Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 114-117)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ } الاستفهام للإنكار ، والفاء للعطف على فعل مقدّر ، والكلام هو على إرادة القول ، والتقدير قل لهم يا محمد كيف أضلّ أوابتغى غير الله حكماً ؟ و " غير " مفعول لأبتغي مقدّم عليه ، وحكماً المفعول الثاني أو العكس . ويجوز أن ينتصب { حكماً } على الحال ، والحكم أبلغ من الحاكم كما تقرر في مثل هذه الصفة المشتقة ، أمره الله سبحانه وتعالى أن ينكر عليهم ما طلبوه منه ، من أن يجعل بينه وبينهم حكماً فيما اختلفوا فيه ، وإن الله هو الحكم العدل بينه وبينهم ، وجملة { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلاً } في محل نصب على الحال ، أي كيف أطلب حكماً غير الله ، وهو الذي أنزل عليكم القرآن مفصلاً مبيناً واضحاً ، مستوفياً لكل قضية على التفصيل ؟ ثم أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن أهل الكتاب ، وإن أظهروا الجحود والمكابرة ، فإنهم يعلمون أن القرآن منزل من عند الله بما دلّتهم عليه كتب الله المنزلة ، كالتوراة والإنجيل ، من أنه رسول الله وأنه خاتم الأنبياء ، و { بِٱلْحَقّ } متعلق بمحذوف وقع حالاً ، أي متلبساً بالحق الذي لا شك فيه ولا شبهة ، ثم نهاه الله عن أن يكون من الممترين في أن أهل الكتاب يعلمون بأن القرآن منزل من عند الله بالحق ، أو نهاه عن مطلق الامتراء ، ويكون ذلك تعريضاً لأمته عن أن يمتري أحد منهم ، أو الخطاب لكل من يصلح له ، أي فلا يكوننّ أحد من الناس من الممترين ، ولا يقدح في ذلك كون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن خطابه خطاب لأمته . قوله { وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً } قرأ أهل الكوفة { كلمة } بالتوحيد ، وقرأ الباقون بالجمع ، والمراد بالكلمات العبارات أو متعلقاتها من الوعد والوعيد . والمعنى أن الله قد أتمّ وعده ووعيده ، فظهر الحق وانطمس الباطل . وقيل المراد بالكلمة أو الكلمات القرآن ، و { صِدْقاً وَعَدْلاً } منتصبان على التمييز ، أو الحال ، على أنهما نعت مصدر محذوف ، أي تمام صدق وعدل { لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ } لا خلف فيها ولا مغير لما حكم به ، والجملة المنفية في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لكل مسموع { ٱلْعَلِيمُ } بكل معلوم . قوله { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أخبره الله سبحانه بأنه إذا رام طاعة أكثر من في الأرض أضلوه ، لأن الحق لا يكون إلا بيد الأقلين ، وهم الطائفة التي لا تزال على الحق ، ولا يضرّها خلاف من يخالفها ، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل المراد بالأكثر الكفار . وقيل المراد بالأرض مكة أي أكثر أهل مكة ، ثم علل ذلك سبحانه بقوله { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ما يتبعون إلا الظنّ الذي لا أصل له ، وهو ظنهم أن معبوداتهم تستحق العبادة وأنها تقربهم إلى الله { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي وما هم إلا يخرصون ، أي يحدسون ويقدّرون ، وأصل الخرص القطع ، ومنه خرص النخل يخرص إذا حزره ليأخذ منه الزكاة ، فالخارص يقطع بما لا يجوز القطع به ، إذ لا يقين منه . وإذا كان هذا حال أكثر من في الأرض ، فالعلم الحقيقي هو عند الله ، فاتبع ما أمرك به ، ودع عنك طاعة غيره ، وهو العالم بمن يضلّ عن سبيله ومن يهتدي إليه . قال بعض أهل العلم إن { أَعْلَمُ } في الموضعين بمعنى يعلم ، قال ومنه قول حاتم الطائي @ فحالفت طيّ من دوننا حلفا والله أعلم ما كنا لهم خولا @@ والوجه في هذا التأويل أن أفعل التفضيل لا ينصب الاسم الظاهر ، فتكون " من " منصوبة بالفعل الذي جعل أفعل التفضيل نائباً عنه . وقيل إن أفعل التفضيل على بابه والنصب بفعل مقدّر . وقيل إنها منصوبة بأفعل التفضيل ، أي إن ربك أعلم أيّ الناس يضلّ عن سبيله ، وقيل في محل نصب بنزع الخافض ، أي بمن يضلّ ، قاله بعض البصريين . وقيل في محل جرّ بإضافة أفعل التفضيل إليها . وقد أخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { مُفَصَّلاً } قال مبيناً . وأخرج عبد ابن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله { صِدْقاً وَعَدْلاً } قال صدقاً فيما وعد ، وعدلاً فيما حكم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وأبو نصر السجزي في الإبانة ، عن محمد بن كعب القرظي ، في قوله { لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ } قال لا تبديل لشيء قاله في الدنيا والآخرة لقوله { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ } قۤ 29 . وأخرج ابن مردويه ، وابن النجار ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { وَتَمَّتْ كَلِمَـةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } قال " لا إلٰه إلا الله " وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي اليمان عامر بن عبد الله قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم فتح مكة ، ومعه مخصرة ، ولكل قوم صنم يعبدونه ، فجعل يأتيها صنماً صنماً ويطعن في صدر الصنم بعصا ثم يعقره ، فكلما طعن صنماً أتبعه ضرباً بالقوس حتى يكسروه ويطرحوه خارجاً من المسجد ، والنبيّ يقول { وَتَمَّتْ * كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدّلِ لِكَلِمَـٰتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } .