Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 67-67)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
العموم الكائن في { ما أنزل } يفيد أنه يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ جميع ما أنزله الله إليه ، لا يكتم منه شيئاً . وفيه دليل على أنه لم يسر إلى أحد مما يتعلق بما أنزل الله إليه شيئاً ، ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي فقد كذب . وفي صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال قلت لعليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة ، قلت وما في هذه الصحيفة ؟ قال العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر . { فَإِن لَّمْ تَفْعَل } ما أمرت به من تبليغ الجميع ، بل كتمت ولو بعضاً من ذلك { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } . قرأ أبو عمرو ، وأهل الكوفة إلا شعبة « رسالته » على التوحيد . وقرأ أهل المدينة وأهل الشام « رسالاته » على الجمع ، قال النحاس والجمع أبين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه الوحي شيئاً فشيئاً ، ثم يبينه انتهى . وفيه نظر ، فإن نفي التبليغ عن الرسالة الواحدة أبلغ من نفيه عن الرسالات ، كما ذكره علماء البيان على خلاف في ذلك ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ما نزل إليهم ، وقال لهم في غير موطن " هل بلغت ؟ " فيشهدون له بالبيان ، فجزاه الله عن أمته خيراً ثم إن الله سبحانه وعده بالعصمة من الناس دفعاً لما يظنّ أنه حامل على كتم البيان ، وهو خوف لحوق الضرر من الناس ، وقد كان ذلك بحمد الله ، فإنه بين لعباد الله ما نزل إليهم على وجه التمام ، ثم حمل من أبى من الدخول في الدين على الدخول فيه طوعاً أو كرهاً ، وقتل صناديد الشرك وفرّق جموعهم وبدّد شملهم ، وكانت كلمة الله هي العليا ، فأسلم كل من نازعه ممن لم يسبق فيه السيف العذل ، حتى قال يوم الفتح لصناديد قريش وأكابرهم " ما تظنون أني فاعل بكم ؟ " فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم فقال " اذهبوا فأنتم الطلقاء " . وهكذا من سبقت له العناية من علماء هذه الأمة يعصمه الله من الناس ، إن قام ببيان حجج الله ، وإيضاح براهينه ، وصرخ بين ظهراني من ضادّ الله وعانده ولم يمتثل لشرعه كطوائف المبتدعة ، وقد رأينا من هذا في أنفسنا وسمعنا منه في غيرنا ما يزيد المؤمن إيماناً وصلابة في دين الله وشدّة شكيمة في القيام بحجة الله ، وكل ما يظنه متزلزلو الأقدام ، ومضطربو القلوب ، من نزول الضرر بهم وحصول المحن عليهم فهو خيالات مختلة وتوهمات باطلة ، فإن كل محنة في الظاهر هي منحة في الحقيقة ، لأنها لا تأتي إلا بخير في الأولى والأخرى { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } قۤ 37 . قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } . جملة متضمنة لتعليل ما سبق من العصمة أي إن الله لا يجعل لهم سبيلاً إلى الإضرار بك ، فلا تخف وبلغ ما أمرت بتبليغه . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد قال لما نزلت { بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } قال " يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع ؟ يجتمع عليّ الناس " ، فنزلت { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } . وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذبيّ ، فوعدني لأبلغن أو ليعذبني ، فأنزلت { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلغ رسالته . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خمّ ، في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود قال كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس » . وأخرج ابن ابن أبي حاتم ، عن عنترة ، قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إن ناساً يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئاً لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ، فقال ألم تعلم أنّ الله قال { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } والله ما ورّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء في بيضاء . وأخرج ابن مردويه ، والضياء في المختارة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيّ آية أنزلت من السماء أشدّ عليك ؟ فقال " كنت بمنى أيام موسم الحج ، فاجتمع مشركو العرب وأفناء الناس في الموسم ، فأنزل عليّ جبريل " فقال { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } الآية ، قال " فقمت عند العقبة فناديت يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي وله الجنة ، أيها الناس قولوا لا إله إلا الله وأنا رسول الله إليكم ، تفلحوا وتنجحوا ولكم الجنة " ، قال " فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبيّ إلا يرمون بالتراب والحجارة ويبزقون في وجهي ويقولون كذب صابىء ، فعرض عليّ عارض فقال يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك " ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " اللهمّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون " ، فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه . قال الأعمش فبذلك يفتخر بنو العباس ويقولون فيهم نزلت { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء } القصص 56 هوى النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا طالب ، وشاء الله عباس بن عبد المطلب . وأخرج عبد بن حميد ، والترمذي وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل ، عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } فأخرج رأسه من القبة فقال " أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله " قال الحاكم في المستدرك صحيح الإسناد ولم يخرّجاه . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه من حديث أبي سعيد . وقد روى في هذا المعنى أحاديث . وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل ، فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه ، فقال الوارث من بني النجار لأقتلنّ محمداً ، فقال له أصحابه كيف تقتله ؟ قال أقول له أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به فأتاه فقال يا محمد أعطني سيفك أشمه ، فأعطاه إياه ، فرعدت يده حتى سقط السيف من يده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حال الله بينك وبين ما تريد " ، فأنزل الله سبحانه { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } الآية . قال ابن كثير وهذا حديث غريب من هذا الوجه . وأخرج ابن حبان في صحيحه ، وابن مردويه عن أبي هريرة نحو هذه القصة ، ولم يسمّ الرجل . وأخرج ابن جرير من حديث محمد بن كعب القرظي نحوه ، وفي الباب روايات . وقصة غورث بن الحارث ثابتة في الصحيح ، وهي معروفة مشهورة .