Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 8-15)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً } أي على أمتك بتبليغ الرسالة إليهم { وَمُبَشّراً } بالجنة للمطيعين { وَنَذِيرًا } لأهل المعصية { لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ الجمهور { لتؤمنوا } بالفوقية . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بالتحتية ، فعلى القراءة الأولى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته ، وعلى القراءة الثانية المراد المبشرين والمنذرين ، وانتصاب { شاهداً ومبشراً ونذيراً } على الحال المقدرة { وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ } الخلاف بين القراء في هذه الثلاثة الأفعال كالخلاف في { لّتُؤْمِنُواْ } كما سلف ، ومعنى تعزروه تعظموه وتفخموه قاله الحسن ، والكلبي ، والتعزير التعظيم والتوقير . وقال قتادة تنصروه وتمنعوا منه . وقال عكرمة تقاتلون معه بالسيف ، ومعنى توقروه تعظموه . وقال السديّ تسوّدوه ، قيل والضميران في الفعلين للنبي صلى الله عليه وسلم وهنا وقف تام ، ثم يبتدىء وتسبحوه أي تسبحوا الله عزّ وجل { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي غدوة وعشية ، وقيل الضمائر كلها في الأفعال الثلاثة لله عزّ وجلّ ، فيكون معنى تعزروه وتوقروه تثبتون له التوحيد ، وتنفون عنه الشركاء ، وقيل تنصروا دينه وتجاهدوا مع رسوله . وفي التسبيح وجهان ، أحدهما التنزيه له سبحانه من كل قبيح ، والثاني الصلاة . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } يعني بيعة الرضوان بالحديبية ، فإنهم بايعوا تحت الشجرة على قتال قريش { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أخبر سبحانه أن هذه البيعة لرسوله صلى الله عليه وسلم هي بيعة له كما قال { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } النساء 80 وذلك لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة ، وجملة { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } مستأنفة لتقرير ما قبلها على طريق التخييل ، في محل نصب على الحال ، والمعنى أن عقد الميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله سبحانه من غير تفاوت . وقال الكلبي المعنى إن نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة . وقيل يده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء . وقال ابن كيسان قوّة الله ونصرته فوق قوّتهم ونصرتهم { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي فمن نقض ما عقد من البيعة ، فإنما ينقض على نفسه لأن ضرر ذلك راجع إليه لا يجاوزه إلى غيره { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ } أي ثبت على الوفاء بما عاهد الله عليه في البيعة لرسوله . قرأ الجمهور { عليه } بكسر الهاء وقرأ حفص ، والزهري بضمها { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } وهو الجنة . قرأ الجمهور { فسيؤتيه } بالتحتية ، وقرأ نافع ، وقرأ كثير ، وابن عامر بالنون ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد ، وأبو حاتم ، واختار القراءة الثانية الفراء . { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأعْرَابِ } هم الذين خلفهم الله عن صحبة رسوله حين خرج عام الحديبية . قال مجاهد ، وغيره يعني أعراب غفار ، ومزينة ، وجهينة ، وأسلم ، وأشجع ، والدئل ، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة . وقيل تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى مكة عام الفتح بعد أن كان قد استنفرهم ليخرجوا معه ، والمخلف المتروك { شَغَلَتْنَا أَمْوٰلُنَا وَأَهْلُونَا } أي منعنا عن الخروج معك ما لنا من الأموال ، والنساء ، والذراري ، وليس لنا من يقوم بهم ، ويخلفنا عليهم { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } ليغفر الله لنا ما وقع منا من التخلف عنك بهذا السبب ، ولما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد بل على طريقة الاستهزاء ، وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم ، فضحهم الله سبحانه بقوله { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } وهذا هو صنيع المنافقين ، والجملة مستأنفة لبيان ما تنطوي عليه بواطنهم ، ويجوز أن تكون بدلاً من الجملة الأولى . ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عنهم ، فقال { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي فمن يمنعكم مما أراده الله بكم من خير وشرّ ، ثم بيّن ذلك ، فقال { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } أي إنزال ما يضركم من ضياع الأموال وهلاك الأهل . قرأ الجمهور { ضرًّا } بفتح الضاد ، وهو مصدر ضررته ضرًّا . وقرأ حمزة ، والكسائي بضمها وهو اسم ما يضرّ ، وقيل هما لغتان { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } أي نصراً وغنيمة ، وهذا ردّ عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع عنه الضرّ ، ويجلب لهم النفع . ثم أضرب سبحانه عن ذلك ، وقال { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي إن تخلفكم ليس لما زعمتم ، بل كان الله خبيراً بجميع ما تعملونه من الأعمال التي من جملتها تخلفكم ، وقد علم أن تخلفكم لم يكن لذلك ، بل للشك والنفاق ، وما خطر لكم من الظنون الفاسدة الناشئة عن عدم الثقة بالله ، ولهذا قال { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } وهذه الجملة مفسرة لقوله { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } لما فيها من الإبهام ، أي بل ظننتم أن العدوّ يستأصل المؤمنين بالمرة ، فلا يرجع منهم أحد إلى أهله ، فلأجل ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة { وَزُيّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ } أي وزين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم فقبلتموه . قرأ الجمهور " وزين " مبنياً للمفعول ، وقرىء مبنياً للفاعل { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْء } أن الله سبحانه لا ينصر رسوله ، وهذا الظن إما هو الظنّ الأوّل ، والتكرير للتأكيد والتوبيخ ، والمراد به ما هو أعمّ من الأوّل ، فيدخل الظنّ الأوّل تحته دخولاً أوّلياً { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } أي هلكى ، قال الزجاج هالكين عند الله ، وكذا قال مجاهد . قال الجوهري البور الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه . قال أبو عبيد { قَوْماً بُوراً } هلكى ، وهو جمع بائر ، مثل حائل وحول ، وقد بار فلان ، أي هلك ، وأباره الله أهلكه . { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَعِيراً } هذا الكلام مستأنف من جهة الله سبحانه غير داخل تحت ما أمر الله سبحانه رسوله أن يقوله ، أي ومن لم يؤمن بهما ، كما صنع هؤلاء المخلفون ، فجزاؤهم ما أعدّه الله لهم من عذاب السعير { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } يتصرّف فيه كيف يشاء لا يحتاج إلى أحد من خلقه ، وإنما تعبدهم بما تعبدهم ليثيب من أحسن ويعاقب من أساء ، ولهذا قال { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أن يغفر له { وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } أن يعذبه { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ } الأنبياء 23 { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي كثير المغفرة والرحمة ، بليغها يخص بمغفرته ورحمته من يشاء من عباده . { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } المخلفون هؤلاء المذكورون سابقاً ، والظرف متعلق بقوله { سَيَقُولُ } والمعنى سيقولون عند انطلاقكم أيها المسلمون { إِلَىٰ مَغَانِمَ } يعني مغانم خيبر { لِتَأْخُذُوهَا } لتحوزوها { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } أي اتركونا نتبعكم ونشهد معكم غزوة خيبر . وأصل القصة أنه لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر ، وخصّ بغنائمها من شهد الحديبية ، فلما انطلقوا إليها قال هؤلاء المخلفون ذرونا نتبعكم ، فقال الله سبحانه { يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } أي يغيروا كلام الله ، والمراد بهذا الكلام الذي أرادوا أن يبدّلوه هو مواعيد الله لأهل الحديبية خاصة بغنيمة خيبر . وقال مقاتل يعني أمر الله لرسوله أن لا يسير معه أحد منهم . وقال ابن زيد هو قوله تعالى { فإذا اسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تُقَـٰتِلُواْ مَعِىَ عَدُوّا } التوبة 83 واعترض هذا ابن جرير وغيره بأن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر ، وبعد فتح مكة ، والأوّل أولى ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، ورجحه ابن جرير ، وغيره . قرأ الجمهور { كلام الله } وقرأ حمزة ، والكسائي كلم الله قال الجوهري الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير ، والكلم لا يكون أقلّ من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة مثل نبقة ونبق ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يمنعهم من الخروج معه ، فقال { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } هذا النفي هو في معنى النهي ، والمعنى لا تتبعونا { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } أي من قبل رجوعنا من الحديبية أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة ليس لغيرهم فيها نصيب { فَسَيَقُولُونَ } يعني المنافقين عند سماع هذا القول ، وهو قوله { لَّن تَتَّبِعُونَا } بل { تَحْسُدُونَنَا } أي بل ما يمنعكم من خروجنا معكم إلاّ الحسد لئلا نشارككم في الغنيمة ، وليس ذلك بقول الله كما تزعمون ، ثم ردّ الله سبحانه عليهم بقوله { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لا يعلمون إلاّ علماً قليلاً ، وهو علمهم بأمر الدنيا ، وقيل لا يفقهون من أمر الدين إلاّ فقهاً قليلاً ، وهو ما يصنعونه نفاقاً بظواهرهم دون بواطنهم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَتُعَزّرُوهُ } يعني الإجلال { وَتُوَقّرُوهُ } يعني التعظيم ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن مردويه ، والضياء في المختارة عنه في قوله { وَتُعَزّرُوهُ } قال تضربوا بين يديه بالسيف . وأخرج ابن عديّ ، وابن مردويه ، والخطيب ، وابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد الله قال لما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَتُعَزّرُوهُ } قال لأصحابه " ما ذاك " ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال " لتنصروه " وأخرج أحمد ، وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم ، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب ، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا ، وأزواجنا ، وأبناءنا ، ولنا الجنة ، فمن وفى وفى الله له ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه . وفي الصحيحين من حديث جابر أنهم كانوا في بيعة الرضوان خمس عشرة مائة . وفيهما عنه أنهم كانوا أربع عشرة مائة . وفي البخاري من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سأله كم كانوا في بيعة الرضوان ؟ قال خمس عشرة مائة ، فقال له إن جابراً قال كانوا أربع عشرة مائة ، قال رحمه الله وهِم ، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة .