Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 122-124)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ } قرأ الجمهور بفتح الواو بعد همزة الاستفهام . وقرأ نافع ، وابن أبي نعيم بإسكانها ، قال النحاس يجوز أن يكون محمولاً على المعنى ، أي انظروا وتدبروا { أَفغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ } والمراد بالميت هنا الكافر ، أحياه الله بالإسلام . وقيل معناه كان ميتاً حين كان نطفة ، فأحييناه بنفخ الروح فيه . والأوّل أولى ، لأن السياق يشعر بذلك لكونه في تنفير المسلمين عن اتباع المشركين ، وكثيراً ما تستعار الحياة للهداية وللعلم ، ومنه قول القائل @ وفي الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسامهم قبل القبور قبور وإن امرأ لم يحيـي بالعلم ميت فليس له حتى النشور نشور @@ والنور عبارة عن الهداية والإيمان . وقيل هو القرآن . وقيل الحكمة . وقيل هو النور المذكور في قوله تعالى { يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِم } الحديد 12 والضمير في " به " راجع إلى النور { كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ } أي كمن صفته في الظلمات ، ومثله مبتدأ والظلمات خبره ، والجملة صفة لمن . وقيل مثل زائدة ، والمعنى كمن في الظلمات ، كما تقول أنا أكرم من مثلك ، أي منك ، ومثله { فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } المائدة 95 { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } الشورى 11 . وقيل المعنى كمن مثله مثل من هو في الظلمات ، و { لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا } في محل نصب على الحال ، أي حال كونه ليس بخارج منها بحال من الأحوال . قوله { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } أي مثل ذلك الجعل جعلنا في كل قرية . والأكابر جمع أكبر ، قيل هم الرؤساء والعظماء ، وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد ، والمكر الحيلة في مخالفة الاستقامة ، وأصله الفتل ، فالماكر يفتل عن الاستقامة أي يصرف عنها { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ } أي وبال مكرهم عائد عليهم { وَمَا يَشْعُرُونَ } بذلك لفرط جهلهم { وَإِذَا جَاءتْهُمْ ءايَةٌ } من الآيات ، { قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } يريدون أنهم لا يؤمنون حتى يكونوا أنبياء ، وهذا نوع عجيب من جهالاتهم الغريبة وعجرفتهم العجيبة ، ونظيره { يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } المدثر 52 . والمعنى إذا جاءت الأكابر آية قالوا هذه المقالة ، فأجاب الله عنهم بقوله { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه } أي إن الله أعلم بمن يستحق أن يجعله رسولاً ، ويكون موضعاً لها ، وأميناً عليها ، وقد اختار أن يجعل الرسالة في محمد صفيه وحبيبه ، فدعوا طلب ما ليس من شأنكم ، ثم توعدهم بقوله { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ } أي ذلّ وهوان ، وأصله من الصغر كأنّ الذلّ يصغر إلى المرء نفسه . وقيل الصغار هو الرضا بالذلّ ، روي ذلك عن ابن السكيت . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ } قال كان كافراً ضالاً فهديناه { وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا } هو القرآن { كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ } الكفر والضلالة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة في الآية قال نزلت في عمار بن ياسر . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ } يعني عمر بن الخطاب ، { كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا } يعني أبا جهل بن هشام . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن زيد بن أسلم ، في الآية قال نزلت في عمر ابن الخطاب ، وأبي جهل بن هشام ، كانا ميتين في ضلالتهما ، فأحيا الله عمر بالإسلام وأعزّه ، وأقرّ أبا جهل في ضلالته وموته ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فقال " اللهم أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب " . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة في قوله { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا } قال نزلت في المستهزئين . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في الآية قال سلطنا شرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال { أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا } عظماءها . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج في قوله { وَإِذَا جَاءتْهُمْ ءايَةٌ } الآية قال قالوا لمحمد حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه من الحق . لو كان هذا حقاً لكان فينا من هو أحق أن يؤتي به محمد { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } الزخرف 31 . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ، في قوله { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } قال أشركوا { صَغَارٌ } قال هوان .