذهاب أنفسهم وأموالهم . قرأ الجمهور { لا ترى } بالفوقية على الخطاب ، ونصب مساكنهم . وقرأ حمزة ، وعاصم بالتحتية مضمومة مبنياً للمفعول ، ورفع مساكنهم . قال سيبويه معناه لا يرى أشخاصهم إلاّ مساكنهم ، واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم القراءة الثانية . قال الكسائي ، والزجاج معناها لا يرى شيء إلاّ مساكنهم ، فهي محمولة على المعنى كما تقول ما قام إلاّ هند ، والمعنى ما قام أحد إلاّ هند ، وفي الكلام حذف ، والتقدير فجاءتهم الريح فدمرتهم ، فأصبحوا لا يرى إلاّ مساكنهم { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي مثل ذلك الجزاء نجزي هؤلاء ، وقد مرّ بيان هذه القصة في سورة الأعراف . { وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ } قال المبرد ما في قوله { فيما } بمنزلة " الذي " ، و " إن " بمنزلة " ما " ، يعني النافية ، وتقديره ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه من المال وطول العمر وقوّة الأبدان ، وقيل « إن » زائدة ، وتقديره ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه ، وبه قال القتيبي ، ومثله قول الشاعر @ فما إن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا @@ والأوّل أولى لأنه أبلغ في التوبيخ لكفار قريش ، وأمثالهم { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَـٰراً وَأَفْئِدَةً } أي إنهم أعرضوا عن قبول الحجة ، والتذكر مع ما أعطاهم الله من الحواسّ التي بها تدرك الأدلة ، ولهذا قال { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء } أي فما نفعهم ما أعطاهم الله من ذلك حيث لم يتوصلوا به إلى التوحيد ، وصحة الوعد والوعيد ، وقد قدّمنا من الكلام على وجه إفراد السمع ، وجمع البصر ما يغني عن الإعادة ، و « من » في { مِن شَىْء } زائدة ، والتقدير فما أغنى عنهم شيء من الإِغناء ، ولا نفعهم بوجه من وجوه النفع { إذ كانوا يجحدون بآيات الله } الظرف متعلق بـ { أغنى } ، وفيها معنى التعليل أي لأنهم كانوا يجحدون { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يستهزئون } أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء حيث قالوا { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } . { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مّنَ ٱلْقُرَىٰ } الخطاب لأهل مكة ، والمراد بما حولهم من القرى قرى ثمود ، وقرى لوط ، ونحوهما مما كان مجاوراً لبلاد الحجاز ، وكانت أخبارهم متواترة عندهم { وَصَرَّفْنَا ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي بينا الحجج ونوّعناها لكي يرجعوا عن كفرهم فلم يرجعوا . ثم ذكر سبحانه أنه لم ينصرهم من عذاب الله ناصر ، فقال { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً ءالِهَةَ } أي فهلا نصرهم آلهتهم التي تقرّبوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا { هَـؤُلاء شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } يونس 18 ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم . قال الكسائي القربان كل ما يتقرّب به إلى الله من طاعة ونسيكة ، والجمع قرابين ، كالرهبان والرهابين ، وأحد مفعولي { اتخذوا } ضمير راجع إلى الموصول ، والثاني آلهة ، و { قرباناً } حال ، ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً ، و { آلهةً } بدلاً منه لفساد المعنى ، وقيل يصح ذلك ولا يفسد المعنى ، ورجحه ابن عطية ، وأبو البقاء ، وأبو حيان ، وأنكر أن يكون في المعنى فساد على هذا الوجه { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ } أي غابوا عن نصرهم ، ولم يحضروا عند الحاجة إليهم ، وقيل بل هلكوا ، وقيل الضمير في ضلوا راجع إلى الكفار ، أي تركوا الأصنام وتبرءوا منها ، والأوّل أولى . والإشارة بقوله { وَذَلِكَ } إلى ضلال آلهتهم . والمعنى وذلك الضلال والضياع أثر { إِفْكِهِمْ } الذي هو اتخاذهم إياها آلهةً وزعمهم أنها تقرّبهم إلى الله . قرأ الجمهور { إفكهم } بكسر الهمزة ، وسكون الفاء مصدر أفك يأفك إفكاً ، أي كذبهم . وقرأ ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد بفتح الهمزة والفاء والكاف على أنه فعل أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد . وقرأ عكرمة بفتح الهمزة وتشديد الفاء ، أي صيرهم آفكين . قال أبو حاتم يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ بالمدّ ، وكسر الفاء بمعنى صارفهم { وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } معطوف على { إفكهم } أي وأثر افترائهم ، أو أثر الذي كانوا يفترونه . والمعنى وذلك إفكهم أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقرّبهم إلى الله ، وتشفع لهم { وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي يكذبون أنها آلهة . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأحقاف جبل بالشام . وأخرج البخاريّ ، ومسلم ، وغيرهما عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يتبسم ، وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه ، قلت يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا أن يكون فيه المطر . وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ، قال " يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب ، فقالوا { هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } " وأخرج مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال " اللَّهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به " ، فإذا تخيلت السماء تغير لونه ، وخرج ودخل وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سرّي عنه ، فسألته فقال " لا أدري ، لعله كما قال قوم عاد { هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } " وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب ، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } قالوا غيم فيه مطر ، فأوّل ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجاً من رجالهم ، ومواشيهم تطير بين السماء والأرض مثل الريش دخلوا بيوتهم ، وغلقوا أبوابهم ، فجاءت الريح ففتحت أبوابهم ، ومالت عليهم بالرمل ، فكانوا تحت الرمل سبع ليال ، وثمانية أيام حسوماً لهم أنين ، ثم أمر الله الريح ، فكشفت عنهم الرمل وطرحتهم في البحر ، فهو قوله { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَـٰكِنُهُمْ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال ما أرسل الله على عاد من الريح إلاّ قدر خاتمي هذا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه في قوله { وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ } يقول لم نمكنكم . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال عاد مكنوا في الأرض أفضل مما مكنت فيه هذه الأمة ، وكانوا أشدّ قوة وأكثر أموالاً وأطول أعماراً .