Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 121-121)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نهى الله سبحانه عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، بعد أن أمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه ، وفيه دليل على تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه . وقد اختلف أهل العلم في ذلك ، فذهب ابن عمر ، ونافع مولاه ، والشعبي ، وابن سيرين وهو رواية عن مالك وعن أحمد بن حنبل ، وبه قال أبو ثور ، وداود الظاهري أن ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح حرام من غير فرق بين العامد والناسي لهذه الآية . ولقوله تعالى في آية الصيد { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } المائدة 4 ويزيد هذا الاستدلال تأكيداً قوله سبحانه في هذه الآية { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } . وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ، الأمر بالتسمية في الصيد وغيره . وذهب الشافعي وأصحابه ، وهو رواية عن مالك ، ورواية عن أحمد أن التسمية مستحبة لا واجبة ، وهو مرويّ عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء بن أبي رباح ، وحمل الشافعي الآية على من ذبح لغير الله ، وهو تخصيص للآية بغير مخصص . وقد روى أبو داود في المرسل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " ذبيحة المسلم حلال ، ذكر اسم الله أو لم يذكر " وليس في هذا المرسل ما يصلح لتخصيص الآية ، نعم حديث عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن قوماً يأتوننا بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ فقال " سموا أنتم وكلوا " يفيد أن التسمية عند الأكل تجزىء مع التباس وقوعها عند الذبح . وذهب مالك ، وأحمد في المشهور عنهما ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وإسحاق بن راهويه ، أن التسمية إن تركت نسياناً لم تضرّ ، وإن تركت عمداً لم يحلّ أكل الذبيحة . وهو مرويّ عن علي ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء وطاووس ، والحسن البصري ، وأبي مالك ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وجعفر بن محمد ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، واستدلوا بما أخرجه البيهقي عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلم إن نسي أن يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله " وهذا الحديث رفعه خطأ ، وإنما هو من قول ابن عباس . وكذا أخرجه من قوله عبد الرزاق ، وسعيد ابن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر نعم يمكن الاستدلال لهذا المذهب بمثل قوله تعالى { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } البقرة 286 كما سبق تقريره ، وبقوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " وأما حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن عديّ أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمى ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اسم الله على كل مسلم " فهو حديث ضعيف ، قد ضعفه البيهقي وغيره . قوله { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } الضمير يرجع إلى " مَا " بتقدير مضاف ، أي وإن أكل ما لم يذكر لفسق ، ويجوز أن يرجع إلى مصدر تأكلوا ، أي فإن الأكل لفسق ، وقد تقدّم تحقيق الفسق . وقد استدلّ من حمل هذه الآية على ما ذبح لغير الله بقوله { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } ووجه الاستدلال أن الترك لا يكون فسقاً ، بل الفسق الذبح لغير الله . ويجاب عنه بأن إطلاق اسم الفسق على تارك ما فرضه الله عليه غير ممتنع شرعاً { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ } أي يوسوسون لهم بالوساوس المخالفة للحق ، المباينة للصواب ، قاصدين بذلك أن يجادلكم هؤلاء الأولياء بما يوسوسون لهم { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } مثلهم . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، والطبراني وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس ، قال قال المشركون ، وفي لفظ قال اليهود لا تأكلوا مما قتل الله وتأكلوا مما قتلتم أنتم ، فأنزل الله { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } . وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عنه قال لما نزلت { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمداً ، فقالوا له ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال ، وما ذبح الله بشمشار من ذهب يعني الميتة فهو حرام ؟ فنزلت { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَـٰدِلُوكُمْ } قال الشياطين من فارس وأولياؤهم من قريش . وقد روى نحو ما تقدّم في حديث ابن عباس الأوّل من غير طريق . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عنه أيضاً في قوله { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ } قال إبليس أوحى إلى مشركي قريش . وأخرج أبو داود ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عنه أيضاً في قوله { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } فنسخ ، واستثنى من ذلك فقال { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ } المائدة 5 . وأخرج عبد بن حميد ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال كلوا ذبائح المسلمين وأهل الكتاب مما ذكر اسم الله عليه . وروى ابن أبي حاتم عن مكحول نحو قول ابن عباس في النسخ .