Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 5-10)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } لما ذكر سبحانه المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادّين ، والمحادّة المشاقة ، والمعاداة ، والمخالفة ، ومثله قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } المجادلة 20 قال الزجاج المحادّة أن تكون في حدّ يخالف صاحبك ، وأصلها الممانعة ، ومنه الحديد ، ومنه الحدّاد للبوّاب { كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي أذلوا وأخزوا ، يقال كبت الله فلاناً إذا أذله ، والمردود بالذلّ يقال له مكبوت . قال المقاتلان أخزوا ، كما أخزي الذين من قبلهم من أهل الشرك ، وكذا قال قتادة ، وقال أبو عبيدة ، والأخفش أهلكوا . وقال ابن زيد عذبوا . وقال السديّ لعنوا . وقال الفرّاء أغيظوا ، والمراد بمن قبلهم كفار الأمم الماضية المعادين لرسل الله ، وعبّر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه ، وقيل المعنى على المضيّ ، وذلك ما وقع للمشركين يوم بدر ، فإن الله كبتهم بالقتل والأسر ، والقهر ، وجملة { وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايَـٰتٍ بَيّنَـٰتٍ } في محل نصب على الحال من الواو في كبتوا ، أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حادّ الله ورسله من الأمم المتقدّمة ، وقيل المراد الفرائض التي أنزلها الله سبحانه ، وقيل هي المعجزات { وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي للكافرين بكل ما يجب الإيمان به . فتدخل الآيات المذكورة هنا دخولاً أوّلياً ، والعذاب المهين الذي يهين صاحبه ، ويذله ، ويذهب بعزّه { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً } الظرف منتصب بإضمار اذكر ، أو بمهين ، أو بما تعلق به اللام من الاستقرار ، أو بأحصاه المذكور بعده ، وانتصاب { جميعاً } على الحال ، أي مجتمعين في حالة واحدة ، أو يبعثهم كلهم لا يبقي منهم أحد غير مبعوث { فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } أي يخبرهم بما عملوه في الدنيا من الأعمال القبيحة توبيخاً لهم وتبكيتاً ، ولتكميل الحجة عليهم ، وجملة { أَحْصَـٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل كيف ينبئهم بذلك على كثرته واختلاف أنواعه ، فقيل أحصاه الله جميعاً ، ولم يفته منه شيء ، والحال أنهم قد نسوه ولم يحفظوه ، بل وجدوه حاضراً مكتوباً في صحائفهم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } لا يخفى عليه شيء من الأشياء ، بل هو مطلع وناظر . ثم أكّد سبحانه بيان كونه عالماً بكل شيء ، فقال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } أي ألم تعلم أن علمه محيط بما فيهما بحيث لا يخفى عليه شيء مما فيهما ، وجملة { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } إلخ مستأنفة لتقرير شمول علمه وإحاطته بكل المعلومات . قرأ الجمهور { يكون } بالتحتية . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ، والأعرج ، وأبو حيوة بالفوقية ، وكان على القراءتين تامة ، و " من " مزيدة للتأكيد ، ونجوى فاعل كان ، والنجوى السرار ، يقال قوم نجوى ، أي ذو نجوى ، وهي مصدر . والمعنى ما يوجد من تناجي ثلاثة ، أو من ذوي نجوى ، ويجوز أن تطلق النجوى على الأشخاص المتناجين ، فعلى الوجه الأوّل انخفاض ثلاثة بإضافة نجوى إليه ، وعلى الوجهين الآخرين يكون انخفاضها على البدل من نجوى ، أو الصفة لها . قال الفرّاء ثلاثة نعت للنجوى ، فانخفضت ، وإن شئت أضفت نجوى إليها ، ولو نصبت على إضمار فعل جاز ، وهي قراءة ابن أبي عبلة ، ويجوز رفع ثلاثة على البدل من موضع نجوى { إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } هذه الجملة في موضع نصب على الحال ، وكذا قوله { إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } { إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } أي ما يوجد شيء من هذه الأشياء إلاّ في حال من هذه الأحوال ، فالاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال ، ومعنى رابعهم جاعلهم أربعة ، وكذا سادسهم جاعلهم ستة من حيث إنه يشاركهم في الاطلاع على تلك النجوى { وَلاَ خَمْسَةٍ } أي ولا نجوى خمسة ، وتخصيص العددين بالذكر لأن أغلب عادات المتناجين أن يكونوا ثلاثة ، أو خمسة أو كانت الواقعة التي هي سبب النزول في متناجين كانوا ثلاثة في موضع ، وخمسة في موضع . قال الفراء العدد غير مقصود لأنه سبحانه مع كل عدد قلّ أو كثر ، يعلم السر والجهر ، لا تخفى عليه خافية { وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } أي ولا أقلّ من العدد المذكور كالواحد والاثنين ، ولا أكثر منه كالستة والسبعة إلاّ هو معهم يعلم ما يتناجون به لا يخفى عليه منه شيء . قرأ الجمهور { ولا أكثر } بالجرّ بالفتحة عطفاً على لفظ نجوى . وقرأ الحسن ، والأعمش ، وابن أبي إسحاق ، وأبو حيوة ، ويعقوب ، وأبو العالية ، ونصر ، وعيسى بن عمر ، وسلام بالرفع عطفاً على محل نجوى . وقرأ الجمهور { ولا أكثر } بالمثلثة . وقرأ الزهري ، وعكرمة بالموحدة . قال الواحدي قال المفسرون إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم ، ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم ، فيحزنون لذلك ، فلما طال ذلك وكثر شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا عن ذلك ، وعادوا إلى مناجاتهم ، فأنزل الله هذه الآيات ، ومعنى { أَيْنَمَا كَانُواْ } إحاطة علمه بكل تناج يكون منهم في أيّ مكان من الأمكنة { ثُمَّ يُنَبّئُهُم } أي يخبرهم { بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } توبيخاً لهم ، وتبكيتاً ، وإلزاماً للحجة { أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } لا يخفى عليه شيء كائناً ما كان . { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } هؤلاء الذين نهوا ، ثم عادوا لما نهوا عنه ، هم من تقدّم ذكره من المنافقين واليهود . قال مقاتل كان بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين اليهود مواعدة ، فإذا مرّ بهم الرجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظنّ المؤمن شرّاً ، فنهاهم الله ، فلم ينتهوا ، فنزلت . وقال ابن زيد كان الرجل يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيسأله الحاجة ، ويناجيه ، والأرض يومئذٍ حرب ، فيتوهمون أنه يناجيه في حرب ، أو بلية ، أو أمر مهمّ ، فيفزعون لذلك { وَيَتَنَـٰجَوْنَ بِٱلإثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } قرأ الجمهور { يتناجون } بوزن يتفاعلون ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وأبو حاتم ، لقوله فيما بعد { إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَـٰجَوْاْ } . وقرأ حمزة ، وخلف ، وورش عن يعقوب وينتجون بوزن يفتعلون ، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه ، وحكى سيبويه أن تفاعلوا وافتعلوا يأتيان بمعنى واحد نحو تخاصموا واختصموا ، وتقاتلوا واقتتلوا ، ومعنى الإثم ما هو إثم في نفسه كالكذب والظلم ، والعدوان ما فيه عدوان على المؤمنين ، ومعصية الرسول مخالفته . قرأ الجمهور { ومعصية } بالإفراد . وقرأ الضحاك ، وحميد ، ومجاهد ومعصيات بالجمع { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ } قال القرطبي إن المراد بها اليهود كانوا يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فيقولون السام عليك يريدون بذلك السلام ظاهراً ، وهم يعنون الموت باطناً ، فيقول النبيّ صلى الله عليه وسلم " عليكم " وفي رواية أخرى " وعليكم " { وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ } أي فيما بينهم { لَوْلاَ يُعَذّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } أي هلا يعذبنا بذلك ، ولو كان محمد نبياً لعذبنا بما يتضمنه قولنا من الاستخفاف به . وقيل المعنى لو كان نبياً لاستجيب له فينا حيث يقول وعليكم ، ووقع علينا الموت عند ذلك { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } عذاباً { يَصْلَوْنَهَا } يدخلونها { فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي المرجع ، وهو جهنم . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَـٰجَوْاْ بِٱلإثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ ٱلرَّسُولِ } لما فرغ سبحانه عن نهي اليهود والمنافقين عن النجوى أرشد المؤمنين إذا تناجوا فيما بينهم أن لا يتناجوا بما فيه إثم وعدوان ، ومعصية لرسول الله ، كما يفعله اليهود والمنافقون . ثم بيّن لهم ما يتناجون به في أنديتهم وخلواتهم ، فقال { وَتَنَـٰجَوْاْ بِٱلْبِرّ وَٱلتَّقْوَىٰ } أي بالطاعة وترك المعصية ، وقيل الخطاب للمنافقين ، والمعنى يا أيها الذين آمنوا ظاهراً ، أو بزعمهم ، واختار هذا الزجاج . وقيل الخطاب لليهود . والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى ، والأوّل أولى ، ثم خوفهم سبحانه ، فقال { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ، فيجزيكم بأعمالكم . ثم بيّن سبحانه أن ما يفعله اليهود والمنافقون من التناجي هو من جهة الشيطان ، فقال { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ } يعني بالإثم والعدوان ، ومعصية الرسول { مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } لا من غيره ، أي من تزيينه وتسويله { لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي لأجل أن يوقعهم في الحزن بما يحصل لهم من التوهم أنها في مكيدة يكادون بها { وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئاً } أو ، وليس الشيطان ، أو التناجي الذي يزينه الشيطان بضارّ المؤمنين شيئًا من الضرر { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي بمشيئته ، وقيل بعلمه { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي يكلون أمرهم إليه ، ويفوّضونه في جميع شؤونهم ، ويستعيذون بالله من الشيطان ، ولا يبالون بما يزينه من النجوى . وقد أخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والبزار ، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب . قال السيوطي بسندٍ جيد عن ابن عمر إن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم السام عليك ، يريدون بذلك شتمه ، ثم يقولون في أنفسهم { لولا يعذبنا الله بما نقول } ، فنزلت هذه الآية { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ } . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، والترمذي وصححه عن أنس أن يهودياً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال السام عليكم ، فردّ عليه القوم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " هل تدرون ما قال هذا " ؟ قالوا الله أعلم ، سلم يا نبيّ الله ، قال " لا ، ولكنه قال كذا ، وكذا ، ردّوه عليّ " فردّوه ، قال " قلت السام عليكم ؟ " قال نعم ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم عند ذلك " إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب ، فقولوا عليك ، ما قلت " قال { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ } . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود ، فقالوا السام عليك يا أبا القاسم ، فقالت عائشة عليكم السام واللعنة ، فقال " يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا المتفحش " ، قلت ألا تسمعهم يقولون السام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو ما سمعتني أقول وعليكم " فأنزل الله { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حيوه سام عليك ، فنزلت . وأخرج ابن مردويه عنه قال كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية وأغزاها ، التقى المنافقون ، فأنغضوا رءوسهم إلى المسلمين ، ويقولون قتل القوم ، وإذا رأوا رسول الله تناجوا وأظهروا الحزن ، فبلغ ذلك من النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن المسلمين ، فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَـٰجَوْاْ بِٱلإثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ ٱلرَّسُولِ } الآية . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ثلاثة ، فلا يتناجى اثنان دون الثالث ، فإن ذلك يحزنه " وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أبي سعيد قال كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرقه أمر ، أو يأمر بشيء ، فكثر أهل النوب والمحتسبون ليلة حتى إذا كنا أنداء نتحدّث ، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فقال " ما هذه النجوى ؟ ألم تنهوا عن النجوى " ؟ قلنا يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيح فرقاً منه ، فقال " ألا أخبركم مما هو أخوف عليكم عندي منه " ؟ قلنا بلى يا رسول الله . قال " الشرك الخفيّ أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل " قال ابن كثير هذا إسناد غريب ، وفيه بعض الضعفاء .