Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 76-81)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا القول إلزاماً لهم وقطعاً لشبهتهم ، أي أتعبدون من دون الله متجاوزين إياه ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً ؟ بل هو عبد مأمور ، وما جرى على يده من النفع ، أو دفع من الضر ، فهو بإقدار الله له وتمكينه منه ، وأما هو فهو يعجز عن أن يملك لنفسه شيئاً من ذلك ، فضلاً عن أن يملكه لغيره ، ومن كان لا ينفع ولا يضر فكيف تتخذونه إلٰهاً وتعبدونه ، وأي سبب يقتضي ذلك ؟ والمراد هنا المسيح عليه السلام ، وقدّم سبحانه الضرّ على النفع لأن دفع المفاسد أهمّ من جلب المصالح . { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي كيف تعبدون ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً ، والحال أن الله هو السميع العليم ، ومن كان كذلك فهو القادر على الضرّ والنفع لإحاطته بكل مسموع ومعلوم ، ومن جملة ذلك مضارّكم ومنافعكم . قوله { تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ } لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة ، نهاهم عن الغلوّ في دينهم ، وهو المجاوزة للحد كإثبات الإلٰهية لعيسى ، كما يقوله النصارى ، أو حطه عن مرتبته العلية ، كما يقوله اليهود فإن كل ذلك من الغلوّ المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط ، واختيارهما على طريق الصواب . " وَغَيْرَ " منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي غلوّاً غير غلوّ الحق ، وأما الغلوّ في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه ، واستخراج حقائقه فليس بمذموم ، وقيل إن النصب على الاستثناء المتصل وقيل على المنقطع { وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } وهم أسلاف أهل الكتاب من طائفتي اليهود والنصارى ، أي قبل البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً } من الناس { وَضَلُّواْ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أي عن قصدهم طريق محمد صلى الله عليه وسلم بعد البعثة ، والمراد أن أسلافهم ضلوا من قبل البعثة وأضلوا كثيراً من الناس إذ ذاك ، وضلوا من بعد البعثة ، إما بأنفسهم ، أو جعل ضلال من أضلوه ضلالاً لهم لكونهم سنوا لهم ذلك ونهجوه لهم وقيل المراد بالأول كفرهم بما يقتضيه العقل ، وبالثاني كفرهم بما يقتضيه الشرع . قوله { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ } أي لعنهم الله سبحانه { عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودُ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } أي في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى بما فعلوه من المعاصي ، كاعتدائهم في السبت ، وكفرهم بعيسى . قوله { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ } جملة مستأنفة جواب عن سؤال مقدر ، والإشارة بذلك إلى اللعن ، أي ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر ، ثم بين سبحانه المعصية والاعتداء بقوله { كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } ، فأسند الفعل إليهم لكونه فاعله من جملتهم وإن لم يفعلوه جميعاً . والمعنى أنهم كانوا لا ينهون العاصي عن معاودة معصية قد فعلها ، أو تهيأ لفعلها ، ويحتمل أن يكون وصفهم بأنهم قد فعلوا المنكر باعتبار حالة النزول لا حالة ترك الإنكار ، وبيان العصيان والاعتداء بترك التناهي عن المنكر لأن من أخلّ بواجب النهي عن المنكر فقد عصى الله سبحانه وتعدّى حدوده . والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ القواعد الإسلامية ، وأجلّ الفرائض الشرعية ، ولهذا كان تاركه شريكاً لفاعل المعصية ، ومستحقاً لغضب الله وانتقامه كما وقع لأهل السبت ، فإن الله سبحانه مسخ من لم يشاركهم في الفعل ، ولكن ترك الإنكار عليهم ، كما مسخ المعتدين فصاروا جميعاً قردة وخنازير { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } قۤ 37 ثم إن الله سبحانه قال مقبحاً لعدم التناهي عن المنكر { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } أي من تركهم لإنكار ما يجب عليهم إنكاره { تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ } أي من اليهود مثل كعب بن الأشرف وأصحابه { يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي المشركين وليسوا على دينهم { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ } أي سولت وزينت ، أو ما قدّموه لأنفسهم ليردوا عليه يوم القيامة ، والمخصوص بالذم هو { أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } أي موجب سخط الله عليهم على حذف مضاف أو هو سخط الله عليهم على حذف المبتدأ . وقيل هو أي أن سخط الله عليهم بدل من " ما " { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ } أي نبيهم { وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } من الكتاب { مَا اتَّخَذُوهُمْ } أي المشركين { أَوْلِيَاء } لأن الله سبحانه ، ورسوله المرسل إليهم ، وكتابه المنزل عليهم قد نهوهم عن ذلك { وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } أي خارجون عن ولاية الله وعن الإيمان به وبرسوله وبكتابه . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله { لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ } يقول لا تبتدعوا . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال كانوا مما غلوا فيه أن دعوا لله صاحبة وولداً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { وَضَلُّواْ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } قال يهود . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أوّل ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحلّ لك ، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض " ثم قال { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُود } إلى قوله { فَـٰسِقُونَ } ثم قال " كلا ، والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً " وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً فلا نطول بذكرها . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُود } يعني في الزبور { وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } يعني في الإنجيل . وأخرج أبو عبيد ، وعبد بن حميد وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي مالك الغفاري في الآية قال لعنوا على لسان داود فجعلوا قردة ، وعلى لسان عيسى فجعلوا خنازير . وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله . وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن قتادة نحوه . وأخرج الديلمي في مسند الفردوس ، عن أبي عبيدة ابن الجراح مرفوعاً " قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أوّل النهار ، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عبادهم فأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعاً في آخر النهار ، فهم الذين ذكر الله { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ } الآيات " وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ } قال ما أمرتهم . وأخرج ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوىء الأخلاق ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان . وضعفه ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا معشر المسلمين إياكم والزنا ، فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فذهاب البهاء ، ودوام الفقر ، وقصر العمر وأما التي في الآخرة فسخط الله ، وسوء الحساب ، والخلود في النار ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ } " قال ابن كثير في تفسيره هذا الحديث ضعيف على كل حال . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء } قال المنافقون .