Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 100-103)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا الكلام يتضمن ذكر نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم . قال النحاس { الجنّ } المفعول الأوّل ، و { شركاء } المفعول الثاني كقوله تعالى { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } المائدة 20 { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } المدثر 12 وأجاز الفراء أن يكون الجنّ بدلاً من شركاء ومفسراً له . وأجاز الكسائي رفع الجنّ بمعنى هم الجنّ ، كأنه قيل من هم ؟ فقيل الجنّ ، وبالرفع قرأ يزيد بن أبي قطيب ، وأبو حيان ، وقرىء بالجر على إضافة شركاء إلى الجنّ للبيان . والمعنى أنهم جعلوا شركاء لله فعبدوهم كما عبدوه ، وعظموهم كما عظموه . وقيل المراد بالجنّ هاهنا الملائكة لاجتنانهم ، أي استتارهم ، وهم الذين قالوا الملائكة بنات الله . وقيل نزلت في الزنادقة الذين قالوا إن الله تعالى وإبليس أخوان ، فالله خالق الناس والدوابّ ، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب . وروي ذلك عن الكلبي ، ويقرب من هذا قول المجوس ، فإنهم قالوا للعالم صانعان هما الربّ سبحانه والشيطان . وهكذا القائلون كل خير من النور ، وكل شرّ من الظلمة ، وهم المانوية . قوله { وَخَلَقَهُمْ } جملة حالية بتقدير قد ، أي وقد علموا أن الله خلقهم ، أو خلق ما جعلوه شريكاً لله . قوله { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ } قرأ نافع بالتشديد على التكثير ، لأن المشركين ادّعوا أن الملائكة بنات الله ، والنصارى ادّعوا أن المسيح ابن الله ، واليهود ادّعوا أن عزيراً ابن الله ، فكثر ذلك من كفرهم فشدّد الفعل لمطابقة المعنى . وقرأ الباقون بالتخفيف . وقرىء " حرفوا " من التحريف أي زوّروا . قال أهل اللغة معنى { خرقوا } اختلقوا وافتعلوا وكذبوا ، يقال اختلق الإفك ، واخترقه وخرقه ، أو أصله من خرق الثوب إذا شقه ، أي اشتقوا له بنين وبنات . قوله { بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلق بمحذوف هو حال ، أي كائنين بغير علم ، بل قالوا ذلك عن جهل خالص ، ثم بعد حكاية هذا الضلال البين ، والبهت الفظيع من جعل الجنّ شركاء لله ، وإثبات بنين وبنات له ، نزه الله نفسه ، فقال { سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } وقد تقدّم الكلام في معنى { سبحانه } . ومعنى { تعالى } تباعد وارتفع عن قولهم الباطل الذي وصفوه به . قوله { بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } أي مبدعهما ، فكيف يجوز أن { يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } وقد جاء البديع بمعنى المبدع ، كالسميع بمعنى المسمع كثيراً ، ومنه قول عمرو بن معدي كرب @ أمن ريحانة الدَّاعى السَّميع يؤرقني وأصحابي هجوع @@ أي المسمع . وقيل هو من إضافة الصفة المشبهة إلى الفاعل ، والأصل بديع سمواته وأرضه . وأجاز الكسائي خفضه على النعت لله . والظاهر أن رفعه على تقدير مبتدأ محذوف ، أو على أنه مبتدأ وخبره { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } . وقيل هو مرفوع على أنه فاعل { تعالى } ، وقرىء بالنصب على المدح ، والاستفهام في { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } للإنكار والاستبعاد ، أي من كان هذا وصفه ، وهو أنه خالق السموات والأرض وما فيهما ، كيف يكون له ولد ؟ وهو من جملة مخلوقاته ، وكيف يتخذ ما يخلقه ولداً ، ثم بالغ في نفي الولد ، فقال { وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ } أي كيف يكون له ولد والحال أنه لم تكن له صاحبة ؟ والصاحبة إذا لم توجد استحال وجود الولد ، وجملة { وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء } لتقرير ما قبلها ، لأن من كان خالقاً لكل شيء استحال منه أن يتخذ بعض مخلوقاته ولداً { وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } لا تخفى عليه من مخلوقاته خافية ، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى الأوصاف السابقة ، وهو في موضع رفع على الابتداء وما بعده خبره ، وهو الاسم الشريف ، و { رَبُّكُـمْ } خبر ثان ، و { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } خبر ثالث ، و { خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } خبر رابع ، ويجوز أن يكون { ٱللَّهُ رَبُّكُمُ } بدلاً من اسم الإشارة ، وكذلك { لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } خبر المبتدأ ، ويجوز ارتفاع خالق على إضمار مبتدأ ، وأجاز الكسائي والفراء النصب فيه . { فَٱعْبُدُوهُ } أي من كانت هذه صفاته ، فهو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا غيره ممن ليس له من هذه الصفات العظيمة شيء . قوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأبْصَـٰرُ } الأبصار جمع بصر ، وهو الحاسة ، وإدراك الشيء عبارة عن الإحاطة به . قال الزجاج أي لا تبلغ كنه حقيقته ، فالمنفيّ هو هذا الإدراك لا مجرّد الرؤية . فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواتراً لا شك فيه ولا شبهة ، ولا يجهله إلا من يجهل السنة المطهرة جهلاً عظيماً ، وأيضاً قد تقرّر في علم البيان ، والميزان أن رفع الإيجاب الكلي سلب جزئي ، فالمعنى لا تدركه بعض الأبصار وهي أبصار الكفار ، هذا على تسليم أن نفي الإدراك يستلزم نفي الرؤية ، فالمراد به هذه الرؤية الخاصة ، والآية من سلب العموم لا من عموم السلب ، والأوّل تخلفه الجزئية ، والتقدير لا تدركه كل الأبصار بل بعضها ، وهي أبصار المؤمنين . والمصير إلى أحد الوجهين متعين لما عرّفناك من تواتر الرؤية في الآخرة ، واعتضادها بقوله تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } الآية القيامة 22 . قوله { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأبْصَـٰرَ } أي يحيط بها ويبلغ كنهها لا تخفى عليه منها خافية ، وخصّ الأبصار ليجانس ما قبله . وقال الزجاج في هذا دليل على أن الخلق لا يدركون الأبصار ، أي لا يعرفون كيفية حقيقة البصر ، وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه انتهى . { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ } أي الرفيق بعباده ، يقال لطف فلان بفلان أي رفق به ، واللطف في العمل الرفق به . واللطف من الله التوفيق والعصمة ، وألطفه بكذا إذا أبرّه . والملاطفة المبارّة . هكذا قال الجوهري وابن فارس ، و { ٱلْخَبِيرُ } المختبر بكل شيء بحيث لا يخفى عليه شيء . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ } قال والله خلقهم { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } قال تخرّصوا . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه في قوله { وَخَرَقُواْ } قال جعلوا وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال كذبوا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، والعقيلي ، وابن عدي وأبو الشيخ ، وابن مردويه بسند ضعيف ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } قال " لو أن الإنس والجنّ والملائكة والشياطين منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفاً واحداً ما أحاطوا بالله أبداً " قال الذهبي هذا حديث منكر انتهى . وفي إسناده عطية العوفى وهو ضعيف . وأخرج الترمذي وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال رأى محمد ربه . قال عكرمة فقلت له أليس الله يقول { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } قال لا أمّ لك ، ذاك نوره ، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء . وفي لفظ « إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر » . وأخرج ابن جرير عنه قال لا يحيط بصر أحد بالله . وأخرج أبو الشيخ ، والبيهقي في كتاب الرؤية ، عن الحسن في قوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأبْصَـٰرُ } قال في الدنيا . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن إسماعيل بن علية مثله .