Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 89-89)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم تفسير اللغو ، والخلاف فيه ، في سورة البقرة ، و { فِى أَيْمَـٰنِكُمْ } صلة { يُؤَاخِذُكُمُ } ، قيل و " فِى " بمعنى " من " والأيمان جمع يمين . وفي الآية دليل على أن أيمان اللغو لا يؤاخذ الله الحالف بها ، ولا تجب فيها كفارة . وقد ذهب الجمهور من الصحابة ، ومن بعدهم ، إلى أنها قول الرجل لا والله وبلى والله في كلامه ، غير معتقد لليمين ، وبه فسر الصحابة الآية وهم أعرف بمعاني القرآن . قال الشافعي وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة . قوله { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأيْمَـٰنَ } قرىء بتشديد { عقدتم } وبتخفيفه ، وقرىء « عاقدتم » . والعقد على ضربين حسي ، كعقد الحبل وحكمي ، كعقد البيع ، واليمين ، والعهد . قال الشاعر @ قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا @@ فاليمين المعقدة من عقد القلب ليفعلن أو لايفعلن في المستقبل ، أي ولكن يؤاخذكم بأيمانكم المعقدة الموثقة بالقصد والنية إذا حنثتم فيها . وأما اليمين الغموس فهي يمين مكر وخديعة ، وكذب قد باء الحالف بإثمها ، وليست بمعقودة ولا كفارة فيها كما ذهب إليه الجمهور ، وقال الشافعي هي يمين معقودة لأنها مكتسبة بالقلب معقودة بخبر مقرونة باسم الله ، والراجح الأول ، وجميع الأحاديث الواردة في تكفير اليمين متوجهة إلى المعقودة ولا يدل شيء منها على الغموس ، بل ما ورد في الغموس إلا الوعيد والترهيب ، وأنها من الكبائر ، بل من أكبر الكبائر ، وفيها نزل قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا } الآية آل عمران 77 . قوله { فَكَفَّارَتُهُ } الكفارة هي مأخوذة من التكفير وهو التستير ، وكذلك الكفر هو الستر ، والكافر هو الساتر ، لأنها تستر الذنب وتغطيه ، والضمير في { كفارته } راجع إلى « ما » في قوله { بِمَا عَقَّدتُّمُ } . { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } المراد بالوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير ، وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع ، أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه ، ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه ، ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه ، وظاهره أنه يجزىء إطعام عشرة حتى يشبعوا . وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال لا يجزىء إطعام العشرة غداء دون عشاء حتى يغديهم ويعشيهم . قال أبو عمر هو قول أئمة الفتوى بالأمصار . وقال الحسن البصري وابن سيرين يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزاً وسمناً ، أو خبزاً ولحماً . وقال عمر بن الخطاب ، وعائشة ، ومجاهد ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وميمون بن مهران ، وأبو مالك ، والضحاك والحكم ، ومكحول ، وأبو قلابة ، ومقاتل يدفع إلى كل واحد من العشرة نصف صاع من برّ أو تمر . وروي ذلك عن عليّ . وقال أبو حنيفة نصف صاع برّ وصاع مما عداه . وقد أخرج ابن ماجه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال كفَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وكفَّر الناس به ، ومن لم يجد فنصف صاع من برّ ، وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي وهو مجمع على ضعفه . وقال الدارقطني متروك . قوله { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } عطف على إطعام . قرىء بضم الكاف وكسرها وهما لغتان مثل أسوة وإسوة . وقرأ سعيد بن جبير ، ومحمد بن السميفع اليماني « أو كإسوتهم » يعني كإسوة أهليكم ، والكسوة في الرجال تصدق على ما يكسو البدن ، ولو كان ثوباً واحداً ، وهكذا في كسوة النساء وقيل الكسوة للنساء درع وخمار وقيل المراد بالكسوة ما تجزىء به الصلاة . قوله { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي إعتاق مملوك ، والتحرير الإخراج من الرقّ ، ويستعمل التحرير في فكّ الأسير وإعفاء المجهود بعمل عن عمله وترك إنزال الضرر به ، ومنه قول الفرزدق @ أبني غدانة أنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال @@ أي حررتكم من الهجاء الذي كان سيضع منكم ويضرّ بأحسابكم . ولأهل العلم أبحاث في الرقبة التي تجزىء في الكفارة ، وظاهر هذه الآية أنها تجزىء كل رقبة على أيّ صفة كانت . وذهب جماعة منهم الشافعي إلى اشتراط الإيمان فيها قياساً على كفارة القتل { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ } أي فمن لم يجد شيئاً من الأمور المذكورة فكفارته صيام ثلاثة أيام ، وقرىء « متتابعات » حكى ذلك عن ابن مسعود وأبيّ ، فتكون هذه القراءة مقيدة لمطلق الصوم . وبه قال أبو حنيفة والثوري ، وهو أحد قول الشافعي . وقال مالك ، والشافعي في قوله الآخر يجزىء التفريق { ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } أي ذلك المذكور كفارة أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم ، ثم أمرهم بحفظ الأيمان ، وعدم المسارعة إليها أو إلى الحنث بها ، والإشارة بقوله { كَذٰلِكَ } إلى مصدر الفعل المذكور بعده ، أي مثل ذلك البيان { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ } وقد تكرّر هذا في مواضع من الكتاب العزيز ، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ما أنعم به عليكم من بيان شرائعه وإيضاح أحكامه . وقد أخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال لما نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } في القوم الذين كانوا حرّموا على أنفسهم النساء واللحم قالوا يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ فأنزل الله { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ } وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير ، في اللغو قال هو الرجل يحلف على الحلال . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال هما الرجلان يتبايعان ، يقول أحدهما والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر والله لا أشتريه بكذا . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن النخعي قال اللغو أن يصل كلامه بالحلف والله لتأكلنّ والله لتشربنّ ونحو هذا لا يريد به يميناً ولا يتعمد حلفاً ، فهو لغو اليمين ليس عليه كفارة ، وقد تقدّم الكلام في البقرة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَـٰنَ } قال بما تعمدتم . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن قتادة نحوه . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم كفارة اليمين مدّاً من حنطة ، وفي إسناده النضر بن زرارة بن عبد الكريم الذهلي الكوفي . قال أبو حاتم مجهول ، وذكره ابن حبان في الثقات . وقد تقدّم حديث ابن عباس وتضعيفه . وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر قالت كنا نعطي في كفارة اليمين بالمدّ الذي نقتات به ، وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن عمر بن الخطاب قال إني أحلف لا أعطي أقواماً ، ثم يبدو لي فأعطيهم ، فأطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر أو نصف صاع من قمح . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عليّ بن أبي طالب قال في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة . وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس مثله . وأخرج عنه عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ من طرق قال في كفارة اليمين مدّ من حنطة لكل مسكين . وأخرج هؤلاء إلا ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت مثله . وأخرج هؤلاء أيضاً عن ابن عمر مثله . وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة مثله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عليّ ابن أبي طالب قال تغديهم وتعشيهم إن شئت خبزاً ولحماً ، أو خبزاً وزيتاً ، أو خبزاً وسمناً ، أو خبزاً وتمراً . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قال من عسركم ويسركم . وأخرج ابن ماجه عنه قال كان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه سعة ، وكان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه شدّة ، فنزلت { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه عنه نحو ذلك . وأخرج الطبراني وابن مردويه ، عن عائشة عن النبيّ صلى الله عيله وسلم في قوله { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } قال " عباءة لكل مسكين " ، قال ابن كثير حديث غريب . وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال قلت يا رسول الله { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } ما هو ؟ قال " عباءة عباءة " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال عباءة لكل مسكين أو شملة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر قال الكسوة ثوب أو إزار . وأخرج ابن جرير ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس قال في كفارة اليمين هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة الأوّل فالأوّل ، فإن لم يجد من ذلك شيئاً فصيام ثلاثة أيام متتابعات . وأخرج ابن مردويه عنه نحوه .